يوم الوطن 2

AustraliaDay2

قبل عام، وفي مثل هذا اليوم، كنت أقضي إجازتي في مدينة قولد كوست بأستراليا، وقفت كما أفعل كل يوم منتظرا وصول الحافلة للمحطة، غير أني وجدت أمراً مختلفاً في كل ما حولي من الأشياء والأشخاص، أدركت أنه يوم مختلف في أستراليا، بعدما تردّدَت على مسامعي وأمام ناظري عبارة “يوم أستراليا“.

كان ذلك اليوم، هو اليوم الوطني لأستراليا، إنهم لا يسمونه عيداً، بل يوما، ثم يضيفون اسم بلدهم، ليكون “يوم أستراليا” هو الاسم الموحد لذلك اليوم، في الصحف وعلى المحلات وعلى الملابس وفي الحافلات وفي المطاعم والفنادق والنوادي وحتى الحانات، كلهم يرفعون الشعار ذاته، وأحيانا، يرفقونه بعلم أستراليا.

في السادس والعشرين من يناير، من العام ١٧٨٨م، رست أولى السفن البريطانية في ميناء سيدني أو ميناء جاكسون كما أطلق عليه مكتشف الساحل “جيمس كوك”، نسبة إلى السير جورج جاكسون، أحد مفوضي الحكومة البريطانية في حماية الأسطول.

إنه يوم اكتشاف أستراليا بالنسبة للعالم، وبداية التغيير والنهضة كما يعتبرها سكانها اليوم، بهذا، استحق ذلك التاريخ أن يكون يوما لأستراليا، يحتفل فيه الأستراليون كل عام بوطنهم ويجددون فخرهم بنهضتهم، هذا بغض النظر عن تفاصيل التاريخ الأسود لحركات الاستعمار الغربية في أرجاء العالم، وفي أستراليا أيضا.

لم أكتب هذه الكلمات للحديث عن تاريخ أستراليا ولا عن احتفالها بيومها الوطني، ولكني أكتبها لنقل الصورة التي رأيتها، الصورة التي لازالت في مخيلتي لا أستطيع نسيانها، صورة للوطنية في أسمى معانيها، وددت حين ذاك، لو كان حس الانتماء في أوطاننا كبعض مما وجدته عند الأستراليين.

أحاول أن أكتب عما وجدت، ولكني أجد قلمي ينحرف ليكتب عما لم أجد، أحاول أن أصف الألوان والصور والتهاني والعبارات، فأجد كلامي كله يختصر في عبارة واحدة وهي “يوم أستراليا“!

لم يكن ثمة مجال للحديث عن شيء سوى الوطن بين الناس، الصغار والكبار يرتدون الملابس التي تتزين بعلم أستراليا وعبارات تتغنى بحب أستراليا، أحدهم يطبع على جبهته شعار الوطن، والآخر يرسم على كتفه علم أستراليا مذيلا بعبارة “فخور لكوني أستراليّاً“.

العجيب، أن أستراليا بلد متعدد الأعراق، لكن الأعراق، كل الأعراق، اتفقت في ذلك اليوم على أمر واحد وهو الولاء للوطن، الأبيض والأسود والأصفر والهندي وحتى السكان الأصليون، الجميع يحتفل بيوم أستراليا، ليس في ذلك اليوم فقط، بل في كل يوم هم يفعلون ذلك، بالترابط والمحبة ونبذ العنصرية، لا ينكر أحدهم أن حضارة أستراليا قد قامت على الظلم واضطهاد السكان الأصليين، لكن جيل اليوم قرر أن يصحح المسار ليصنع بالمساواة القرار.

لم أجد عبارات التهاني تزجى لشخص ما، ولم تتلون المباني بمسميات لأفراد من الحكومة أو الأسرة الحاكمة، أساسا، لم أعرف شخص رئيس الحكومة هناك لأنني لم أجد له صورة أو ذكرا بين الناس، كما لم أجد أي احتفال على السواحل التي تمتد لأكثر من 70 كيلومترا، ترفع فيه صورة زيد وعبيد، لم أجد احتفالا تدعمه أمانة المنطقة أو محافظتها، من أجل امتداح هذا وذاك، تلك السواحل، على امتدادها، كانت ملكا عاما للشعب، حتى الفنادق والمشاريع لا يسمح لها بالاستثمار على السواحل أو استملاك جزء منها، لأن الأرض، حق للشعب الأسترالي، مؤلم ذلك، أليس كذلك؟

في يوم الوطن، يحرص المواطنون على نبذ العنصرية قولا وفعلا، فتتشابك الأيدي، وتردد الأفواه الهتافات الوطنية بصوت واحد، لم أجد هناك أحدا من الناس يحتقر أحدا لاعتباره ليس مواطنا أصليا، أو لأنه قدم إلى البلاد في السنوات الأخيرة ولم يترعرع على أرضها، الجميع يحترم الوطن وحق المواطنة والمواطن، وكل من يحظى بالمواطنة، سيعمل بلا شك من أجل رفعة الوطن.

يقولون، أن الانبهار بالغرب أمر مذموم، وأقول، أن أستراليا رغم أنها في الشرق، استطاعت أن تجبرني على الإعجاب بها وبروح المواطنة عند بنيها، في كل عام، سيعود هذا التاريخ، وسأذكر “يوم أستراليا” ومشاعر المواطنة التي وجدتها في قولد كوست، لأجدد عهدي مع نفسي، بحب الوطن ونبذ الفرقة، والعمل في كل وقت من أجل التغيير ورفعة الوطن.

بو ياسر

26 يناير 2015

انشر الرابط

تعليقات

  1. عبدالله المناعي 5 فبراير 2015 at 8:05 م

    في نقطة اضافية وهي الاحتفالات الهسترية التي تصاحب اليوم الوطني في البحرين
    تعطيل + مغازل + اذية + تنقرش
    وكل هذا بأسم حب البحرين
    ما اعرفه ان الاحتفال يصحب انجاز
    المشكلة صرنا نحتفل من دون انجاز !

  2. ● بو ياسر ● 8 فبراير 2015 at 9:40 ص

    الصديق العزيز عبدالله هود، صدقت، الاحتفال إما أن يصحب بإنجاز، أو أن نحتفل بإنجاز، الواقع أننا نحتفل ونفسد، وما يتم تسجيله إنجازا، ليس أكثر من باقة ورد تحمل اسم القيادة، لا تضيف للوطن شيئا، بل تهدر جزءا من أمواله المهدرة أساسا، وتزيد المحتاجين حسرة.

اترك تعليقاً

اسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني