شفاء القلوب

شفاء القلوب

ألا بذكر الله تطمئن القلوب

في ما مضى من عمري القصير، كان أهم ما تعلمته أن أعظم ثقل على الإنسان، ضيق النفس، أو ما يسميه البعض “الهم”، ذلك لأنه يجعل من الجمال حولنا قبحا، ومن السعادة كدرا، ومن الصديق عدوا، ومن كل خير.. شرا.

عندما يسيطر الهم على كياننا، تضيق الدنيا فلا تتسع لأصغر المكونات، يجد الواحد منا أن كل شيء فيها يقف ضده، يحاول النوم فإما أن يدافعه الأرق، أو أن ينام فيرى في منامه ما يزيد همه، يحاول الترفيه هنا وهناك فلا يجد ما يسكن ضيقه، يبحث عن السعادة فلا يجدها.

البعض من الأشقياء، أو الأغبياء بالأحرى، عندما يضيق به الحال، يبحث عن السعادة في الحرام والآثام، يتناول المسكرات، والمخدرات، يقترف الكبائر والشنائع، ثم يعود من همه إلى هم أكبر منه، فلا هو تخلص من ظلمة الهم، ولا هو استفاد من لهوه الحرام.

عندما يسيطر علينا الهم، يشحب الوجه ويصفر، وتمتحي الابتسامة من على شفاهنا، وربما نكون سببا لنقل الكدر إلى غيرنا دون أن نشعر، فنبدل سعادتهم كدرا دونما ذنب اقترفوه.

عندما يسيطر الهم علينا، نقصر في أعمالنا، ونهضم حقوق غيرنا، ونجعل الدنيا كلها تعيش الهم معنا، ونحرم الكثيرين من السعادة التي عملوا من أجلها، فحرمناهم منها عنوة.

عندما يسيطر علينا الهم، نغفل عن أهدافنا البعيدة، ونرى النهاية أمامنا، ونظل نفكر في النهاية التي قد لا تكون قريبة، فيظل هاجسها مسيطرا، لنحرم أنفسنا من لذة الإنجاز.

عندما يسيطر علينا الهم، نقصر في حق من نحب، ونحرم أنفسنا روعة المحبة، وننسى أننا قد نفقد أحبابنا في لحظة من لحظات الحياة، فنزداد عندها حزنا على حزن، حزن على فقد الأحبة، وحزن جره علينا تأنيب الضمير.

عندما يسيطر علينا الهم، يجب ألا ننسى مفتاح الفرج، وتنفيس الكروب، إنه موجود بين صفحات كتابنا، ولكننا غفلنا عنه والتفتنا إلى الهموم.

عندما تسيطر الهموم، علينا بدواء القلوب، وشفاء الصدور، “ألا بذكر الله، تطمئن القلوب“.

 

بوياسر
4 أكتوبر 2008
5 شوال 1429

انشر الرابط

تعليقات

  1. رجفة قلم 5 أكتوبر 2008 at 12:10 م

    لن يجد المهموم للهمّ أحسن من أربع
    صلاة بجوف الليل خالياً، تسيل فيها الدموع من خشية الله، فتغسل الذنب، وتزيل الهم.
    وآيات من سورة يوسف، تذكره أن من بعد العسر يسراً
    وذكر الله، يقربه إليه، ويلجئه إلى كنفه وحماه.
    ومخالطة الصالحين، يذكرونه بالله، ويعينونه على الشيطان

    تحياتي يا بوياسر

  2. صديق قديم 9 أكتوبر 2008 at 2:53 ص

    أعجبتني مدوناتك يا صديقي القديم و أعجبتني خواطرك ومع انني اعرفك منذ سنوات إلا انني لم اكتشف انك ذا قلب رقيق ومشاعر فياضة إلا بعد انسيابها على صفحات مدونتك.

    وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار!

    سعدت بما قرأت واستفدت

  3. عهود 17 نوفمبر 2008 at 10:26 ص

    ما أجملها من موعظة ..

    عندما تسيطر علينا الهموم ..لن نجد أقرب من الله نقف بابه لنطرحها و نطرح معها جميع الآلام و الأحزان … و نرفع الأشواق !

    عندما يسيطر عليه الهم يثقل اللسان عن ترديد أي شي سوى ذكره سبحانه ..

    جزاك الله خيرا أبو ياسر ..

  4. عصام أحمدي 22 نوفمبر 2008 at 4:41 ص

    عندما نرى شاباً في “عز شبابه” يكتب مثل تلك الكلمات العذبه
    نشعر وان الدنيا تملأها اللآلئ الخيره
    وعندما تتناثر اللالئ امثالك في مجتمعنا لاصبحنا كالعقود الثمينه
    التي يفخر الناس بلبسها ..
    قد اعجز عن الرد على خاطرتك .. فانت اكبر من ان تحصل على رد بسيط
    فجزاك الله خيرا .. هي اخير الكلمات لاخير الناس

  5. عمار العباسي 22 نوفمبر 2008 at 6:37 م

    قبل أن أقرأ المقالة هذه بقليل .. استوقفتني العبارة التي بالأعلى (سأكتب .. لا يهم لمن .. سأكتب هذه الأسطر .. فحسبي .. أن أبوح هنا ..) ..
    يا عزيزي أكتب وملائكة الرحمن تدعوا لك ..

  6. سكون 33 1 أبريل 2009 at 6:00 م

    ألا بذكر الله، تطمئن القلوب“.

    بورك فيك …..

  7. رفيع فقيهي 15 أبريل 2009 at 12:13 م

    أخي العزيز بوياسر
    كلمات جميلة من قلب صادق

    لدي ملاحظة بسيطة لاحظتها خلال تصفحي للمدونة

    لا أعلم إن كنت أتخيل أم أن هناك أمرا آخر

    خيل لي بأن صاحب المدونة شخص يائس مهموم ليس له طموح في هذه الدنيا

    وما سبب لي هذا الإحساس.. كثرة الموضوعات عن الهموم والرثاء والحنين إلى الماضي
    بتحسر

    وكأن الحياة تخلو من ما يزهيها

    لذا أرجو منك كتابة المزيد من المقالات الإيجابية في هذه المدونة لكي تبعد عنك هذه الشبهة 🙂

اترك تعليقاً

اسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني