هل حصل؟

هل راودك ذات مرة شعور غريب تجاه أحد ما؟ شعور بعدم الارتياح دون سبب واضح، شعور غير مبني على مواقف سابقة، بل ربما يكون هذا الشعور قد أصابك في لقائك الأول بذلك الشخص، ثم مرت الأيام والسنوات، ووجدت أنك كنت محقا في شعورك وأن حدسك لم يخب؟

والعكس أيضا، هل راودك؟ أن شعرت بالارتياح تجاه شخص ما دون سبب واضح، في أول لقاء التقيته فيه، ثم وجدت أن حدسك لم يخب، وأن الشخص يستحق منك فعلا ذلك الشعور الطيب؟

هل حصل، في لقائك الأول بأحد ما، أن ارتبت منه فلم تستسغ التعامل معه، ثم ما لبث بعد سنوات، أن صار صديقا مقربا منك، وأصبحت نظرتك الأولى تجاهه محل التندر والمزاح بينكما؟

هل مر عليك، في حياتك، شخص، وجدته يتربع في قلبك دون استئذان، يأخذ من اهتمامك ومحبتك، ووقتك وتواصلك، يلازمك في جميع روحاتك ورحلاتك وسفراتك، يطلعك على أسراره ولا تتردد في البوح له بأسرارك، تؤمن في قرارة نفسك أنه أخ لك لم تلده أمك، أو هو توأم أهدته لك الحياة، تعتقد جازما ألا أحد يمكن أن يكون في قدره يوما ما، ثم، تسحب الحياة كلا منكما نحو مشاغله الخاصة، ليصبح ذلك الشخص بالنسبة لك مجرد شخص، كان صديقا، ولم يعد، لا يهمك من أفراحه وأحزانه إلا تأدية الواجب، ترد إليك أخباره من الأباعد، الاحترام موجود، ولكن القرب قد زال، هل مررت بمثل ذلك؟

هل أعجبت بمقطع أو أغنية ما، وأعدتها مرارا، وحفظتها، وترنمت بكلماتها، والتصقت ألحانها بلسانك حتى أصبحت ترددها أو تدندن بها دون قصد منك، ثم استمعت إليها بعد سنوات، فضحكت على ذوقك المخجل، وحمدت الله ألا أحد يعلم عما كنت تدندن به في ماضيك؟

هل عانيت من مقرر أو مادة في الجامعة أو المدرسة، وظننت أن كل ما فيه، طلاسم لا يمكن تفكيكها إلا بأيدي العلماء أو سحرة تحضير الأرواح، وحملت همه على عاتقك وسعيت جاهدا لإنهائه بالنجاح، ورضيت بالحد الأدنى للاجتياز، ثم كبرت، وعلمت أولا، أن الأمر تافه مقارنة بما جاء بعده من طلاسم الحياة، وثانيا، أن ذلك العلم، لم يكن يستحق منك ذلك الهم والتفكير، وأنك لم تحتج لتطبيقه أصلا منذ ذلك اليوم وحتى يومك هذا؟

هل تصفحت بعض الصور القديمة الخاصة بك، فخجلت من ضحكتك أو ملبسك، أو قصة شعرك أو طريقة وقوفك، فسارعت لإخفاء الصور خشية أن يطلع عليها أحد فيعيّرك بأمسك المحزن وذوقك المخزي، ثم هان عليك الأمر، عندما انتبهت أن الجميع من حولك في الصور كانوا بنفس الذوق والجنون، وأنك لم تكن وحيدا في ماضيك الأسود؟

هل توجهت يوما لمطعم أو مقهى، كنت قد زرته قبل سنوات فلم يزل الطعم في فيك، دفعك الاشتياق للأمس البعيد نحو نفس المطعم، رغبة منك في العودة إلى شيء من ذلك الماضي، فلما تناولت لقمتك الأولى وجدت أن الطعم قد اختلف، وأن طعم الأمس كان أطيب بكثير من هذا الذي تم تقديمه إليك اليوم؟

هل تذكر يوما، عندما كنت صغيرا، قسا عليك فيه شخص ما، قريب من الأقارب، أو جار من الجيران، شيخ في المسجد أو مدرس أو غير ذلك، قسا عليك دون سبب، شعرت حينها بالظلم ولم تمتلك القوة للدفاع عن نفسك أو لتبرير موقفك، ثم التقيته وقد كبرت أنت وشاخ هو، فوجدت شيئا من برود المشاعر تجاهه، وكأن ذلك الموقف أمامك، تراه كانه يحدث الآن، هل حصل؟

هل تأملت هذه التساؤلات فوجدت فيها شيئا مما حصل معك ذات يوم؟ هل فتح لك بعضها بابا للتفكير في ذكريات الأمس ولو قليلا؟ إنها مجرد تساؤلات، لا أملك لها خلاصة ولا ختاما، إلا كلمة واحدة، الأمس، الذي كنت فيه صغيرا، صنع مواقفه بعض الكبار، أو صنعتها أنت ولم تكن قد نضجت بعد، أما اليوم، فإنك في عداد الكبار، مواقفك وتصرفاتك، تصنع يوم الصغار، الذين سيكبرون بالتأكيد ليقرؤوا مثل هذه الكلمات بعد عقد أو عقدين أو أكثر، فلا تكن أغنية تافهة في حياتهم، أو شيخا غاضبا يزجرهم، أو أبا أو أما، اختارت لأبنائها قصة شعر مضحكة أو بنطالا بألوان مجنونة، يجعله يخجل من صورته في المستقبل، كما أن المشاعر قد تتبدل ذات يوم، فلا تجزع لسوء ألم بك، توصد أبواب الأمل لتعيش وسط ذلك الجزع، وخلف الباب تغيير ينتظرك، لم تسمح له أنت بالدخول.

 

28 مارس 2017

انشر الرابط

تعليقات

  1. أم معاذ 29 مارس 2017 at 2:20 م

    ماشاء الله، أكيد أكثر الناس مروا بتلك المواقف ولكن من المؤكد أيضاً أنهم مروا بمواقف يفخرون بها، فهل مررت بما تفخر به؟

  2. فاطمة 29 مارس 2017 at 4:51 م

    جمييل جداً

اترك تعليقاً

اسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني