● طيوف الذكرى ●

طيوف الذكرى

ذكريات.. من العهد الجامعي 

.: الفصل الأول :.

.: مـقـدمـة :.

في جزيرة العرب، عندما تيمم شرقا بعيدا عن مملكتنا الغالية، وبعيدا عن تردد الأمواج على السواحل وأصوات هديرها، بعيدا عن الشواطئ والمظاهر اللينة، تقع مدينة سمعت عنها كثيرا مذ كنت صغيرا، واستغربت اسمها عندما سمعته أول مرة، وتمنيت لو أنني استطعت إليها سبيلا، ولكنني كنت حينها أصغر من أن أسافر وحيدا، أو أن أقترح السفر لمكان ما.

وكما هو حال الدنيا، أسرعت الأيام والشهور والسنون انقضاءها ليكبر الصغير ويشب، ويحين موعد لم يكن ليتوقعه رغم تمنيه إياه، حزمت أمتعتي مغادرا أرض الوطن، إلى تلك المدينة التي سمعت عنها صغيرا، وشاء الله تعالى وقدّر لي، أن أكمل رسم خريطة المستقبل فيها كبيرا.

دخلتها في ساعة متأخرة من الليل، فوجدتها موحشة على عكس ما توقعت، لا حركة فيها ولا حياة، الأسواق مغلقة والمدينة يخيم عليها الصمت، حتى سائق السيارة التي أوصلني لم يكن يتكلم ولا يرد إلا بقدر السؤال، بدأت صورة أخرى ترتسم في داخلي عن هذه المدينة، وكانت الليلة الأولى فيها عصيبة بحق، ومظلمة أكثر من أي ليلة أخرى.

ولو أردت الدخول في أعماق المدينة أكثر فإني لن أجد فيها ما غيّر نظرة التشاؤم التي وجدتها عند نزولي.. غيرها..

نعم إنها هي، أحببتها من أعماق قلبي وترنمت بذكرها كثيرا، تكلمت مع الكثيرين عنها ووصفت لهم مقدارها، كثيرا ما نسيت نفسي في حديثي عنها وأسهبت في الإطراء وأكبرت قدرها في نفسي، لكنني عندما أعود لنفسي أشعر بالندم يؤنبني، لأن هذا القدر كان يجب أن يكتم في الأعماق لا أن يتردد على الألسن.

كانت سنوات المحبة تلك قصة بحد ذاتها، سرعان ما تلاشت بانتهاء فترة المشروع الذي سافرت من أجله، عدت لأزورها مرة أخرى وأخرى، لكن إيماني بقضاء الله وقدره يجعلني أرضى بما قسم، فلم تعد في مكانها كما كانت، عدت إليها ذات يوم والشوق يحدوني فلم أجدها هي! وقفت على الأطلال أبكيها، وأنعيها لنفسي لعلي أهون الأمر قليلاً، وأنى له أن يهون!

أأبكيكِ؟ ويشهد حينها القمـــرُ؟ *** وأشواقي لذكــراكِ لتستعرُ

جمعتِ الحب في الأعماق راضية *** ولم يعرف لقدركِ حينها بشرُ

فبالله، إن سافرت يوما فبلغها سلامي، وقص عليها صدق ما أحببتها من أجله، وخبرها أنني وإن بعدت فإنني لم أنسها، ولم أحبب في الأرض هاتيك غيرها أبدا، وإني إن أحببت تلك الأرض، فإني لم أحببها إلا لأنها حملتها على ترابها.

ادخل إلى تلك المدينة وسر في أرضها، اجتز الأسواق والمباني نحو درب العاصمة، وهناك في نهاية المدينة، سترى حياً مهجوراً، يقال له “بدع بن عمار” مسورا قد يمنعك الحراس من الدخول إليه، وكيف لا يمنعوك وهي تعيش في داخله، أبت نفسها أن تترك الأرض التي حوتها طوال السنين، وجمعتها بمن أحبت، نعم هناك كان لقائي بها أول مرة، وهناك كانت لقاءاتنا المتكررة، وكنت في كل مرة أطيل الغياب، أعود فأسمع منها العتاب، فأطيب منها الخاطر بهدايا وعطايا، قل أن يهدي العشاق عشيقاتهم مثلها.

ادخل إلى الحي، ادخل إلى أعماقه، واترك المنعطفات جميعها حتى تصل إلى ثالثها، فإن انعطفت فواصل سيرك حتى تصل إليها، ستجدها على يمينك شامخة لم تغيرها الظروف، ستشكو أول ما تشكو هجر الأحباب، ونسيانهم لوهج الذكريات، ستقول لك، أن الأوفياء في هذا الزمان قد ولوا، ولم تبق إلا أسماؤهم، ستجدها وقد أوجع الزمان أطرافها، ولكنها مع ذلك لم تنحن، فإن اشتكت وأعادت، فاسألها عن حبيب لا يذكر في أرضها غيرها، عندها، ستثار عندها الشجون والآلام، ستذكر أنني كنت أرعاها وأحبها، ولم يرعها بعدي من أحد، ولم يحببها بعدي أي أحد، ستشكوني إليك بالتأكيد، وستعيد الذكريات المريرة على سمعك، وستبوح لك بالأسرار التي لم تسمعها من قبل، فاسمع منها ولا تقطع بوحها، فإن انتهت، فأقرئها مني السلام وأعلمها أنني لم أنس ذكرها منذ أن ودعتها للمرة الأخيرة، ولها في كل لحظة عندي نصيب من الذكرى.

لها في القلب مقدار سيبقى *** رفيع الشأن تعزفه الشجون

وإن كان الفراق كتــــاب ربي *** فأقـــرئها السلام متى يكون

إن أردت أن تعرفها، فانظر إلى صورتها، وانظر إلى دمعتها، وانظر إلى حاضرها بعدما زال ماضيها، واعلم أن فراقا كهذا.. لا ينتهي بلقاء سعيد كما هو الحال في سائر الفراقات.

 

لمن لا يعرف ما هي الفيلا 40..

انتظر تحديث الموضوع، ففيه أروع الذكريات عن  هذه الفيلا

التحديث (1)

11 نوفمبر 2007

ليلة عصيبة

قبل أن أدخل في بطولات الفيلا 40، سأتحدث عن الليلة الأولى لي في مدينة العين، ليعرف القارئ الكريم كيف كان دخولي الأول إلى الفيلا 40، والتي سيكون لها النصيب الأوفر من الذكريات، وهذا ما جعلني أخصص لها كل التمهيد السابق، والإطراء الذي يراه الكثيرون (وأنا منهم) مبالغاً فيه، ولكنني تعمدت ذلك ليعرف القارئ – خاصة إن لم يكن ممن شهدوا أحداث الذكريات – أن هذه الفيلا، عزيزة على كل بحريني عاش فيها، أكثر مما سمي بشقة الحرية، وأظن أن معظم البحرينيين يعرفون ما هي شقة الحرية.

الفيلا 40، كانت هي الملتقى الذي جمعنا طوال سنوات الدراسة، وهي بيتنا الذي كنا نسعى دائما أن يكون الأفضل في محيطه، وقد حازت الفيلا 40 على جائزة الفيلا المثالية لثلاث سنوات متتالية إذا لم تخنّي الذاكرة، في مسابقة أفضل فيلا التي كانت تقيمها إدارة الإسكان الطلابي بسكن الجامعة، ثم ألغيت المسابقة نهائيا ولم أعلم أنها استؤنفت، ولا أعلم أسباب إلغائها بصراحةً.

لا تزال ليلتي الأولى في مدينة العين محفورة في ذاكرتي، وذلك لصعوبتها – في حينها- على شاب في الثامنة عشرة من عمره مثلي، لا تكمن الصعوبة في الدراسة أو في الغربة، ولكن الصعوبة كانت في أن يغير الشخص نظام حياته نهائيا، ليبدأ السير على منوال جديد، ونظام غير معتاد، مع أشخاص يلتقيهم للمرة الأولى في حياته.

.: ما قبل السفر :.

خرجت من البيت صباح يوم الجمعة إلى (الصخير) حيث كان موسم التخييم في ذروته، وذلك في شتاء العام 2000م، دخلت المخيم فإذا به يعج بالشباب من المرحلة الإعدادية، والبرنامج قائم على أشده، والشباب في حركة ونشاط لا مثيل لهما، آلمني جدا أن ما سيمنعني من هذه السعادة لم يبق عليه إلا سويعات، صليت الجمعة في المخيم، وودعت الأحباب وعدت أدراجي إلى المحرق، كان بصحبتي في طريق العودة أحد الطلاب، ولا أذكر أنني نطقت معه بكلمة طوال الطريق، ذلك لأن التفكير شغلني، والكثير من التساؤلات ارتسمت في ذهني، المستقبل، والدراسة، والتخصص، العين، ودخولي الأول إليها عندما ذهبت لتقديم أوراقي، إمكانية التغيير وتحمل الظروف.. أمور كانت تتضارب في دماغي فلا أخلص منها إلى نتيجة..

وحان وقت السفر، مساء يوم الجمعة الرابع من شهر يناير (كانون الثاني) 2000م، ودعت الأهل وكان لا بد من وداع خاص للوالدة العزيزة، وانطلقت إلى المطار، وهناك التقيت بثلاثة من الشباب، الذين سيكونون أوائل الأبطال في سلسلة الذكريات.

الأخ (mtc (سابقا) Zain حاليا) كنت أعرفه مسبقا وكان زميلا لي في المرحلة الإعدادية والثانوية وكان بالنسبة لي أكثر من أخ، التقيته في المطار وسلمت عليه وسلمت على الاثنين الآخرين الذين لم أكن أعرفهما سوى معرفة سطحية، بدأ التعارف من حينها إلى أن وصلنا إلى العين، في الساعة الثانية عشرة ليلاً، وذهبنا إلى السكن، وكما ذكرت مسبقا فإن المدينة في تلك الساعة تكون موحشة لا حياة فيها، وسبق أن عرفت ذلك في سفرتي الأولى قبل أسبوع من هذه الأحداث.

وصلنا إلى السكن، أخذنا الأخ Zain إلى غرفته وقد كانت بدون مبالغة لا تتعدى أبعادها المتران ونصف المتر طولا ومثلها عرضا، وقال أننا سنبيت هذه الليلة في الغرفة المذكورة!

جلسنا نتبادل أطراف الحديث ووجدت أننا ونحن جلوس لم تكن الغرفة لتسعنا، فكيف سيكون الحال عند النوم؟

الأخ Zain اتصل بأحد معارفه من شباب أبو ظبي (راعي السيفيك) الذين يسكنون الفيلا نفسها وتكرموا علينا بغرفة من غرفهم، فكان القرار من الأخ Zain أن أنتقل أنا والأخ الذي عرفته تلك الليلة واسمه الرمزي (عاشق الشاي)، انتقلنا إلى تلك الغرفة الواسعة، وكان الاتفاق أن نخلد إلى النوم لننهي إجراءات الفحص الطبي والإسكان في صباح اليوم التالي، لكن لزوم التعارف جعلتنا نتحادث حتى قبيل الفجر، أنا والأخ عاشق الشاهي.

الأخ عاشق الشاي كان ولازال مدخنا وكان يشعل السيجارة تلو السيجارة وينفثها في الغرفة، حتى غدت رائحتي أنتن من رائحة السيجارة نفسها، واستحياءً من الأخ الذي لم أعرفه إلا قبل ساعات، فإني لم أستنكر ذلك إلا بقلبي وذلك أضعف الإيمان، واليوم عندما أذكره بتلك الليلة يضحك ويقول أنه تعمد ذلك لكي يعودني على تقبل جميع الأوضاع، وأنا بدوري أقدم له جزيل الشكر على هذا الدرس القيّم.

كان هذا من ظاهر المواقف، أما باطنها، فقد كان غير ذلك، لم أكن أعرف أين سيكون مكان إقامتي، ولا طبيعة المكان، ولم أتصور أنني سأبيت الليل على رائحة الدخان وأصحو عليها، كل ذلك كان يشكل نقاط قلق بالنسبة لي، وبقيت على هذه الحال، حتى غلبني النوم وأصبح الصباح.

نستأنف الذكريات قريبا بإذن الله.. وفيها..

* نتائج الفحص الطبي

* الظهور الأول للفيلا 40 في حياة بو ياسر

بو ياسر

11/11/2007

تحديث 12:30 ظهرا

التحديث (2)

12/11/2007

من أصبح.. أفلح

بعد ليلة هادئة مليئة بالأفكار، تشوبها سحب الدخان الداكنة، استيقظنا بقيادة دليلنا الأخ Zain، لنذهب إلى الجامعة وإدارة الإسكان الطلابي وإلى مكان يدعى (الصحة المدرسية)، إلى اليوم وأنا أفكر، طالما كنا طلابا جامعيين، حتى وإن كنا مستجدين حينها، ما شأننا نحن والصحة المدرسية! أما زال شبح المدرسة يطاردنا حتى الآن! لكنني لم أجد جوابا لتساؤلي حتى اليوم!

دخلنا إلى هذا المبنى لاستلام نتائج الفحص الطبي الذي قمنا بإجرائه قبل أسبوع، في الزيارة الأولى لي لمدينة العين، ووجدنا أننا نحن الثلاثة، لائقون صحياً، لم يكن ذلك جديداً علي إذ أنني لم أعاني حينها من أي داء والحمد لله، لكن الغريب في الموضوع أن الأخوين (عاشق الشاي) والأخ الآخر (عبدالرحيم) كانوا يضحكون بطريقة غريبة جعلتني أعرف أن وراء هذه الضحكات سرا، لكنني استحيت حينها أن أسأل.

وبعد دهر من الزمن عرفت أن وراء تلك الضحكات سالفة.. الأخوان عندما دخلا إلى دورة المياه، وكان قد طُلب منا عينة من البول وعينة من الخروج (أجلكم الله)، وجد أحدهما أن بطنه خالية، فهمس للآخر بذلك الذي أكد أن عنده ما يكفي لهما هما الاثنان، فكان وقت الفزعة، إذ ناوله قارورة المختبر ليضع له شيئا من خصوصياته، فكان الضحك أن لعبتهم قد انطلت على أخصائيي المختبر في (الصحة المدرسية)، وعلى هذا كان الضحك، ولا أظن أن هذا الضحك سيكون لو كان أحدهما مصابا بوباء لا سمح الله، إذن لحرم الاثنان من الدراسة بسبب هذه العينة.

بعد انتهائنا من إجراءات الصحة والإسكان وشؤون التغذية، عدنا لأخذ قسط من الراحة، كان ذلك بعد صلاة الظهر، استيقظت لصلاة العصر، ولم أجد بعدها رغبة في النوم، كنت قد سألت الأخ Zain عن مكان إقامة الشباب البحرينيين، فأرشدني إلى المكان وأخبرني أن رقم الفيلا هو 40، بعد خروجي من مسجد السكن، ذهبت أستحث الخطى لأطلع على المكان الذي سيؤويني في السنوات القادمة، الفيلا 40، وصلت إليها فلم تكن من الخارج مختلفة عن سائر الفلل، غير أن بقايا بعض الأعشاب في حوش الفيلا لا تزال قائمة، وما إن دخلت حتى جائني رجل بنغالي يصرخ في وجهي ويمنعني من الدخول، حاولت التفاهم معه وعندما علم أنني بحريني، سمح لي بالدخول، علمت لاحقا أن هذا البنغالي ويدعى يوسف، قد استعمله أحد الأخوة (وهو أحد أبطال الذكريات) ليقوم بحراسة الفيلا وري الزرع، وقد كان أمينا من ناحية الحراسة، ولم يكن كذلك من الناحية الأخرى، إذ أن العشب كان يحكي حجم المعاناة التي قاساها في غياب رواد الفيلا.

دخلت إلى الفيلا، فوجدت لوحات إعلانية ومواضيع مقتبسة من الكتب، نظافة لم أكن أتوقعها، كل هذا كان بالرغم من غياب الشباب عن المكان لفترة تقارب الشهر، حاولت الدخول إلى الغرف فلم أستطع لأنها كانت مقفلة، لكن الذكريات المنقوشة على الجدران كانت تحكي الأقاصيص في حد ذاتها، أسماء وألقاب، وشفرات لم أفهمها.

البياعة كانت خاوية على عروشها، ولوحة الديون لا تزال معلقة، وقد كان يتصدرها الأخ (المدبر) وهو نفسه الذي أمر يوسف بالحراسة، علمت أن تنظيما متقنا يسيطر على هذه البياعة ويدير على نظامها وذلك عندما رأيتها للوهلة الأولى، وسألت عن الشخص الذي يديرها، فأخبروني أن اسمه (مدحت) وهو شاب يدرس نظم الحاسوب، سمعت عن اسمه مرارا ولكني لم ألتقه من قبل.

صور لشخصيات الفيلا 40 كانت ترتسم في مخيلتي، الأخ (مدحت) تخيلته طويلا رياضيا، وتوقعت أن يكون أبيضاً وتكسو وجهه لحية خفيفة، أما الأخ (المدبر) فكنت أعرفه معرفة سطحية أيضاً لكنني استنتجت من لمساته في الفيلا أنه العقل المدبر والمسير لشؤون الفيلا. الأخ (الكروان) كنت أكن له كل احترام وتقدير من قبل أن ألتقيه في الفيلا، ذلك لأني عرفته من قبل بدماثة خلقه ولين طبعه، فكنت سعيدا جدا أنني سألتقيه في العين بعد أن كانت علاقتنا مجرد معرفة، وسنكون بعدها زملاء دراسة.

أحببت الفيلا 40 مع دخولي الأول إليها، وأصبح لها عندي قدرا تضاعف مع مر السنين، عدت بعد هذه الزيارة الخاطفة إلى الشباب (Zain و عاشق الشاي والأخ عبدالرحيم) لنتفق على برنامج الليلة، فكان الاتفاق أن نذهب إلى النادي الاجتماعي، وهو صالة في السكن فيها ألعاب البليارد والتنس وغيرها.

كان ذهابنا إلى هناك لتغيير الجو لا غير، جلست أراقب الطلاب في لعبهم وأصر الأخ عاشق الشاهي أن نشرب الشاي فلم نمانع، عندها جاء شاب سوري اسمه (جرير) يدعو أحدنا للعب التنس معه، فبادر الأخ Zain إلى ذلك، وعندما أنهوا لعبهم شاركنا الشاب جرير في حديثنا وسألنا: هل تعرفون طالبا بحرينيا اسمه (مدحت)؟ فأجابه Zain أن نعم، ثم واصل جرير كلامه وقال: مدحت يسكن في الفيلا 40، هل تعرفون الفيلا 40؟ أشرت برأسي أنني أعرفها، وكذلك فعل الأخ Zain، ابتسم جرير، وقال: هذه الفيلا لم أر في السكن فيلا في مثل تميزها، الشباب البحرينيون أبدعوا في إعدادها للدراسة والمعيشة، لوحات وألوان، زرع وملعب رائع، تكاتف لا مثيل له وتعاون على تزيين الفيلا وتعديلها، جهد جبار، هل تعلمون أن هذه الفيلا حديث الجميع في السكن؟ هل تعلمون أن شبابا من عدة إمارات وجاليات حاولوا المنافسة في مسابقة الفيلا الأفضل فلم يستطيعوا؟

واستمر الحديث وتبدل الموضوع حتى جاء وقت العودة إلى الغرفة، وبقي كلام جرير عن الفيلا في بالي، وكنت أقول في نفسي أن ظني كان صحيحا، مثل هذه الفيلا يجب أن تكون فخرا لنا جميعا..

كل هذا كان قبل أن أسكن في الفيلا 40، والذكريات في استمرار.. فتابعونا

بو ياسر11/11/2007

تحديث 12:40 ظهرا

التحديث (3)

13/11/2007

.: يوم الحشود :.

قد يوهم الاسم أنه يوم زحف وحرب، ولكنه ليس كذلك بالتأكيد، أسميته كذلك لاختلافه كلياً عن سابق الأيام، فبعد أن مضى علينا يوم كامل قضيناه بمعية بعضنا نحن الأربعة، بدأ الطلاب البحرينيون بالوصول إلى السكن للتسجيل للفصل القادم، وكل منهم له من الأعمال ما له آنذاك، وكل قد عزم على خطة سيبدأ العمل على تنفيذها قريبا، لذلك كان يوم حشد بالنسبة لي، بدأت الوجوه الجديدة تظهر، وبدأت صورة الحياة القادمة تلوح لي بعد أن اطلعت على شخصياتها.

أول وصول حسبما أذكر كان وصول الأخ الحبيب (شاعر جو)، لا أعني بلفظ (جوّ) أنه كثير الطيران والتحليق وإن كان كذلك في بعض الأحيان، لكنني أعني أمراً آخر يفهمه شباب العين، استقبلناه بالترحيب والتهليل مع أننا لم نكن نعرفه مسبقا، فيما عدا الأخ Zain طبعا، ولكن ابتسامته وطبعه المرح جعلنا نتقبله بسرعة، حتى أن الأخ (عاشق الشاي) استرسل معه في الحديث وكأنما يعرفه منذ أمد بعيد، واتفقا على السكن في غرفة واحدة في الفيلا 40، وكنت أقول في نفسي، ما أسرع ما تأقلموا مع بعض! بطبعي السابق لم أكن اجتماعيا ولم أكن أعرف فن إسقاط الحواجز في اللقاء الأول، فاكتفيت بالاستماع دون المشاركة، أضحكني حديث الأخوين شاعر جو وعاشق الشاي، عندما تمنى الأخ الشاعر الزواج من لبنانية و (……) << جزء حذفته الرقابة، وما إن أنهى عبارته حتى التفت ليرى تقبلي للموضوع، فلم يجد مني أدنى ابتسامة، فسارع بعدها لتغيير محور الحديث الذي كان الأخ عاشق الشاي مندمجا مع أشد الاندماج، ربما كان لسان حاله (الله يعيننا على هالمطوع)، ولم يعلم أن بالي كان مشغولا بأمر آخر وإلا لكنت أول المشاركين له في موضوعه.

وفي وسط هذه المعمعة وهذه الأحاديث كان عددنا قد وصل إلى السبعة أشخاص أو الثمانية، وكان آخر الشباب وصولا الأخ العزيز (راعي السيفيك) الذي سبق وأن أوردنا اسمه، وهو أخ عزيز من أبو ظبي، وفيه عرق (عرج) بحريني لا يستهان به، وما زال بو ياسر صامتاً وكأنه ينتظر شيئا معينا، حتى جاء البشير يبشر بقرب وصول الأخوين (مرزوق) و (أيسر) عن طريق البر، تهلل وجهي بشرا وسرورا، لأن الأخ أيسر هو الشخص الوحيد الذي كنت أعرفه عن قرب منذ المرحلة الإعدادية وربما قبل ذلك أيضاً، وكنت أنتظر وصوله منذ دخولي الأول للسكن.

جاء القرار من الأخ Zain والأخ شاعر جو، أن ننتقل إلى الفيلا 40 لاستقبال الشباب، وطبعا لأننا كنا حينها كالضيوف، ولم نصبح من أهل الدار بعد، فقد كنا نوافق على كل المقترحات، فيما عدا الأخ عاشق الشاهي الذي كان كثيرا ما يدلي بدلوه، وإن كتب الله أن تستمر هذه الذكريات، سيعرف القارئ الكريم الكثير عن شخصية الأخ عاشق الشاي، وعن نوادره وخباياه.

ذهبنا إلى الفيلا 40 وقمنا بعملية ترتيب سريعة على الفيلا، إلى أن وصل الأخوان مرزوق وأيسر، فكانت السلامات والترحيبات تغمر الجو غمراً، تحلـّـقنا في صالة الفيلا كل يتكلم عن إجازته وحاله فيها، وعن درجات الفصل الماضي ومستجدات الأمور وما حصل وما سيحصل، إلى أن جاء سؤال الأخ شاعر جو عن الأخ (ابن الأشراف)، هنا انقلب الموضوع كله إلى محور آخر، للحديث عن قصة مأساوية قد لا يسع المقام لذكرها الآن، ولكن اختصارها يكمن في أن الأخ ابن الأشراف كان قد لحق الأخوين مرزوق وأيسر بسيارته برا، سيارته كورولا موديل 1989م، ومع ذلك فقد أصر الأخ أن الله هو الحافظ وأن السيارة ستصل إلى العين بإذن الله، ولكن السيارة تعبت كما يتعب ابن آدم قبل الوصول إلى خط سلوى بالقرب من دولة قطر، فذهب إلى بعض أهله في تلك المنطقة واضطر الإخوة للمضي عنه إلى العين ليدركوا فترة التسجيل للفصل القادم.

وبطبيعة الحال كان الأخوان مرزوق وأيسر في قمة التعب والإنهاك، وهذا ما جعلنا نفض المجلس ليرتاح الإخوة، كما قررنا أن نخلد جميعا إلى النوم استعدادا لامتحانات تحديد المستوى في اليوم التالي، وللتسجيل بالنسبة لبعض الإخوة الآخرين.

بو ياسر12/11/2007

تحديث 7:55 صباحا

التحديث (4)

13/11/2007

.: جــدّ.. واجتهــاد :.

في صبيحة يوم الأحد، كان كل منا له شأنه، الأخوان أيسر ومرزوق ذهبا إلى الجامعة للتسجيل، وكذلك فعل الأخ Zain، بينما مكثنا أنا والإخوة عاشق الشاهي وعبدالرحيم في السكن على أمل أن نستعد لاختبارات تحديد المستوى، لم أكن أعرف أي شيء عن طبيعة الاختبارات غير المواد التي سنختبر فيها، ولكن مجموعة من الكتب الخاصة بالأخ Zain كانت مساعدة لنا في فهم المواضيع المتناولة.

مضى اليوم دون برنامج يذكر، إلى أن أمسينا ونحن مستمرون في ترنّمنا بموضوع الاستعداد للاختبارات دون أي إنجاز، فاتفقنا أن نخرج من الفيلا 40 ونتوجه إلى غرفة الأخ Zain لندرس هناك، ربما كان السبب في تغيير المكان أن الشباب كانوا يبحثون عن بيئة أفضل، بالرغم من أن الفيلا لم يكن فيها أحد.

أود هنا أن أنوه أننا سنستقبل شخصية جديدة في ملف الذكريات بعد قليل..

الأخ Zain تعرف على أخ إماراتي في صبيحة ذلك اليوم، ودعاه لمشاركتنا في الدراسة مساء، وربما كان ذلك هو السبب الأهم في انتقالنا إلى غرفة الأخ Zain، دخلنا إلى الغرفة، وجلسنا، وإذا بالأرض تهتز والأبواب ترعد من وحش قد أقبل عليها يهز الأرض هزاً، وإذ بمداهمة مرعبة وشخص يملأ مدخل الغرفة، يجهر بصوته المميز: السلام عليكم، رددنا التحية، وبادر الأخ Zain بتقديم الأخ (شركان) لنا، استقبلناه بالتحايا والتراحيب، وكان شخصا مرحا، كثير المزاح وخفيف الظل، وأضيف على صفاته أنه جاد في وقت الجد ومجتهد في دراسته وحريص عليها، إلا أنه كثيرا ما يستخدم يده في المزاح، فكنت عندما أراه مخططاً لمزاح أبتعد عنه لأن مزحه كثيرا ما كان يؤلم!

الأخ شركان أصبح اليوم مشهورا على مستوى الدول العربية أجمع، وربما يأتي اليوم الذي نذكر فيه مناسبة شهرته.

الخطة كانت تقول أننا يجب أن نبدأ الدراسة، لكن المواهب تدفقت علينا في تلك الليلة من بين أيدينا ومن خلفنا، فكان أخونا شاعر جو يبدأ بارتجال البيت فيتلوه الأخ شركان ببيت آخر، ونحن نؤمّن على أبياتهم بـ (صح لسانك) وهكذا حتى تأخر الوقت من دون أن ننجز شيئا، فكان القرار من الأخ شركان أن ننهي تلك الأمسية الشعرية لنبدأ الدراسة، وبدأنا بعد حين ولكن على عجالة لأن الوقت قد تأخر.

وبقينا على تلك الحال حتى وجدنا أن الأدمغة قد توقفت عن العمل بسبب انتهاء الخدمة في تلك الليلة، فقررنا أن النوم أفضل حل لمثل هذا النوع من المشاكل، وكما هو معروف في جميع الأقطار والأمصار، فإن مشروع النوم هو المشروع الذي يجد أكبر عدد من المؤيدين، وبالإجماع، تم تنفيذ القرار، لنستيقظ في اليوم التالي متوجهين إلى الجامعة.. لتحديد المصير الشخصي في المحنة المسماة: (التعليم الأساسي).

بو ياسر12/11/2007

تحديث 1:30 ظهرا

التحديث (5)

14/11/2007

.: وبدأت الدراسة :.

كان الأسبوع الأول لي في العين أسبوعاً عاديا، لا يميزه أي شيء غير ما ذكرنا سابقا، تعارف وإعداد للنفس، تهيئة الفيلا لبدء الفصل الدراسي الجديد، تنظيف هنا وهناك، لمسات فنية، وكان لي فيها دور بسيط، حيث وجدتها فرصة لممارسة بعض الهوايات القديمة، الأخ شاعر جو كان هو المضيف يوميا، فقد كان يعد القهوة وينزل (القدوع) عصر كل يوم، فيكون أطيب اجتماع، أحاديث وسواليف، أروع الأيام كانت إذ لم يحن وقت الجد بعد.

واستمر الوضع كما ذكرنا حتى جاء يوم الجمعة، أي أن أسبوعا مرّ على وصولي إلى العين، وإن كان يوم السبت الماضي هو يوم الحشود، فإن هذا اليوم هو يوم الحشد الأكبر، لأنه يوم وصول جميع الشباب، حيث كان البعض مضطرا للقدوم مبكرا للتسجيل، أما الإخوة المتقدمون في الدراسة فقد أنهوا إجراءات التسجيل مسبقا، وكنت أشعر حينها بالتفرقة في هذا الأمر بين الطالب القديم والطالب المستجد، ولكنني عندما وصلت إلى السنة الثانية تلاشى عندي هذا التفكير، وهذا هو حال الدنيا، لا يشعر ذو النعيم بجحيم غيره.

بدأ سكن المرخانية-1 يمتلئ شيئا فشيئا، وأصبح يعج بالطلاب من جميع الأصقاع بعد أن كان خاويا على عروشه كالمقابر في أنصاف الليالي، وكان جميع رواد الفيلا 40 في انتظار وصول الفوج الأخير من شبابها، إلى أن حانت تلك اللحظة، ودخل الشباب بعدتهم وعتادهم، الأخ مدحت، والأخ المدبر، وكان معهم الأخ (متفائل)، والأستاذ (مطلوب)، وقد يسأل سائل، لماذا كان هذا أستاذا دون غيره، نعم سيأتي ذكر ذلك بعد أن يمضي عام على دخولي الجامعة إن شاء الله.

لاحظت أن الشباب افتقدوا شخصا يدعى (عبدالجبار)، فتبين لاحقا أنه سيصل في وقت متأخر من الليل لأنه فضل السفر على شركة أخرى دعما للشركات الوطنية، فكان وصوله بعدهم بساعات.

أصبحت الفيلا 40 مزدحمة نوعاً ما، يسير عليها جو من التراحيب والسلامات ولا تكاد تميز كلمة في كثرة الكلام، الأخ المدبر ما إن وصل حتى أخذت الفيلا جوا آخر من المرح والضحك، وسأل أول ما سأل عن “يوسف” الذي تكلمنا عنه مسبقا، واتضح أن بعض الأغراض قد سرقت وأنه تم اقتحام بعض غرف الفيلا في غياب الشباب، مما كشف للجميع أن الأخ يوسف لم يعمل بإخلاص حتى في هذا الجانب الذي ظننا أنه لم يقصر فيه، فتوعد الأخ المدبر بعقوبة رادعة للمدعو يوسف، تتلخص في خصم مبلغ من مكافأته المقدرة بعشرة دنانير.

وفي صبيحة اليوم التالي، يبدأ الطلاب فصلهم الدراسي الجديد، يحدو كل منهم الأمل في التغيير، يسعى كل منهم نحو نجاح جديد يلغي كل تقصير كان، وقد كانت محاضرتي الأولى في الساعة الثانية عشرة ظهرا، وتصادف أنه نفس وقت دوام الأخ المدبر، فخرجنا معا وركبنا سيارة أجرة، حيث كانت حافلة الجامعة قد غادرت، إلى أن وصلنا إلى ذلك الصرح المسمى بالمعهد الإسلامي.

أستطيع أن أقول الآن أن هذه هي الحياة الجديدة التي لم أكن أتصورها، لم أكن أتصور أن أكون غريبا في مكان، كنت أدخل المبنى وأجتاز الممرات بتوجس ورهبة، وأتخيل ألف صورة للقاعة والدكتور والطلاب، وتقبل الطلاب لطالب بحريني في وسطهم، كما أنني كنت أتساءل إن كنت سأجد من أتحدث معه في يومي الأول أم لا، خاصة أنني وكما أسلفت كنت أرهب اللقاءات الجديدة وأجد صعوبة في التعارف.

وصلت إلى قاعة المحاضرة، دخلت إليها وكانت مكتظة بالطلاب، تفحصت الوجوه التي سأجلس بينها.. وكانت المفاجأة السعيدة.

نواصل معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله

بو ياسر

14/11/2007

تحديث 12:15 ظهرا

التحديث (6)

15/11/2007

.: اليـوم الدراسـي الأول :.

وصلت إلى قاعة المحاضرة، دخلت إليها وكانت مكتظة بالطلاب، تفحصت الوجوه التي سأجلس بينها.. وكانت المفاجأة السعيدة.. الأخ عاشق الشاهي يجلس في مؤخرة الصف، ويبدو أنه كان يشاركني الشعور ذاته، فأسرعت كمن وجد رشفة ماء بعد طول عطش، لأجلس بجواره وقد انفرجت أساريري، كنت سعيداً جداً لأن هناك من سيعينني على اجتياز الحاجز الأول.

بدأنا الفصل الدراسة بحضور محاضرة اللغة العربية، وسرعان ما انتهت المحاضرة، لأنتقل بعدها إلى محاضرة أساسيات الحاسوب، وعاد التوتر يسيطر علي من جديد، ولكني ما إن دخلت إلى القاعة حتى وجدت قفىً لشخص أعرفه جيداً، إنه عبدالرحيم، بطوله وتمايله في جلسته، الذي لا أخطيه أبدا، ووجدت من أجلس بجواره مرة أخرى.

ثم كانت محاضرة الرياضيات، دخلت ولم أجد أحداً أعرفه، فاتخذت لي مقعدا في منأى عن الآخرين، وجلست صامتا إلى أن دخل الدكتور السوداني الذي أحببته جداً لسعة صدره، بالرغم من أنني لم أستفد منه في الرياضيات شيئا، والحمد لله أنني سلكت المسار العلمي في المرحلة الثانوية، وإلا لكنت حتى اليوم أجاهد مع مقرر الرياضيات في التعليم الأساسي.

بدأت المحاضرة وبدأ الدكتور بتعريف نفسه، وفي هذه الأثناء، اقتحم أحدهم باب القاعة اقتحاما، وعندما وجد القاعة ممتلئة أبدى خجله واعتذاره، ضحكت كثيرا على موقفه وفرحت جداً، لأن الذي دخل كان الأخ ابن الأشراف، الذي ذكرنا موضوعه مع سيارته مسبقا.

ثلاث محاضرات وأنا أجد فيها زميلا أعرفه ويعرفني، ولكن هل تكون المحاضرة الرابعة كذلك، لم أنتظر المفاجأة، فقررت العودة إلى السكن وعدم الحضور، وكما يعلم الإخوة البحرينيون أن شهوة (القصّ) من الشهوات الخمس التي اعتمدت رسميا عندنا معشر البحرينيين في الفيلا 40.

دخلت إلى الفيلا ووجدت الأخ أيسر عند التلفاز يتابع برنامجا مملا، لكن لم يكن له بديل آنذاك، وهو برنامج “ركز مع زكي”، وبعد السلام أخبرني الأخ أيسر أن حادثا أليما وقع ظهر اليوم للأخوة المدبر وعبدالجبار وصاحب السيارة الأخ مرزوق، وقد أصيب الأخ عبدالجبار في أنفه، وربما يعود إلى البحرين.

جلسنا في ترقب لعودة الأخوة، وعاد الأخ مرزوق، وقد بدت على وجهه أحزان لا أول لها ولا آخر، توقعت أن يكون الأخ عبدالجبار قد فارق الحياة، خاصة وأن ملامح مرزوق لم تكن توحي إلا بذلك، سألناه عن الأخ عبدالجبار، فقال أنه لا يعلم عنه شيئا، لأنهه آت من الـ”كراج” وليس من المستشفى، وما علامات الحزن والأسى إلا تعبير صادق عن حبه لسيارته التي تكن له هي الأخرى كل حب ووفاء.

وكان الخبر صحيحاً، فقد عاد الأخ عبدالجبار والألم باد على وجهه، وسرعان ما اتخذ قرار العودة إلى البحرين وإلغاء الفصل الدراسي، لإجراء عملية عاجلة في أنفه.

سنعود للمواصلة لاحقا.. ولكن.. هل هناك متابعون؟

بو ياسر

14/11/2007

تحديث 7:45 صباحا

التحديث (7)

16/11/2007

.: وبعد أسبوع آخر :.

لكل نظام قائد، ولكل مجموعة رئيس، والرئيس لابد أن يكون مختلفا عن الآخرين في كل شيء، حتى في طريقة تواجده.الفيلا 40 كان يسودها نظام متكامل يقوم على أساس التعاون والدمج ما بين الجد والمرح، مع العلم أن الجد كان له أهله، والمرح كان له أهله، ونادرا ما كان يخلط شخص واحد ما بين الاثنين.

نعود إلى موضوع القائد، كان النظام القائم في الفيلا 40 نظاما رائعاً، يديره الأخ (الكروان)، وبطبيعة الحال فإن القائد لابد أن يأتي بعد استتباب الأمور، هكذا هي القيادة في العصر الحاضر، إذا بعد أن استقر الجميع في الفيلا وقام الأخ المدبر والأخ مدحت بتوطيد أركان الفيلا والتعرف على الشباب المستجدين، وتعريفهم بنظام الفيلا وبنوده، وصل في صبيحة يوم الجمعة، بعد أسبوع من بدء الدراسة، وصل الأخ (الكروان)، وقد كانت مراسم استقباله رائعة ولذيذة، وشارك فيها الجميع، وكيف لا وهو قائد الفيلا 40 وصاحب الهمة والرأي، الرأي الذي سرعان ما يدير الأخ المدبر الانقلابات ليغيره وذلك بموالاة من الأخ مدحت والأخ أيسر، اللذان كانا دائما ضد القيادة وفي صف المعارضة، الاستقبال الذي شارك فيه الجميع لم يكن غير النوم، نعم، فقد وصل الأخ الكروان ووجد الجميع يغطون في سبات عميق، دخل وكشف عن وجهي الغطاء، وابتسم لي، نهضت سعيدا بوصوله حيث كان الأكبر حينها، وكنت أنا الأصغر في الموجودين، وجلسنا نتحدث بمشاركة الأخ المدبر، حتى حان وقت صلاة الجمعة.

خرجنا لنركب الحافلة، وكالمعتاد، كنا متأخرين وكانت الحافلة قد غادرت، فاضررنا للذهاب مشيا إلى المسجد، الأخ المدبر كان في مؤخرة الركب، ووجد طقوسا غريبة على دوار (شخبوط)، وجد أحد الشباب الذين ورد اسمهم في سياق الذكريات (بدون ذكر أسماء)، يقف في الدوار ويرفع يديه بالدعاء، وعندما سأله عن السبب كان الجواب أنه لا يتوقع اللحاق بالجماعة فقرر الصلاة في الدوار ملتحقا بجماعة المسجد.. كانت فتوى فريدة من نوعها ولكنها لم تلق تشجيعا من الآخرين، أعود فأقول، هكذا نحن دائما، نحارب الإبداع ولا نسمح له بالدخول إلى أدمغتنا، ولذلك صارت أراذل الأمم تسبقنا ونحن نستصعب اللحاق بها.

بدأت الحياة تأخذ مجراها الطبيعي، دراسة وجد، وترفيه في آخر الأسبوع، تجمّع رائع تسوده المحبة، أخوة لا تعرف الحدود، وشباب أقل ما يقال عنهم أنهم رائعون، مع كل هذه الطرائف، وكل هذا المزاح، مع كل النوادر، وكل الذكريات، كان الالتزام والمحافظة على العبادات والصلوات أمر لا يتنازل عنه رواد الفيلا 40، بل إن تواجدنا في العين كان في أحيان كثيرة أفضل لنا من تواجدنا في البحرين من ناحية العبادة والقرب من الله، ذلك لأننا وجدنا صحبة تذكرنا بالله، وكان مقر هذه الصحبة، الفيلا 40.

ومع بداية الجد، ارتأى الأخ (الكروان) أمرا مهما، وهو أن نجتمع للتعارف في بداية الفصل، كما أن هناك أمور يجب أن يشير إليها في بداية الفصل بصفته قائداً للفيلا 40، الاجتماع كان مفيدا حتى اللحظة ما قبل الأخيرة، ولكنه لم يعد كذلك في نهايته، يتساءل القارئ الكريم، لماذا؟

كان الأخ الكروان يشحذ الهمم ويدعو إلى التفوق والرقي بالمستوى الدراسي، وكان يقول في حكمة وصدق، “أن علينا أن نكون شامة السكن في جميع الأمور، في صلاتنا ومحافظتنا عليها، صلاة الفجر خصوصا، في حضورنا وعدم الغياب عن المحاضرات، في تعاوننا مع إدارة السكن، والدراسة، الأمر الذي لم نجتمع إلا من أجله”، ولكن الأخوين المدبر وأيسر اتخذا الموضوع هزلا وقلبوا جلسة التواصي إلى جلسة ضحك، خاصة وأن الكروان تطرق إلى موضوع الدراسة، والأخوان كانا يحبان كل شيء ويودون كل الأنشطة، ما عدا ذلك النشاط الذي يسمى دراسة، فانفض الاجتماع والقهر باد على وجه الأخ الكروان وانقلب الجو الجاد إلى صخب ولغط، فقد تبدد الهدف الذي سعى إليه قائدنا الكروان، ولم يتبق من الاجتماع سوى نتيجة التعارف.

في الحلقة القادمة ذكريات من يوميات البحرينيين..

بو ياسر

14/11/2007

تحديث 12:45 بعد منتصف الليل

التحديث (8)

18/11/2007

.: أيام لا تنسى :.

في الزمن المذكور، عندما تدخل إلى مطعم المرخانية-1، في وقت وجبة العشاء بالذات، ستجد ناحية الشمال طاولة عامرة، يجتمع عليها أكثر من خمسة عشر شخصا، كلهم من البحرينيين، من رواد الفيلا 40، ويضاف إليهم نفر من الشباب البحرينيين الذين يسكنون خارج الفيلا، وبعض من المحبين والمقربين والزملاء، وفي أحيان كثيرة لا يجد المتأخر من الشباب مكاناً فيبدأ بإعمار الطاولة المجاورة، فتكون الزاوية كلها للبحرينيين، والجميل في الأمر أنه على الرغم من كثرة العدد والازدحام، إلا أن ذلك لم يكن يزعج الآخرين، بل على العكس من ذلك، كانت سمعة أولئك الشباب في السكن والجامعة طيبة الذكر، وكانوا محبوبين من الجميع لروحهم المرحة، ولمثال التماسك الذي ضربوه بين الآخرين.

وقد حاول عدد من الجاليات أن يسلكوا المسلك ذاته مرات ومرات، ولم يتمكنوا من ذلك، وبسهولة بالغة عندما تسأل عن السبب، أجيبك.. أن تماسك البحرينيين لم يكن وليد العين أو المرخانية، ولكنه تماسك تربى عليه أهل البحرين عموما، وذلك لصغر مساحة البلد، وسعة قلوب أهله.

.: غرفة أم حمام؟ :.

عندما أخذ كل منا موقعه في الفيلا، بدأ الشباب يزينون الغرف ويجهزونها بما يشرح النفس للمعيشة والدراسة، وقد كنت أنا وزميلي الأخ أيسر، قد اتفقنا على عدة أمور لنبدأ بعدها بالعمل الدؤوب من أجل تعديل الغرفة وتجهيزها، وكان من ضمن ما عملنا أن قمنا بتجليد الطاولات المتهالكة، والتي لا يستطيع صاحب إحساس أن يستخدمها للدراسة، فاخترنا المخمل الأزرق لتجليد الطاولات وبدت للناظر كالجديدة ما لم يمسّها أحد.

والأمر الآخر هو أننا اشترينا شريطا لاصقا بزخرفة تتناسب ألوانها وألوان الغرفة-5، وبالمناسبة.. فإن الغرفة-5 هي الغرفة التي سكنت فيها طوال السنوات الأربع التي قضيتها في العين، وقمنا بلصق الشريط ليحيط بالغرفة من الداخل، وبدا شكله رائعا جدا خاصة وأن الفكرة لم تكن مكررة في نطاق الفيلا 40.

لكن الغيرة بدأت تصنع الأعاجيب عند البعض، ولعل الأخ المدبر كان أحدهم، فبدأ التعيير بأسلوب مزاحي ساخر، أن الغرفة-5 تمثل الحمام الأكبر في الفيلا 40، وتم اعتماد اسم “الحمام الكبير” وإطلاقه على الغرفة-5.

وبطبيعة الحال، آثرنا الصمت أنا والأخ أيسر، لأن الميدان هو الذي يثبت الفرسان، وواصلنا عملنا الجاد لتكون الغرفة-5 على صغر مساحتها، أفضل الغرف على الإطلاق، وكانت كذلك بالفعل، وكأني أرى من القراء بعض المعترضين، خاصة ممن كانوا يقطنون الغرف المجاورة، يا أحبتي.. الحقيقة قد تكون مرة أحيانا، ولكن الواقع أجدر أن نسلم به، فعليكم التسليم ولو بعد حين.

.: تفرقة عنصرية :.

على سبيل المزاح والدعابة، كنا أنا والأخ أيسر نتبادل الشتائم (البريئة) مع الأخوين مطلوب والمدبر، ذلك لأننا من المحرق وهما من منطقة أخرى، ولي الفخر أن أذكر انتمائي للمحرق هاهنا، وتحسبا لإمكانية عودة الأخوين إلى رشدهما فإني سأتحفظ على ذكر منطقتهما خوفا من اعتبارهما التصريح بذلك انتقاصا لقدرهما.

ولأن الأخ الكروان، قائد الفيلا 40 كان ينتمي لنفس المنطقة التي ينتمي لها الأخوان المذكوران آنفا، فإنهما ولا شك كانا من المقربين للقيادة، ويعملان دائما على إرضائها كما تفعل هي في المقابل، وما للفقير غير الصبر، حتى يأتي الفرج إن عاجلا أم آجلا.

كانت تلكم الأيام من أسعد أيام العمر بالنسبة لنا جميعا، فلم يكن مزاح يعكر الصفو، وإن حدث ذلك فإن الأمور سرعان ما تعود لتجري في مجرى أفضل من السابق.

ملاحظة: إخواني، أرجو المعذرة فيما تطرقت إليه عن العنصرية والولاء للقيادة، فقد كان من قبيل الدعابة واسترجاعا للأيام الخوالي والذكريات المعسولة، أردت أن أرجعكم لذلك الجو لا أكثر.

بو ياسر14/11/2007

تحديث الساعة 6:45 صباحا

التحديث (9)

18/11/2007

.: الــبــيــاعـــة :.

عرف أهل البحرين قديما وحديثا بالتجارة والروح العملية، ولذلك فقد كان من الضروري إدراج الجانب التجاري ضمن الخطط والبرامج الخاصة بشباب الفيلا 40، ومن هذا المنطلق، تأسست البياعة، التي كان يشرف عليها ويدير أمورها الأخ مدحت، وذلك بمعاونة تطوعية من الأخ المدبر الذي كان يتطوع في كل الأمور التي ترتقي بها شؤون الفيلا 40.

إن مما ميز بياعة الفيلا 40 عن أي كشك أو بقالة أو حتى سوبر ماركت، أن شعارها المتخذ آنذاك “منكم وإليكم” أو كما نقول بالبحريني “دهنا في مكبتنا”، فقد كان التأسيس في بداية كل فصل لتبدأ البياعة نشاطاتها بإدارة حكيمة من الأخ مدحت، وكان الولاء للبياعة يدفعنا جميعا للشراء منها ورفض البضائع الدخيلة، لنأتي في نهاية الفصل ونقتسم الأرباح التي كانت في أفضل عصور الازدهار لا تتجاوز 30 درهما للفرد.

الأخ مدحت كان مخلصا متفانيا في عمله كمدير للبياعة، فتراه يعقد الصفقات والاتفاقات مع كل فرد يرجع إلى البحرين في زيارة خاطفة كانت أو طويلة، ليعود إلى العين محملا بأرقى أنواع البضائع التي لا تتوفر في العين، مثل “الروبيان الأصفر”، “ومينو فونزس الحار”، وبعض أنواع الشوكولاطة والحلويات، لتستمر البياعة في العطاء المتميز وتحقيق هدفها الأول وهو رضاء المستهلك.

ومن المميزات الأخرى للبياعة أنها كانت تفتح باب البيع بالدين على مصارعه، فلا تضع قيودا ولا حدود على المشتري، وبهذا كانت البياعة مأوى لكل جائع مسكين ممن ضاقت به السبل وتأخر أهله في إرسال مخصصه المالي، حتى أن بعض الإخوة كانت تصل ديونهم إلى 150 درهما، فيهدد عندها بالحجر على أملاكه إذا لم يسارع بالتسديد، ولم تكن تهديدات الأخ مدحت والأخ المدبر تلقى أي استجابة من أي أحد، لأن الأخ المدبر نفسه كان أكثر الشباب استدانة وأكثرهم استهلاكا للبضائع في البياعة، ولكن للأسف كان استهلاكا على الحساب.

كثيرا ما كان الأخ مدحت يعلن عن عروض ترويجية في البياعة مع أنها لم تكن تحتاج لترويج، فقد كانت تكتسح السوق البحريني في العين اكتساحا إذا لم يكن لها منافس آخر في الفيلا، ومن أمثلة العروض الترويجية التي أعلن عنها تجميع عشرة أغطية لقارورات “راني التفاح” لتحصل على قارورة مجانية، ولا أعلم ما الذي كان يفعله الأخ مدحت بالأغطية التي يجمعها!

عرض آخر كان مع موسم الامتحانات وهو أن تشتري “تويكس” وعصير “ميلكو” بقيمة درهمين، كان هذا هو العرض المعلن عنه، وغاب عن ذهن الأخ مدحت أن هذا هو السعر الطبيعي لمجموع المنتجين، فأين يكمن العرض بالله عليك؟

نشاط آخر مهم كانت ترعاه البياعة، وهو الرعاية الرسمية لمباريات كرة الطائرة في نهاية الأسبوع، حيث كانت البياعة تقدم للفريق الفائز “تويكس” وعلبة بيبسي أسبوعيا، وكان يستحوذ عليها في كل أسبوع إما فريق الأخ مدحت المكون منه ومن الأخ متفائل، أو فريق الأخ المدبر الذي يشاركه فيه الأخ مطلوب، وذلك تطبيق عملي لحكمة “دهنا في مكبتنا”.

المزيد من الذكريات في الطريق إليكم.. فانتظرونا

بو ياسر15/11/2007

تحديث الساعة 10:45 مساءً

التحديث (10)

20/11/2007

.: عيد الأضحى المبارك :.

بعد شهر من بدء الدراسة، بدأ الجميع بالحجز والتخطيط للعودة إلى البحرين، لإجازة عيد الأضحى المبارك، وأخذ كل منا يقفل الأمتعة ويحزمها، والتقى الجميع في صالة الفيلا 40، وقد أحكم كل منا إغلاق غرفته، ولم ينس الأخ المدبر توصية “يوسف” بالمحافظة على الفيلا في غياب روادها، وحذره من الإهمال مجددا لأن ذلك يعني المزيد من الخصومات.

محيي الدين، أحد الجنود الأوفياء الذين لا يمكنني نسيانهم في سكن المرخانية-1، ولم يقطع اتصاله بي كما لم أقطع اتصالي به حتى اليوم، وقف محيي عند باب الفيلا مودعا شباب البحرين، وحاول التعبير عن تهنئته بالعيد بقوله “مبروك مبروك أخي”، المهم أن المغزى قد علم، وانطلق كل منا في أوقات متفاوتة إلى المطار، عائدين إلى البحرين، أود أن أشير هنا إلى أن الأخ محيي الدين من الشخصيات التي تستحق أن أفرد لها حلقة كاملة، سنعود إليه لاحقا بإذن الله.

كانت العودة لعيد الأضحى هي عودتي الأولى إلى البحرين منذ أن أصبحت “طالبا” في جامعة الإمارات العربية المتحدة، لذلك فقد كنت في شوق للعودة، وللحديث عن الحياة الجديدة التي عشتها مؤخراً، وفي شوق عارم لكل من كان لي أخاً أو صديقا، أو زميلا أو حتى مجرد شخص عرفته، عدت إلى البحرين، ومع تلك السعادة بالعودة إلا أنني كنت في شوق متواصل إلى العين التي أحببت فيها ذلك الاجتماع الأخوي الرائع، وذلك الجو الجديد الذي لم أكن أتوقع أن يكون بهذه الصورة.

إجازتي في البحرين لم تكن طويلة، لأنني ما إن رجعت حتى غادرتها مرة أخرى لأداء فريضة الحج، وبعد عودتي من الحج مكثت في البحرين أربعة أيام، كانت كافية لزيارة الأهل والأقارب، والحديث مع الأحباب والمقربين، مع أن اللقاءات كانت قصيرة نسبيا، ثم عدنا إلى العين من جديد.

.: العودة لمواصلة المشوار الدراسي :.

التقينا في المطار هذه المرة أنا والأخوة أيسر والمدبر ومتفائل ومدحت والكروان ومطلوب وابن الأشراف، وربما كان معنا عاشق الشاي وZain وعبدالرحيم، ولكني لست متأكدا من ذلك، فقد مر على هذه الأحداث سبع سنوات تقريبا، كان معنا في الطائرة أيضا بعض الشباب البحرينيين لكنني لم أكن أعرفهم جيدا لأنهم يسكنون في سكن آخر غير المرخانية-1، غير أن أحدهم سيكون أحد أبطال المذكرات عندما نصل إلى السنة الثانية من الأحداث، وسيكون الحديث شيقا عن تلك الأيام بإذن الله.

وصلنا إلى العين عن طريق أبو ظبي، وكان الوقت متأخرا، وأصبح لزاما على كل واحد منا أن يسرع بالاستعداد لدوام اليوم التالي، غير أنني لم أكن على عجلة من أمري لأن محاضرتي الأولى تبدأ في الساعة الثانية عشرة ظهراً، لكم أشتاق اليوم إلى دوام يبدأ في مثل ذلك الوقت.

أعتقد أن وصولنا إلى العين كان يشكل بداية جديدة لنا جميعا، لأن علينا مواصلة الفصل حتى نهايته، دون أي إجازات ومناسبات، وربما اضطر البعض ليحبس أنفاسه أكثر إلى ما بعد الفصل الصيفي، كنت أرى الأمر سهلا أول الأمر، ولكن عندما جد الجد وبدأت الأشهر تطوي أيامها، علمت أن المكوث كل هذه الفترة ليس بالأمر السهل، مع أن المواد التي كنت أدرسها كانت مواد التعليم الأساسي، أي أنها لن تخرج عن دائرة اللغة العربية والانجليزية والحاسوب والرياضيات، أي أنني عندما أقارن وضعي بالآخرين، فإن منهم من يستعد للتخرج، ومنهم من تجلده سياط التخصص، ومنهم من يقف على شفى حفرة من الطرد، ومنهم من باع نفسه ودراسته للمصير المكتوب، فلم يعد يلتفت لدراسة ولا حضور.

الحرارة ترتفع شيئاً فشيئا، بعد أن كان البرد قارصا في بداية الفصل، حتى أصبحت السموم الصحراوية تشوي الوجوه فلا يحتمل الفرد منا المشي في الشمس ولو لأمتار، والماء لم تعد حرارته تحتمل، حتى أصبحنا نضطر للاستحمام بعد منتصف الليل أو في الصباح الباكر قبل ارتفاع الشمس.

المزيد من الذكريات من أرض العين نواصلها قريبا..

بو ياسر18/11/2007

تحديث الساعة 7:55 صباحاً

التحديث (11)

20/11/2007

.: المدينة الصحراء :.

لو أنك عزمت اليوم على السفر إلى العين، ودخلتها من المدخل الشرقي ناحية دبي، فإنك ستجد في مدخلها حدائق وبيوتا عامرة أقرب إلى القصور منها إلى البيوت، ثم ستصل إلى منطقة القطارة ليكون نادي العين عن يمينك ترتفع بجانبه مآذن المسجد المحاذي له، وستخترق الشوارع كلها لتصل إلى منعطف الجيمي، فيحييك مجمع الجيمي عن يمينك الذي لا يخلو لحظة من المتسوقين أو المتسكعين من الشباب، بعدها ستنزل في نفق رائع التصميم بعيدا عن الدوارات والإشارات الضوئية، ليأخذك إلى منطقة حديثة ستشعر من حداثتها أنك في قرن من قرون المستقبل، ولو تخطيت الشارع المذكور لتنتقل إلى الشارع المحاذي له فإنك سترى الفن المعماري على دوارات المدينة، والخضرة تغني لحن الجمال لترقص على أنغامه الزهور، بينما وقار النخيل يدعوها للاستماع بصلابة وثبات، ولو عدت إلى مركز المدينة مرة أخرى فإنك سترى الحياة تدب في أعماق السوق، ولو اجتزته قليلا تريد دوار “المربعة” فإنك سترى بنيانا على يسارك يقال له “العين مول” هذا المجمع الذي بني على أحدث التصاميم وأفخمها، ليكون مرتعا للشباب وملتقى للعشاق، كما أنه سوق المتسوقين في الوقت نفسه.

هذه هي العين اليوم، وربما يظن زائرها أنها العين، في اليوم والأمس، لكنها العين اليوم، التي لم تكن في الأمس بصورتها اليوم، لقد كانت أيامي الأولى في العين محصورة في الفيلا 40 وباقي مرافق السكن ثم الجامعة، وفي بعض الأحيان نبتعد قليلا لنذهب إلى جبل حفيت وعين المبزرة، ومكان كنا نسميه الكورنيش ولكنه ليس كورنيشا بالتأكيد، لأن البحر لا وجود له في العين أصلا، ولم يكن لنا مكان آخر غير ما ذكرت لنرتاده.

ومع كل ذلك فقد كان الجو حيا ومتميزاً، كل يبادر بما يستطيع وكل يمد يده ليغير في الجو شيئاً، فالأخ المدبر والأخ أيسر يعملان على إحياء روح المرح والدعابة عند الآخرين، وهما أيضاً في بعض الأحيان يشرفان على تجهيز وجبة متميزة للعشاء، يعدها الأخ المدبر بمهارة ولمسات لذيذة، ويساعده الأخ أيسر في كل ذلك، ويمول هذه الوليمة الأخ مدحت بما تجود به البياعة، أما الأخ متفائل فقد كان يكتفي بالأكل ثم ينتقد الوجبة ويزعم أنها لم تكن جيدة، وبعد الانتهاء يبدأ مشروع الغسيل الذي يقوم به أحد الشباب بإيعاز أو بدون إيعاز.

.: دوري الطائرة :.

اللعب الأسبوعي الذي كانت فعالياته تقوم في “حوش” الفيلا 40، كان برنامجا رئيسياً، فقد كان ملعب الكرة الطائرة مجهزاً لهذه الفعالية، يشرف على تجهيزه الأخ المدبر، ويتعاون معه الجميع في ذلك، ويستمر اللعب من بعد صلاة العشاء وحتى الساعة الثانية عشرة أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس، ويختتم بالعشاء وشرب العصير عند الأخ “بشير”، وأظن أنني سأضطر لإفراد حلقة أخرى للأخ بشير أيضاً.

ثم يبدأ حجز الحمامات للاستحمام، وسعيد الحظ من دخل أولا، لأنه وفي غالب الأحيان، ينفد الماء فيلجأ “المنضرب” من الشباب إلى الفيلا المجاورة للاستحمام، مستغلا غياب ساكنيها وسفرهم إلى ديارهم في آخر الأسبوع.

من حسن حظي أنني لم أكن رياضيا ولا ليوم واحد، ولم أشارك في اللعب إلا لألعب دور المصور والمتابع، فكنت أخصص ربع ساعة من وقت اللعب للاستحمام قبل أن تزدحم الحمامات لكي لا أعرض نفسي لمذلة نفاد المياه.

لم يكن ذلك اللعب مقصورا على البحرينيين فقط، فقد كان الأخوة شباب الشارقة الذين يسكنون الفيلا الملاصقة لنا من الخلف ينظمون دورة مشتركة على ملعب الفيلا 40 أحيانا، وفي بعض الأحيان الأخرى يمد أحد المارين رأسه ليرى حماسة تسيطر على الوضع، فيسيل لعابة للمشاركة، ويلقى كل الترحيب من شباب الفيلا 40.

كان الملعب متميزاً، ليس لأنه متميز فحسب، ولكن لأن الجهد الذي بذل في إعداده كان جهداً جبارا، عمل الشباب واجتهدوا فيه بأنفسهم، ربما لم أكن أعرف مقدار الجهد آنذاك، ولكني عرفت ذلك لاحقا بعد أن قمنا بإعادة تجهيز الملعب في السنة التالية، وسنذكر هذه الأحداث عندما نصل إلى مجرياتها.

كانت هذه لمحة عن جانب من تلك الحياة المختلفة عن وضعنا الآن، سأعود لاستكمالها قريبا إن شاء الله.

بو ياسر18/11/2007

تحديث الساعة 1:00 ظهرا

التحديث (12)

21/11/2007

.: أخوة متميزة.. مهما تكن الظروف :.

في الحلقة السابقة تكلمت عن المدينة، والبيئة المحيطة، والجو الذي يسيطر على أحداث الذكريات، واليوم أتكلم عن طبيعة العلاقة التي تربط الشباب والشخوص الذين نتحدث عنهم في هذه الذكريات.

قد أكون تسلسلت في الأحداث وذكرت جوانب إيجابية ومواقف مرحة وذكريات مميزة، مما قد يوحي للقارئ الكريم أن البيئة التي نتكلم عنها بيئة خيالية، لم تكن يوما ولن تكون، لذلك فقد ارتأيت وبمشورة بعض أبطال الذكريات أن أفرد هذه الحلقة للحديث عن العلاقة بين الأفراد آنذاك، وذلك ليتسنى للقارئ أن يعيش المكان، والزمان، ويفهم الشخوص أيضاً.

بطبيعة الحال، فإن الشباب الموجودين في تلك البيئة كانت تربطهم علاقة قوية تختلف اختلافا كلياً عن سائر العلاقات، وذلك لطبيعة الظروف التي أوجدت هذه العلاقة، فالجميع يشتركون في هدف واحد، ويعيشون بيئة واحدة، وزماناً واحداً، وظروفاً مشتركة أيضاً، الغربة يعانيها الجميع، والدراسة هم الجميع، والتخرج هاجس يراود الجميع على اختلاف مراحلهم.

لك أن تتخيل أخي القارئ، مجموعة مكونة من أربعة عشر شخصا على أقل تقدير، يعيشون كل هذه الظروف معاً، يشتركون في تناول الوجبات معاً، ويسعون للمسجد معاً، ويخرجون للترفيه، معاً أيضاً، بالتأكيد ستربطهم علاقة خاصة، وأخوة خاصة.

وهذا لا يعني أنها ذكريات المعيشة في المدينة الفاضلة، لأن طبيعية الحياة تحتم التأثر بكل الظروف، نعم هي علاقات أخوية راقية، ورائعة، ولكن تشوبها في بعض الأحيان الشوائب التي لا تغير من حلاوتها شيئاً، يحدث في بعض الأحيان سوء تفاهم، وارتفاع نبرة الصوت، وزعل ومراء، واشتباك بالأيدي.. ربما، ولم لا؟ أليست حياة بكل ما تعنيه الكلمة من معان؟

قد يكون مدحت أقرب المقربين إلى المدبر، ويكون الكروان أقرب المقربين إلى عبدالجبار، وقد يكون أيسر عزيزاً على مرزوق، ولكن Zain أكثر قربا إلى مرزوق من أيسر، وهكذا، حياة طبيعية كما هي حياة الآخرين، ولها مميزات خاصة، أنها بعدما انقضت وتقضت، بقي منها حلوها، ورحل مرّها، بقيت المحبة ورحل الخلاف البسيط الذي دخل متطفلا في مرات معدودة، رحلت حياة الغربة وبقيت ذكرياتها الرائعة وأيامها في أعماق من عاشها وتذوقها آنذاك.

قد لا يتاح لنا اللقاء بكثرة الآن بعد ذلك الاجتماع، فالبعض قد تزوج وأصبح أبا لطفل أو طفلين، والبعض سافر لمواصلة الدراسة وعاد، والبعض أصبح يشغل أرقى المناصب وأعلاها، ومع كل ذلك، فالذكرى تجمع الجميع باختلاف مناطقهم وتخصصاتهم وأعمالهم على أمر واحد، وهو المحبة، التي نسأل الله أن تكون خالصة لله.

تلك هي العلاقة، وتلك هي طبيعتها باختصار، وسنعود في المرة القادمة لمواصلة بعض الأحداث والذكريات.. فكونوا معنا..

بو ياسر20/11/2007

تحديث الساعة 12:00 صباحا

التحديث (13)

21/11/2007

.: أحداث وذكريات :.

.: وعكة صحية :.

خلال هذا الفصل أصيب الأخ المدبر بوعكة صحية، اضطر بسببها إلى ملازمة الفراش لفترة وجيزة، ولكن روحه الحماسية أبت عليه إلا أن يواصل جهوده ولو من خلال التوجيه والإشراف، ومن أجل راحة شريكه في الغرفة الأخ (مطلوب) فقد قرر الأخ المدبر النوم في الصالة، ليسلم من برودة المكيف أولا، ولكي لا يكون سببا في مرض الأخ مطلوب.

حاول الأخ المدبر النوم جاهداً ولكنه لم يستطع، فقام بفتح باب غرفتنا، أنا والأخ أيسر، ليشاركنا أحاديث ما قبل النوم، ومع مرور الوقت بدأ الأخ المدبر يزحف خطوة خطوة حتى وصل عند باب غرفتنا، عندها أدرك أنه لا مناص من الدخول إلى الغرفة، فدخل حاملا عدة نومه وقرر المبيت معنا، خاصة وأن حديثنا ليلتها كان عن الطبخات البحرينية البيتية، فكل منا كان يستعرض مهارة والدته في الطبخ، ليلة جعلت بطوننا تعزف على أوتار الجوع، وهل في فنون العزف من مقام أكثر حزنا من هذا المقام؟

.: مداهمة :.

كان كلامنا ووصفنا تفصيلياً، وقد أطلق كل منا لنفسه عنان الخيال، ولنعيش الجو أكثر، فقد تعمدنا إطفاء المصابيح لنسبح في بحر من المأكولات التي لم نقربها منذ فترة، وفي غمرة هذا التفكير دخل الأخ القائد (الكروان) ليكتشف أننا مازلنا أيقاظاً، فقام بحركة استفزازية هزت مشاعر الجوعى، قام بفتح مصابيح الغرفة ولاذ بالفرار، ثارت ثائرة الأخ المدبر، لأنه يعتبر هذا استفزازا لا يغتفر، وقام بتحريض الأخ أيسر على الهجوم، وحيث أنني كنت الأصغر، فلم يكن لي بد من الامتثال للأوامر، خرجنا نحن الثلاثة إلى غرفة الكروان، فإذا به قد أخذ بالأسباب وأحكم إغلاق الباب، ولكن ذلك لم يكن ليحول بين الشباب ومطلوبهم، فقاموا بالاقتحام وكسر الباب، ونزل الاثنان بجم وزنهم على الأخ الكروان، وثبتوه ليتلقى بعدها عقابا رادعاً لا أظنه ينساه ما كتبت له الحياة، وأعتذر للقارئ الكريم على تحفظي لذكر ماهية العقاب، كما يقولون “المعنى في قلب الكاتب”، المهم أنها كانت ليلة نصر، للأخ المدبر بمشاركة من الأخ أيسر ومحدثكم بو ياسر، قررنا بعدها أن نهب أنفسنا خير مكافأة، وهي وجبة عشاء من كافتريا الأخ بشير، نتناولها في الهواء الطلق ونستأنس معها بمسامرة الأخ بشير وسوالفه ونوادره.

.: حفلة تخرج :.

أخوان من البحرينيين كانا على وجه تخرج في هذا الفصل، وكانا يقيمان في فيلا أخرى، ولكن اللحمة البحرينية والوطنية أبت إلا أن نقيم لتخرجهما حفلة مصغرة، نعمل فيها جميعا، ونعيش فيها جواً أخويا متميزاً.

الأخ (بهجت) والأخ (بن صديق)، كانا هما الخريجان، وبدأ العمل من العصر وحتى وقت الاحتفال، الأخ المدبر يعد الساندويشات ويساعده الأخ أيسر، الأخ عبدالرحيم يعد مسابقة ثقافية بعنوان “ركز مع زكي” ويساعده الأخ Zain، بينما كان الأخ شاعر جو يرتب لفقرة نقاشية بمسمى “الاتجاه المعاكس”.

وحان وقت الحفلة، ومن قبيل المداعبة، نزل الأخ أيسر مرتديا بشتا أسودا، يتقدمه الإخوة بالمباخر والعود، ليرحب بالخريجين، ولم يطل ارتداء البشت لأكثر من دقيقتين، وهي فترة الاستقبال.

وبدأت الحفلة، وبدأ برنامج الاتجاه المعاكس يديره الأخ شاعر جو، وكان موضوع الحلقة إذا لم تخنّي الذاكرة، عن السيارات ذات الدفع الرباعي والسيارات الصغيرة، والفريقان ما بين مؤيد ومعارض.

ثم بدأت المسابقة الثقافية “ركز مع زكي” بإدارة حكيمة من الأخ عبدالرحيم، وتم تقسيم الفرق، ليأخذ الخريجون فريقا أطلق عليه اسم “المتطلبات الجامعية” إشارة إلى التعليم الأساسي، والشباب المستجدون أطلق على فريقهم اسم “الخريجون”، بينما كان هناك فريق ثالث يسمى فريق “بهجت” تلميحاً إلى تشابه نوعية الأسماء التي تشكل الفريق.

حضر الحفلة جمع غفير من البحرينيين ومحبيهم، وكان العشاء على بساطته رائعاً ولم تغب الابتسامة عن وجوه الشباب ليلتها، وبدأ حلم التخرج يكبر عند الجميع، حتى نحن الذين لم نجتز فصلنا الأول في الجامعة.

وانقضت ليلة من ليالي الأفراح، وبقيت ذكراها عند الجميع، وربما كانت لذكراها بقاء أعمق عند الخريجين أنفسهم، واختتم الحفل بتوزيع الكيك على الحاضرين، الذي نقش عليه عبارة “مبروك للخريجين، بهجت، وبن صديق”.

نحن على مشارف الامتحانات النهائية.. فتابعونا

بو ياسر19/11/2007

تحديث الساعة 11:30 مساءً

التحديث (14)

23/11/2007

.: معاناة طالب :.

سبق أن ذكرت أن دوامي في فصلي الأول كان يبدأ في الساعة الثانية عشرة ظهراً، وما لم أذكره أنني مع ذلك كنت في بعض الأحيان أفضل مواصلة النوم على الذهاب لمحاضرة اللغة العربية، لكن شعوراً غريبا يستحوذ على الفرد عندما يقوم بارتكاب هذا الإثم، شعور بالندم والتأنيب والقلق، وأمور سلبية أخرى لا تحضرني حاليا، لا يعيشها إلا من جرب الغياب دون عذر.

محاضرة اللغة العربية التي كانت المحاضرة الأولى بالنسبة لي، كانت الأخيرة بالنسبة للأخ عاشق الشاي، ذلك لأن محاضراته تبدأ من الساعة الثامنة صباحا، ومن هنا تبدأ الحكاية.

الأخ عاشق الشاي كان ثقيل النوم وكثير السهر في آن واحد، وقد ظلم نفسه ظلما عظيما بكثرة الغياب في أيام الفصل حتى اقترب الفصل من النهاية وبات مهددا بالحرمان في أي وقت.

المفارقة العجيبة والمضحكة أن الأخ شاعر جو – شريكه في الغرفة – كان يبدأ محاضراته أيضا في الساعة الثامنة، لكن الدكتور مسعد الذي كان يصبح عليه يوميا كان دكتورا من اليمن الشقيق، بشوش ودود نصوح حبوب، وكل ما أردت من الصفات الحميدة فيه، أما الأخ عاشق الشاي فقد كان يدرسه الرياضيات – المحاضرة الأولى – دكتور أمريكي عبوس طاغ ظالم حاقد إلى آخر الصفات التي لا نحب ذكرها لكي لا نفسد جو الذكريات.

فترى الأخ عاشق الشاي، يستيقظ مفزوعا كل صباح على كابوس الحرمان، يغسل وجهه ويلم شمل أدواته وكتبه، ويلبس ثوبه وغترته، ويخرج، يصل إلى باب الفيلا ثم يعود ليأخذ القلم الذي نسيه، كل ذلك يتم والأخ شاعر جو لازال في سباته مطمئن البال مرتاحه، لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه.

ينهي الأخ عاشق الشاي محاضراته ويختتمها بمحاضرة اللغة العربية – بمعية بو ياسر – ليعود إلى السكن بعدها فيبدأ مشوار القلق اليومي مع ذلك الأمريكي الطاغية، وما إن يدخل غرفته حتى يرى شاعر جو سبقه بالوصول وأصبح في منتصف نومه العميق، شعور يبعث على القهر كما كان يرى الأخ عاشق الشاي.

في اليوم الأخير من أيام الدراسة، تأخر عاشق الشاي عن المحاضرة الأولى وعندما وصل تبين أن الدكتور قد احتسبه غائباً، ونعلم جميعا أن هذا يعني النهاية، إذ لا يمكن تعديل الغياب في أي ظرف من الظروف وخاصة عند مدرسي المتطلبات الجامعية، بدأ الأخ عاشق الشاي يتوسل ويطلب العفو والأمريكي يكابر ويترفع عن قبول العذر، حتى لان جانبه قليلا ليشترط عليه شرطا قبل أن يرفع عنه الغياب، وهو أن يحضر المحاضرة التالي مع الشعبة الأخرى، وافق الأخ عاشق الشاي وتم رفع الغياب عنه، وانتهى بذلك كابوس الحرمان الذي أرعبه طوال الفصل الدراسي، ليحرم على نفسه التسجيل في محاضرات الساعة الثامنة مرة أخرى، إلا مضطرا.

بو ياسر20/11/2007

تحديث يوم الجمعة 1:45 ظهرا

التحديث (15)

24/11/2007

.: الفصل يطوي أوراقه ليرحل :.

الفصل يوشك على الانتهاء، والامتحانات النهائية تلوح في الأفق، والشباب ما بين مهتم ومطنش، كل يبحث عن بيئة مناسبة للدراسة، الأخ مدحت يذاكر في المسجد، والأخ الكروان يستغل نوم الشباب صباحا ليذاكر في هدوء، أما الأخ متفائل فمكانه معروف، ومذاكرته على السرير ولا يرضى لذلك بديلا، الأخ المدبر لا أذكر له مكانا معينا، ولكني أذكر أنني رأيته يذاكر مرة على مكتبه، ومرة أخرى في مكتبة الجامعة، أما الأخ أيسر فقد كان يذاكر في الغرفة مادام الأخ المدبر بعيداً عنه، أما إذا كان المدبر موجوداً فإن الأخ أيسر يتعاون معه في شغل الكروان وغيره عن المذاكرة، لا لشيء، ولكن لتلطيف الجو فقط.

بدأت الامتحانات وبدأ الجميع يغدو ويروح إلى الجامعة، البعض يغادرنا سعيدا ويعود غير ذلك، والبعض الآخر على عكس الحال، ترقب وأزمات نفسية، يصعب وصف ذلك الوضع، إذا لا يفهمه إلا من عاش طبيعته.

ولأنني الأصغر في الموجودين، فقد كانت امتحانات المتطلبات الجامعية تنتهي قبل الجميع، وكان لي ذلك، أنهيت امتحاناتي ثم ذهبت إلى الحلاق لأستعد للسفر، وفي الوقت الذي كنت أجر حقيبتي مغادرا، ظهر على الشاشة خبر عاجل، لم يكن مفاده أن بو ياسر يغادر أرض العين إلى أرض الوطن بعد ثلاثة أشهر في المنفى الاختياري للدراسة الجامعية، ولكن الخبر كان يعلن وفاة الزعيم السوري حافظ الأسد، بعد حكم استمر أعواما وعقود، ولم أنتظر لاستكمال الخبر، فقد كان الشوق إلى البحرين أعمق من أن يوقفني أسد أو غيره.

عدت بكل سعادة، وشوق، والإجازة كانت تقارب العشرة أيام، أي أنها تكفي لزيارة الجميع من الأهل والأصدقاء، ولم أدخر جهداً في ذلك، وحاولت أن ألتقي بالجميع، لكن الأيام سرعان ما انقضت، وحان وقت الرحيل إلى العين ليبدأ الفصل الصيفي، الذي أنهي فيه مأساة المتطلبات الجامعية العامة، وحسب ما بلغني من أهل الخبرة، أن المحاضرة الواحدة في الصيف تكون ضعفها في الأيام الأخرى، أي أنني سأضطر لحضور محاضرات تصل مدتها إلى الأربع ساعات.

كانت العودة إلى العين صعبة، فالبحرين كانت تستعد لإجازة الصيف، ويعلم جميعنا عن النشاط والحيوية التي تسيطر على الشباب في الصيف، تركت كل هذه المشاعر، وعدت إلى العين متناسيا روعة الأيام التي تركتها خلفي، وروعة المستقبل القريب، في صيف البحرين.

.: التسجيل للصيفي :.

بمعية الأخوة شاعر جو وابن الأشراف وZain، ذهبنا إلى المعهد الإسلامي، للتسجيل للفصل الصيفي، ومهما كتبت، ومهما ذكرت، فلن أستطيع وصف التخلف الذي كانت تعانيه جامعة الإمارات آنذاك، حيث يتوجب على الطالب أن يعدو عدو الوحوش مطارداً فريسته من المواد المختارة قبل أن تغلق فصولها، وبعد كل الجهود يكتشف الطالب المسكين أن جريه وعدوه لم يكن لينفع، لأن الموضوع لا يعتمد على الجري وإنما على “لا شيء”، فوضى عارمة، وصراخ ونداءات لا أول لها ولا آخر، كل يسعى لإنهاء تسجيله، أولويات لا تستند على شيء، وقوانين لا تمت للقانون بأدنى صلة، وبعد جهد وعناء وصلت بآخر رمق من صبري إلى الأستاذ المسجّل ليستلم ورقتي، لم تأخذ الورقة في يده إلا ثلاث ثوان على أكثر تقدير، ثم قام برميها في وجهي قائلا: “لا يمكنك التسجيل في هذا الفصل”، واستلم ورقة طالب آخر، لم أحاول إقناعه أو استعطافه، وإنما عدت إلى مؤخرة القاعة، ورميت الورقة في أقرب زبالة “أجلكم الله” وانتظرت الإخوة حتى عادوا، الأخ شاعر جو سألني عما فعلت فأخبرته، فألحق ورقته بورقتي، وسألني: “متى نعود إلى البحرين؟” قلت له: “الليلة إن شئت”.

واتفقنا على العودة إلى البحرين، والاستمتاع بالإجازة، بدل إضاعتها في لهيب العين وفي محاضرات يصل طولها إلى الأربع ساعات، وكان قرارا صائبا، فقد كانت أياما رائعة وصيف متميز من كل النواحي، رحلات ووناسة، سفر وسياحة، والأهم من كل ذلك، تغيير الجو والاستعداد لبدء دراسة جادة، في كلية الإدارة والاقتصاد مع بداية السنة الدراسية الجديدة.

.: نهاية الفصل الأول من الذكريات :.

إخواني القراء الأعزاء، كانت هذه المذكرات والذكريات، من فصلي الدراسي الأول في جامعة الإمارات العربية المتحدة، عشت هذه الذكريات في فترة أربعة أشهر ونصف تقريبا، حاولت جاهداً تذكر أهم المواقف والذكريات، وأسأل الله التوفيق والصبر، لمواصلة الذكريات في الفصول القادمة.

أشكركم جميعا على متابعتكم، وأشكر كل من كان يتصل بي يوميا للسؤال عن موعد نزول الحلقة التالية، وكل من ساعدني في استرجاع الذكريات، وأشكر الفيلا 40 شكراً خاصاً، فهي التي جمعتنا على أروع الذكريات في أرض العين.

إخواني الكرام، أحتاج إلى شيء من الراحة لأعاود الكتابة، وسأعود لكم في القريب العاجل إن شاء الله.

رأيكم يهمني.. أتمنى أن أرى الانطباعات والانتقادات إما مع التعليقات أو على بريدي الإليكتروني

بو ياسر20/11/2007

تحديث يوم السبت – 1:00 بعد منتصف الليل

الفصل الثاني 

التحديث (16)

27/11/2007

.: فصل دراسي جديد :.

عدنا إلى العين بعد إجازة سعيدة، ربما لم تكن كذلك بالنسبة للبعض، فقد ظل الإخوة مدحت والكروان والمدبر وغيرهم في العين للفصل الصيفي، الذي تمر فيه مدينة العين بمرحلة تسمي مرحلة “التنور” وذلك للحرارة الشديدة التي تلف المدينة بأكملها.

في أواخر الصيف وقعت حادثة تاريخية في البحرين، ولا أظنها تنسى أو ينتهي ذكرها وخاصة عند أهل البحرين.

تلك الحادثة كانت حادثة سقوط طائرة طيران الخليج في مياه البحرين بالقرب من قرية الدير، ولازلت أذكر أن هذه الحادثة كانت حديث الساحة، ولا يكاد أحد يفتح فمه إلا وتكلم عن الموضوع المذكور.

علمت بسقوط الطائرة عندما كنت مع الأهل في كوالالامبور نستعد للعودة، ولك أن تتخيل القلق الذي يسيطر على الفرد عندما يسمع خبر حادث راح ضحيته مئات البشر، ومنهم الأخ العزيز أو الأستاذ المربي، أو أحد المعارف أو ابن بلدنا أيا كان، ثم يقضي السامع بعد ذلك ثماني ساعات في طريق عودته، من كوالالامبور إلى سنغافورة، ومنها إلى دبي، ثم إلى البحرين ليستريح سويعات من عناء السفر، ويواصل رحلته بعدها إلى أبو ظبي، نعم قضيت تلك الرحلات كلها في فزع لا يعلمه إلا الله، ولا أنكر أن ذلك لم يكن إلا لضعف الإيمان، ولو أننا تذكرنا قول الله تعالى “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا” لما اهتم أحدنا بأمر مقدر عليه ولتوكل على الله غير مكترث بمصير قدره الله، وربما يكون له فيه خير.

وصلت إلى مطار أبو ظبي وكان في استقبالي الأخ (راعي السيفيك)، انطلقنا إلى العين ليعود اللقاء والاجتماع من جديد، وبدأت الوفود تصل والأعداد في ازدياد، الفيلا 40 بنضارتها وروعتها لم تختلف، تنتظر عودة الغائبين وتبتسم لهم في شوق، غير أن أحدهم استغل غياب الشباب هذه المرة أيضاً، وقام بسرقة بعض الممتلكات من الفيلا، وأكبر هذه الممتلكات التلفاز الذي يشغل به الغالبية وقت فراغهم.

في صباح اليوم التالي كان علينا أن نذهب إلى الجامعة لتعود معاناة التسجيل من جديد، ولكن الواقع كان خلاف المتوقع، فقد كانت الأمور ميسرة جداً وأنهيت التسجيل بسهولة، وحصلت على الجدول الذي تمنيته، محاضرات من الساعة الثامنة صباحا وحتى الواحدة ظهرا، ولم يبق من مواد المتطلبات الجامعية إلا القليل، مادتان وتعتق رقبة العبد الفقير – بو ياسر – من مذلة المتطلبات، ومعهما مادتان أخريان من كلية الإدارة والاقتصاد.

أنهيت التسجيل وعدت إلى السكن، لأودع الشباب من جديد وأعود إلى البحرين أقضي فيها أياما قلائل، قبل بدء الفصل الدراسي، وسرعان ما انقضت الأيام وعدت إلى العين مع جمع الشباب لنبدأ فصلا دراسيا جديداً.

في الحلقة القادمة تجدد في الشخصيات.. فانتظرونا بعد سويعات إن شاء الله..

بو ياسر20/11/2007

تحديث الساعة 7:50 صباحا

التحديث (17)

27/11/2007

.: طالب جديد :.

كنت عائداً من المطعم إلى الفيلا 40 مع الأخ أيسر في أول يوم دراسي، ولمحت من بعيد شخصا يلوح لأيسر وكأنما يعرفه مسبقاً، فأشار إليه أيسر بالسلام وواصلنا طريقنا، وقبل أن أسأل أيسر عن ذلك الشخص، قال لي: “عرفت ذلك الشخص؟” فأجبته بالنفي فواصل قائلا: “هذا (لقمان)، الطالب البحريني الجديد، وسيسكن معنا في الفيلا 40”.

عرفت شكل الطالب الجديد المسمى لقمان، وانتظرت عودته من المطعم لأتعرف إليه عن قرب، وعندما عاد، نزلت إليه في الغرفة-1، عرفته بنفسي وعرفني بنفسه، ولم أتوقع يوما أن هذه اللقاء سيكون بداية لمعرفة وعلاقة أخوية مختلفة عن سائر العلاقات، لأن الأخ لقمان كان رفيق دربي منذ دخوله إلى الجامعة وحتى تخرجي أنا منها، أي لمدة ثلاث سنوات ونصف، قد يكون ذلك مكتوبا علينا نحن الاثنان، لأننا الأقرب سنا من بعضنا، وربما لتشابه وجهات النظر والميول أيضاً.

بدأ الفصل الدراسي وانطلقنا فيه بجدية ونشاط، كنت أبدأ محاضراتي في الساعة الثامنة صباحا، وكذلك الأخ لقمان، فاتفقنا على برنامج يومي وهو الخروج لتناول وجبة الإفطار في مطعم السكن، لننطلق بعدها إلى الجامعة، ونلتقي في السكن بعد الساعة الثانية حيث تنتهي محاضرات الأخ لقمان، وأكون قد سبقته بساعة، ونذهب لتناول وجبة الغداء.

كانت الأوقات في قمة التنظيم بسبب انتظام الجدول، مما يسر لنا استغلال النهار والليل في كل ما يتبادر إلى الذهن من الأمور، أحيانا نرى النوم أفضل برنامج للعصر، وأحيانا نخرج للتسوق وفي أحيان أخرى نفضل تبادل الأحاديث.. المهم أن البرنامج لم يكن شيء من الملل يتسلل إليه.

الأخ لقمان كان قد التقى بالأخ المدبر في البحرين مسبقا ليتعرف إلى طبيعة الحياة في العين، وفهم منه جل الأمور، وعلم أن نظاما متناسقا يدير شؤون الشباب البحرينيين في العين، وعلم أيضاً أن الأخ الكروان هو القائد لذلك النظام وهو بمثابة الأب الروحي لأفراد المجموعة.

كعادته وصل الأخ الكروان إلى العين بعد أن سبقه الجميع، ورحب بالرعية وابتسم بوقار وسكينة، ودلف إلى غرفته (يرتب أموره)، في الوقت الذي كان لقمان في الصالة يترقب خروج القائد ليصدر الأوامر ويبدأ الجميع في التنفيذ، وكان يجلس معه الأخ المدبر والأخ أيسر والأخ متفائل، وإذا بلقمان يذهل من هول المفاجأة، لأن المعارضة القائمة في الفيلا، والتي لم يكن يعلم أصلا بوجودها تكيد للقائد أقوى أنواع المكائد، لم يكد الكروان المسكين يخرج من غرفته إلا ومد المدبر رجله ليعرقله فيسقط هاتفه، ابتسم الكروان ابتسامة الحليم وواصل دربه غير منتبه لسقوط الهاتف، رجع بعد أن انتبه فوجده قد صودر من قبل جماعة المعارضة وبدؤوا بالمساومة على رميه من شرفة الصالة.

عندها علم لقمان أن النظام لم يكن نظاما بالمعنى المفهوم وإنما هو نظام أخوي تسوده المحبة والمزاح والألفة، وأن كلمة النظام لا تعني إلا الالتزام ببعض المبادئ الأساسية، لكي تستمر الأخوة والمحبة بين الجميع دون تفريط في الجوانب المهمة من حياتنا كشباب بحرينيين، نمثل بلدنا في قطر آخر، وانسجم الأخ لقمان من يومها مع المجموعة أيما انسجام، ليكون عضوا أساسيا في الفيلا 40، يهمه ما يهم جميع الأفراد، ويسعى لما يسعى إليه الجميع.

المزيد.. في الحلقات القادمة من تسلسل الذكريات..

بو ياسر22/11/2007

تحديث الساعة 12:15 ظهرا

التحديث (18)

28/11/2007

.: التلفاز البديل :.

سبق وذكرت أن الفيلا تعرضت لحادث سرقة أثيم في غياب الشباب رواد الفيلا 40، سرقت فيه أمور عدة لعل أهمهما التلفاز الذي كان الوسيلة الترفيهية الأساسية في الفيلا. وقد كان البعض من الشباب يقومون بدور المتحري في الموضوع، منهم على سبيل المثال الأخ شاعر جو، الذي ما إن يرى شخصا يمر بجوار الفيلا – مرور الكرام – إلا اعتبر مروره مشبوها، متعللاً بالحكمة البوليسية التي تنص على أن المجرم لابد من أن يعود يوما إلى مكان جريمته.

فقام مرة بمداهمة اجتهادية لغرفة الأخ البنغالي يوسف، وكانت المداهمة بدعم من الرقيب دعدش، أقصد الأخ بو ياسر، محدثكم، لم تكن الشكوك تشير إلى يوسف لأنه كان قد ترك العمل في السكن، لكن الشك كان في بنغالي آخر يقيم معه، وانتهج الأخ شاعر جو منهج الترهيب ليرغم المتهم على الاعتراف، فصرخ في وجهه يسأله عن التلفاز وكأنما قضي أمر السارق وعرفت هويته، ولم يبق إلا أن نستعيد المسروق، ولكن كعادة الإخوة البنغاليين، بدأ المتهم بالصراخ والعويل دون أن نفهم شيئا مما قال، فعدنا أدراجنا دون أدنى نتيجة.

بعد ذلك اتفق الشباب على شراء تلفاز جديد، فبادر بذلك الأخوة المدبر والأخ مطلوب، وذهبا إلى سوق دبي وهناك اشتريا التلفاز الجديد، جديد على الفيلا 40 ولم يكن جديداً بالمعنى الذي يفهمه القارئ، حيث كان التلفاز من صناعة سبعينيات القرن الماضي، وكنا نحتاج عند تثبيته إلى وضع حزمة من الجرائد تحت مقدمته لكي لا يباغتنا فيسجد على وجهه فينكسر، ومع مرور الزمن بدأ التلفاز يمتنع عن الاستجابة للأوامر، فقام الأخ متفائل بوضع سكين قرب التلفاز، يقوم من أراد تغيير القناة بطعن التلفاز فيستجيب له مكرهاً.

جدير بالذكر أن التلفاز المسروق لم يكن أسعد حظاً من التلفاز الذي تكلمنا عنه، فقد لفظ جهاز التحكم (الريموت)، الخاص بالتلفاز السابق أنفاسه في أواخر الفصل المنصرم، بعد أن عاث به الأخ متفائل تنكيلا وتعذيبا، وقد كنا نرأف بحاله عندما نسمعه يضرب الجهاز ضربا دون أدنى رحمة، كل ذلك ليستجيب له ويقوم بتغيير القناة.

عندما شارف الفصل على الانتهاء قرر الإخوة التخلص من التلفاز بعد أن وصل إلى مرحلة حرجة، لدرجة أن لفظ (تلفاز) لم يعد يطلق عليه، فكر بعض الإخوة في رميه من شرفة الفيلا الأمامية ليكون عبرة لمن يعتبر، لكن الفكرة لم تلق قبولا من أحد، فقام الإخوة المدبر ومطلوب والأخ لقمان بأخذه إلى سوق العين لبيعه، ووصلت المناقصة (وليست المزايدة) إلى مبلغ 50 درهما، ولم يقبل أحد بشرائه، ثم جاء أحد الهنود يسأل عن التلفاز، وأخبره الأخ المدبر أنه بخمسين درهما فقط، فقال الهندي أنه لابد من تشغيله وتجربته أولا، فوافق الشباب على الفور، وما إن أخذ الهندي التلفاز وذهب إلى أقرب محل لتشغيله، سارع الشباب بالركوب إلى السيارة ولاذوا بالفرار تاركين التلفاز لمصيره، وقد أحرزوا إنجازا رائعاً بعد أن أتموا مهمة التخلص مما كان يسمى في يوم من الأيام: تلفازاً.

وبقينا دون تلفاز حتى انتهى الفصل الدراسي، وربما كان ذلك في صالحنا جميعا، حيث تفرغنا بعدها للاستعداد للامتحانات النهائية، وقد كنت الأسعد بينهم إذ أن التلفاز كان موقعه عند باب غرفتنا، فنعمنا بعدها بجو دراسي هادئ وانتهى التجمع اليومي في الصالة المحاذية لغرفتنا.

بو ياسر15/11/2007

تحديث الساعة 7:50

التحديث (19)

29/11/2007

.: عودة عبدالجبار :.

بعد أن قضى أخونا عبدالجبار الفصل السابق في البحرين من أجل النقاهة، عاد إلى العين ليستأنف دراسته ويواصل درب الاجتهاد الذي بدأه قبل سنتين ونصف تقريبا.

عاد عبدالجبار ليستقر في الغرفة رقم 2 مع الأخ متفائل، الذي تجمعه به صلة مصاهرة، ولكي لا يحصل أي لبس للقارئ الكريم، فإني أود أن أشير هنا إلى توزيع الغرف في الفيلا 40 خلال الفصل المذكور، الأخوة عبدالجبار ومتفائل يسكنان الغرفة رقم 2 كما أسلفنا وانضم إليهما في هذا الفصل الأخ لقمان، الغرفة رقم 1 يسكنها الأخوان مرزوق وعاشق الشاي بعد أن قرر الأخ عاشق الشاي تغيير غرفته تاركا مكانه خاليا في غرفة الأخ شاعر جو الغرفة رقم 3، الغرفة رقم 4 يسكنها الأخوان مدحت والكروان، أي أنها تمثل غرفة القيادة ومركز التوجيه والتخطيط، الغرفة 5 كان يسكنها الأخ أيسر مع الفقير إلى ربه بو ياسر، وأخيرا الغرفة رقم 6 كانت للأخوين الحبيبين مطلوب والمدبر، وربما كانت الغرفة 6 أوسع الغرف مساحة، وأكثرها حيوية لتواجد الأخ المدبر ومساندة الأخ مطلوب بهدوء وصمت.

.: الانتفاضة المباركة :.

في الثامن والعشرين من شهر سبتمبر (أيلول) 2000م، اندلعت انتفاضة القدس الثانية والتي سميت (انتفاضة الأقصى)، وذلك بعد زيارة دنيئة لشارون ودخول قسري إلى ساحات المسجد الأقصى المبارك، قتلى وجرحى وعدد الشهداء في ازدياد، شباب الفيلا 40 يتسمرون أمام التلفاز يوميا لمتابعة الأخبار، وجاءت الصورة المؤلمة التي لا تزال في ذاكرة كل مسلم، استشهاد الطفل محمد الدرة، كل هذه المشاهد كان لها أثر كبير في نفوس المسلمين جميعا، الحماس يدب في القلوب، وكل يبذل كل ما في وسعه من دعاء وتبرعات، شباب الفيلا 40، يفكرون، ماذا عسانا أن نفعل؟

الأخ المدبر ألقى بنفسه على الأرض ومدّ أمامه لوحة جمع فيها بعض الصور من الصحف، وبدأ يذيلها بأبيات من الشعر للشاعر عبدالرحمن رفيع، والأخ الكروان استعان بأخينا Zain ليرسم صورة إيهود باراك رئيس وزراء الكيان الصهيوني آنذاك، ثم وضع الصورة على الأرض يطؤها الغادي والرائح، وغير ذلك من التصرفات التي لا تغير على أرض الواقع من شيء، سوى أنها تعبير صادق عن المؤازرة والمناصرة لإخواننا في بيت المقدس.

قناة أبو ظبي كان لها برنامجا بعنوان “لأجلك” لدعم الانتفاضة، وكعادة الأخ المدبر، قام بتشجيع الإخوة على التبرع، وجمعنا مبلغا طيبا ثم قام الأخ المدبر بإرساله باسم شباب البحرين في العين.

لم يكتف الأخ المدبر بذلك، وأبى إلا أن يساهم بأكثر من ذلك، فأخذ ورقة وقلماً وبدأ يحاول نظم قصيدة عن استشهاد الدرة، كان مطلعها:

صورة هزت حصون *** عندها ذرفت عيوندرة يسرق نورها *** وأبوه يصرخ في جنون

بدأ الأخ المدبر يحاول تلحين القصيدة جاهداً ولكن أنى للمواهب أن تجتمع كلها في شخص واحد، فآثر مواصلة أنشطته السابقة والمعهودة على فكرة التلحين.

لم يكن ثمة موضوع يشغل الشباب أكثر من موضوع القضية الفلسطينية، فكرة المقاطعة بدأت تأخذ مكانها عند الجميع، وبدأت البياعة تستغني عن البضائع الأمريكية لتحل في مكانها بضائع أخرى محلية وعربية وأجنبية أيضا، ولكنها ليست أمريكية.

أعلم ويعلم غيري أن ذلك لم يبق منه شيء الآن، ولكنني لازلت أذكر أن شباب الفيلا 40 وقلة غيرهم كانوا متمسكين بذلك أيما تمسك، ومصرين على هذا المبدأ ولا يرضون عنه تراجعاً، حتى أن الأخ بشير قرر استبدال البيبسي بمشروبات “ستار”، وعندما سألناه كان يقول بلهجة عربية مكسرة: “مكاتآه” أي.. مقاطعة، وذلك بعد أن أكثر عليه الأخ المدبر من الانتقاد ليصحو ضميره، حتى كان ذلك، إلا أننا اكتشفنا لاحقا أن الموضوع لم يكن صحوة ضمير وإنما كان قرارا من اتحاد الطلبة الذي يشرف على جميع الأكشاك في السكن الطلابي، بمنع المنتجات الأمريكية، ففعل بشير ذلك رغما عنه.

في الحلقة القادمة أحداث وذكريات لا تنسى.. كونوا معنا

بو ياسر25/11/2007

تحديث الساعة 7:45

التحديث (20)

29/11/2007

.: عزم على التغيير :.

تكلمت مسبقا عن ملعب الفيلا 40، وعن تخضير الأرض الذي أخذ جهدا كبيرا من الشباب قبل انضمامي إلى كتائب شباب البحرين في أرض العين، وما أذكره أن الأخ المدبر عندما رأى العشب مكسرا قرر أن يستمر في ريّه حتى تعود له نضارته وبالفعل كان ذلك، لكن هذا حدث في وقت كان بالإمكان تدارك الأمر فيه بمجرد ري العشب.

في هذا الفصل وصلت حالة العشب إلى مرحلة حرجة لا يمكن إصلاحها بالطريقة السابقة، لذلك، فقد قرر الإخوة بعزم وجدية أن يعيدوا حرث الأرض وزراعة العشب من جديد، كما كان العزم أيضا على تفادي بعض الأخطاء السابقة ليكون الوضع متميزا هذه المرة.

إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز، أن أتكلم قبل الدخول في موضوع التخضير، عن تلك الهمة التي تحلى بها الإخوة في الفيلا 40، هدف مكتوب وعمل دؤوب، كل ذلك من أجل تحقيق الهدف الذي يهم الجميع.

الشباب، جميعهم دون استثناء، كل يساهم بما يستطيع، البعض يبذل من ماله لشراء المواد والآلات، والبعض الذي لم يستطع المساهمة بالمال ساهم بالعمل، والبعض الذي انشغل بدراسة أو ارتباط آخر، قدم دعمه المعنوي بكل ما أوتي، اتفاق بين الجميع أن الفيلا 40 يجب أن تكون مختلفة عن باقي الفلل، وبالفعل كانت كذلك.

استيقظنا يوم الأربعاء في ساعة مبكرة من الصباح، وكان الأخ (محمد زمان) – وهو أحد المزارعين الأفغان في مدينة العين، تعرف إليه الأخ المدبر مسبقا – قد وصل إلى الفيلا، وبدأ يجهز المواد، نزلنا أنا والإخوة المدبر وأيسر ولقمان، لنقوم بما يشير علينا به محمد زمان، الإخوة الكروان ومدحت ومتفائل كانوا قد خرجوا صباحا إلى إمارة عجمان لمهمة خاصة سيأتي ذكرها لاحقا.

بدأنا أولا بتنظيف الأرض من بقايا العشب الميت، ثم قمنا بتقليب الأرض ورش الماء لتكون جاهزة لبذرها، الأخ محمد زمان كان متحمسا أكثر منا نحن، فقد تعود على العمل في شوارع العين الفسيحة، والمهمة هذه المرة لا تذكر أمام عمله المعتاد، فتراه يعمل في زاوية، ثم يلتفت فيرى أحدنا لا يحسن الحرث مثلا، يترك ما في يده ويسرع لإرشاده. وهكذا أصبحت الأرض جاهزة نظيفة، خالية من أي شائبة.

بدأ الخبير محمد زمان بتمديد الأنابيب من تحت الأرض، وتوصيلها بمضخة الماء من ناحية المطبخ الخلفي، كنت أتخيل منظر الماء وهو يسقي العشب الأخضر عندما تكتمل المهمة ونرى نتاج العمل، مجرد التفكير كان يبعث على النشاط وزيادة الجهد. بعد أن انتهى زمان من تمديد الأنابيب، شرح لنا طريقة رش البذور، فقمنا بتلك المهمة جميعا، الأخ أيسر والأخ لقمان والمدبر وأنا، نخلط البذر بالرمل، كان يوما متعبا بحق لكن هذا التعب لم يكن ليذكر بعد أن تمت المهمة.

انتهينا من بذر الأرض فأوعز محمد زمان إلى الأخ المدبر أن يقوم بتشغيل المضخة لري الأرض، وقفنا جميعا ننتظر المشهد، المدبر في المطبخ الخلفي ينادي: “أأفتح الآن؟” ومحمد زمان يتفقد الأرض تفقدا أخيرا، ثم التفت وأجاب: “افتح الآن”. لم نستطع إخفاء ابتسامتنا وسعادتنا عندما رأينا رؤوس الأنابيب تخرج من الأرض لتسقيها، صوت الماء يسمع من كل النواحي، كل منا يلتفت إلى الآخر لنتبادل الابتسامات كما لو كنا نهنئ بعضنا، فالنتيجة رائعة، والتقنية جديدة علينا، خاصة وأننا كنا نسقي الزرع يدويا في السابق، وكان ذلك يأخذ منا وقتا وجهدا، أما الآن فقد أصبحت الأنابيب ممددة تحت الأرض وموزعة لتوصل الماء إلى كل الزوايا.

أصبحت مهمة كل منا معروفة، فأحدنا يفتح المضخة عند خروجه لصلاة المغرب، والآخر يغلقها عند عودته من صلاة العشاء، الجميع ينتظر النتيجة، كل يدقق في ناحية لعل شيئاً بدأ يظهر هنا أو هناك.

بعد مرور شهر تقريبا، أصبحت أرض الفيلا 40 خضراء، تشرح الصدر وتسعد النفس، يود أحدنا لو يستلقي على العشب ويتقلب فيه لروعة خضرته وبهائه، أصبحت الفيلا 40 محط الأنظار، الجميع يتحدث عن الفيلا التي يسكنها البحرينيون، والجميع يتحدث عن التقنية التي يستخدمونها للري، لا يكاد يمر أحد إلا وقف يتأمل العشب الأخضر.

بدأ الأخ المدبر بمساعدة الأخ لقمان بتشطيب المكان وتعديله تعديلا نهائياً، ليتم تثبيت الشبك، فيكون ملعب الطائرة قد اكتمل وأصبح جاهزاً للفعاليات الأسبوعية المتمثلة في الدوري الذي يستقطب عددا كبيرا من اللاعبين والجماهير، وكما قالوا قديما: “من زرع.. حصد”.

بعد إجازة نهاية الأسبوع.. أعود إليكم بإذن الله.. إن كان هناك متابعون

بو ياسر26/11/2007

تحديث الساعة 2:10 بعد الظهر

التحديث (21)

03/12/2007

.: رحلة إلى خورفكان :.

ذكرت لكم أن الإخوة متفائل ومدحت والكروان كانوا في مهمة خاصة أثناء عملنا في حديقة الفيلا 40، كان الإخوة قد ذهبوا إلى عجمان لاستئجار باص صغير للبرنامج القادم.

قرر الشباب في ذلك الأسبوع القيام بسفرة ترويحية قصيرة إلى خور فكان، وعلى ذلك تم الاتفاق وبدأ التخطيط، في صبيحة يوم الخميس كان الانطلاق إلى رأس الخيمة، لنلتقي بشباب البحرين الدارسين في جامعة الإمام محمد بن سعود، وتكون سفرة بحرينية مشتركة بين المجموعتين، ومن رأس الخيمة كانت بداية الرحلة إلى خور فكان.

كان الخروج من الفيلا 40 في الصباح الباكر، الجميع في الباص بانتظار الانطلاق، الأخ شاعر جو كان في البحرين حسب ما أذكر، والأخ عبدالجبار اعتذر عن المشاركة، من الفيلا 40 إلى غرفة أخ لم يسبق أن ذكرنا اسمه وهو الأخ (الأشقر) الذي كان يسكن منفردا في إحدى الغرف الخلفية، نفسها هي الغرفة التي كان يسكنها الأخ Zain والتي تكلمنا عنها في بداية الذكريات، صعد معنا الأخ الأشقر ومن هنا بدأت الانطلاقة.

أذكر أن الدرب كان طويلا لكنه لم يكن مملا، فبعض الألعاب والصيحات والأحاديث المرحة كانت كفيلة بتهوين الدرب وتسريع مروره، كنا حوالي عشرة شباب من العين، ومن رأس الخيمة ثمانية تقريبا، خرجنا من رأس الخيمة مرورا بالفجيرة وصولا إلى خور فكان، تلك المدينة ذات الطبيعة الساحرة، والجمال الخلاب، الساحل البحري الناطق بالجمال والخضرة الممتدة عن اليمين والشمال، كانت المدينة تشع جمالا ولم يكن هناك داع للنزول أو الفسحة، فالجمال يحيطنا من كل جانب كما يحيط جمال البحر بأرض البحرين، وصلنا إلى “وادي وريعة” رأينا في البداية أن النزول صعب، ولكنه ولله الحمد لم يكن كذلك، فقد وجدنا جهة يسهل النزول منها إلى الوادي، مشينا على الأقدام مسافة لم تكن قصيرة، يحمل كل منا متاعه على ظهره، حتى وصلنا إلى منطقة شلال وريعة، الماء يجري بين الزرع ويصب وسط الجبال ليتدفق على الأرض الصخرية محدثا هديرا أشبه ما يكون بمقطوعة متقنة العزف، تطرب لها الآذان وتلذ لها الأسماع.

قام الشباب بالاستعداد للنزول في الماء، فبدل كل ملابسه ونزل في الماء البارد، لم نمكث هناك طويلا ولكن المكان كان جديرا بالزيارة فعلا.

قضينا يوما ممتعا في خور فكان، فمن وادي وريعة إلى الشاطئ، ثم إلى بعض المتنزهات العامة، كان البرنامج حافلا، واستمر حتى أظلم الوقت، وحان وقت الرحيل.

لم يكن المشوار طويلا بالنسبة لشباب رأس الخيمة، ولكن أربع ساعات تنتظرنا في طريق العودة إلى العين، كانت محطة الوقوف الأولى في دبي، حيث تناولنا وجبة العشاء من مطعم متميز كتميز اسمه، مطعم يسمى “جبل النور” ويقع في شارع الضيافة بدبي، تناول كل منا وجبته ليغلبنا النوم حتى وصولنا إلى العين.

استأنف الجميع نومه في السكن بعد الوصول، واستمر النوم حتى قبيل صلاة الجمعة، وبسرعة وتدارك قام كل منا يستعد للحاق بالخطبة، والحمد لله أننا أدركنا شيئا منها، وعدنا لنواصل فترة الراحة والنقاهة، في الوقت الذي غادرنا فيه الأخوان متفائل والكروان لإعادة الباص إلى شباب عجمان.

على الهامش: قبل يومين كنت أتصفح مجلداً خاصا بنشرة الإصلاح التابعة لجمعية الإصلاح بالبحرين، ووجدت في أحد الأعداد الخبر التالي:

بو ياسر26/11/2007

تحديث الساعة 7:50 صباحا

التحديث (22)

03/12/2007

.: البياعة.. مرة أخرى :.

يبدو أن الأخ مدحت قد أثقلت عليه الدراسة أحمالها، فقرر أن يقدم استقالته من إدارة البياعة، ولهذا فقد اقترح بديلا عنه ليدير شؤون البياعة، وحيث أن الأخ مدحت لم يجد من يناظره في القوة والطاقة والحكمة، قرر أن يكون البديل عنه شخصين بدل الواحد، وكان الاختيار على بو ياسر والأخ لقمان.

ومن هنا بدأ العهد الجديد للبياعة، إدارة شابة، ورؤية للمستقبل، تم تعليق الشعارات والدعايات، التي تعكس الهوية الجديدة للبياعة، فتجد أول ما تدخل الفيلا ورقة ترشدك إلى البياعة في الطابق العلوي، وعندما تصل إلى باب المطبخ (الذي يعتبر الموقع الرسمي للبياعة) تجد على الباب شعار (BVB) وهو اختصار لعبارة “بياعة فيلا البحرينيين”، وعلى الجانب تجد عبارة “ولّى زمان الدكتاتورية.. مرحبا بعصر الديمقراطية”، وتم تبديل ورقة الديون لتتناسب مع التطور الجديد، كما تم وضع سجل لمقترحات الشباب حول البضائع الجديدة المطلوب توفيرها.

واستمر التميز والرقي ما شاء الله له أن يستمر، إلى أن بدأت الديون تغرق البياعة إغراقا يفوق طاقة الإدارة الجديدة على استيعابه، وذلك بسبب اعتماد الأخ المدبر على البياعة لسد الجوع الذي يراوده في اليوم أكثر من 10 مرات، وأصبح سجل الاقتراحات مليئاً بالاقتراحات التي إما أن تكون غير متوفرة، أو أن الربح منها غير مجد، أو أن المقترح لم يكتب إلا بغرض التنكيت كما كان يفعل الأخ عاشق الشاي دون التطرق إلى مقترحاته.

كعادة الفصل الدراسي الأول، فإن شهر رمضان المبارك يأخذ من أربعة أسابيع، وإجازة العيد حوالي عشرة أيام، هذا بالإضافة إلى بعض المناسبات الأخرى التي تعرض خلال الفصل، مما يسبب الكساد للبضائع مهما تكن جودتها، وهذا ما أوشك أن يكون، لولا أن تداركنا الله برحمته، وانتهى الفصل على خير، وتم توفير الأرباح لاستغلالها في أنشطة الفيلا ومتطلباتها.

.: محضة :.

“محضة” هي ولاية من ولايات سلطنة تتبع محافظة البريمي التي تقع بمحاذاة مدينة العين، ويمكن الدخول إلى بعض مناطقها دون الحاجة إلى عبور الحدود، قرر الشباب ذات يوم الذهاب إلى واد في تلك المنطقة، تتجمع فيه مياه الأمطار، وتحرسها حواف الجبال من جميع النواحي مما يحافظ على برودة الماء ويمنع تبخره، إضافة إلى ذلك فالمنطقة تتميز بمعالم جبلية رائعة لا يمكننا أن نرى مثلها هنا في البحرين.

وكانت الانطلاقة في يوم الخميس، بعد أن استأجرنا سيارتين لذلك المشوار، بدأنا نطوي الطريق، أنا والأخ الكروان ولقمان والمدبر وأيسر في سيارة، والإخوة متفائل ومدحت وZain وعبدالرحيم في السيارة الأخرى وربما كان معهم مطلوب أيضاً.

وصلنا وبدأنا البحث عن مكان مناسب للنزول، حتى وجدنا المكان المطلوب، البعض منا فضل التجول بين الحواف الجبلية، والبعض الآخر قرر النزول إلى الماء، حتى أوشكت الشمس أن تغيب، فبدأنا بلم شملنا وحاجياتنا للعودة إلى العين، بعد يوم حافل وتغيير كنا نحتاجه في ذلك الوقت.

أو أن أشير إلى أن المشروبات الباردة في الطلعة كانت برعاية كريمة من البياعة، وبقرار اتخذناه أنا والأخ لقمان سوياً، وهذا مثال واحد من عدة أمثلة على ديمقراطية العصر المذكور من عصور البياعة.

لنا عودة قريبا جدا إن شاء الله.. فكونوا معنا.

بو ياسر26/11/2007

تحديث الساعة 1:45 ظهرا

التحديث (23)

04/12/2007

.: رمضان في العين :.

لأول مرة في حياتي أقضي شهر رمضان خارج البحرين، اعتدت فيما مضى أن يكون شهر رمضان شهرا متميزا من جميع النواحي، فكنت أقضي صباحه في المدرسة، وأعود لأستريح قليلا ويكون العصر للواجبات والدراسة، فيما تكون فترة المغرب فترة عائلية، نشرب فيها الشاي ونتبادل الأحاديث العائلية، أما صلاة التروايح فكنت أصليها كل يوم في مسجد غير الذي سبقه من أجل التنويع، وأطوي البحرين شرقا وغربا لتكون لي في كل مسجد ليلة، يتخلل هذه البرامج فترات للاعتكاف وفترات للترفيه، وبرامج متنوعة تميز الشهر الفضيل عن سائر الأشهر.

هكذا كان رمضان بالنسبة لي قبل دراستي في العين، ولكنه اختلف اختلافا كليا بعد ذلك، بدأ شهر رمضان وبدأنا الصيام وما من شيء يميز الشهر إلا اختلاف ساعات الدوام، أحيانا كنا نلتقي في مطعم السكن، وفي أحيان أخرى كنا نأخذ وجباتنا لنجتمع في الفيلا 40، نجلس إلى المائدة جميعا فلا يأكل أحدنا إلا ما يسد جوعه بعد أن يذكر جلوسه إلى المائدة في البحرين، كل يتذكر والدته وهي تصر عليه أن يستزيد من الطعام وهو يرفض، فتسكب له المزيد من الحساء رغما عنه، يستند إلى الخلف ليستريح من كثرة ما أكل فتصيح فيه والدته: “لا تقل لي أنك شبعت؟” فيشير بالشبع، فتصيح فيه أن يعود إلى السفرة ويكمل نصيبه، فيكمل مرغما ثم يقوم يجر رجليه جراً، ويحمل بطنه التي أثقلت جسده من إفراطه في الأكل.

مقارنة لا تستوي فيها المقارنة، شتان بين الزمنين، مطعم السكن الذي يتقاتل فيه الجميع على وجبة الإفطار، إذ يلتقي الجميع في آن واحد على عكس أيام الفطر، يأخذ كل طالب وجبته ليجلس فيأكل من الهريس والزر ويسبقهما ببعض التمرات وشيء من الماء، ولم يكن الهريس هريسا إلا في مسماه، والرز ربما يكون كذلك أيضاً، ولكن الجوع يلزمنا أن نفطر.

نصلي المغرب ونعود لنجتمع في صالة الفيلا 40، البعض يحاول جاهداً أن يكمل شيئاً من مذاكرته ولكن دون جدوى، والبعض الآخر يشاهد التلفاز الذي لا مفيد فيه في ذلك الوقت، والبعض يفضل تبادل الأحاديث لحين أذان العشاء.

صلاة التراويح التي تعتبر مميزة أساسية من مميزات الشهر الفضيل، لم تكن كذلك في العين، فإمام مسجد السكن غير ثابت، ولم تكن السيارات متوفرة عند الجميع لنصلي في مساجد أخرى، فكنا في بعض الأحيان نصلي شيئا منها في السكن، وفي أحيان أخرى نصلي في أحد المساجد القريبة.

الأخ المدبر حاول أن يدخلنا في جو رمضاني مميز أكثر من مرة من خلال طبخاته ذات الرائحة البحرينية، ولكن كيف له أن يطعم كل هؤلاء الجياع بقدر صغير، فلم تكن محاولته تفي بالغرض إلا لشخصين أو ثلاثة على الأكثر.

جلسات الشاي ليلا كانت متعة الجميع، لأن فيها شيء من الترفيه والتغيير، فكنا نلتقي في شرفة الفيلا 40 نشرب الشاي ونتبادل الأحاديث، ونقوم بقلي الخفائف من صنع البيت التي نكون قد أحضرناها مسبقا من البحرين لمثل هذه الأيام.

يوشك الشهر الكريم أن يودعنا، وجموع الطلاب بدؤوا رحيلهم إلى الديار، وشباب البحرين أيضا بدؤوا الرحيل، الفيلا 40 خاوية على عروشها، إلا من بو ياسر ومتفائل وشاعر جو، عزمنا أنا ومتفائل على السفر قبيل العيد، بينما قرر شاعر جو مع Zain وعبدالرحيم – اللذان يسكنان في فيلا أخرى – على البقاء في العين مع الأخ الأشقر.

.: يوم قبل السفر :.

سهرة طويلة قضينا في الأحاديث المتنوعة أنا والأخ شاعر جو، أنا أتحدث بالنثر الذي يفهم بالكاد، وهو يرد بالشعر الذي ينظمه في حينه، حتى أذن المؤذن لصلاة الفجر، صلينا الفجر وعدنا للنوم، لأستيقظ بعدها بساعتين فقط، ثم انطلقنا أنا والأخ متفائل إلى مطار العين الدولي، ولسوء الحظ فقد كانت الرحلة قد ألغيت، فانتقلنا عن طريق حافلة خاصة بشركة الطيران إلى أبو ظبي، لنستقل رحلة مباشرة إلى البحرين.

وصلنا إلى أرض الوطن ولم تكن عودتي الأولى خلال الفصل لأنني سبق أن عدت خلاله ثلاث مرات تقريبا، ولكن المميز هذه المرة أنني سأدرك الليالي الثلاث الأخيرة من شهر رمضان المبارك، في البحرين.

نهاية الفصل الدراسي الثاني.. في الحلقة القادمة.. فكونوا معنا

بو ياسر29/11/2007

تحديث الساعة 8:00 صباحا

التحديث (24)

05/12/2007

.: نهاية الفصل الثاني :.

لم تكن عودتي إلى البحرين لأقضي العيد بكامله فيها، ولكن من أجل اليوم الأول فقط، لأنني غادرت البحرين في ثاني أيام عيد الفطر المبارك لأعود إلى العين وأستعد للامتحانات النهائية التي تبدأ في الخامس من شوال 1421 هـ، دخلت الغرفة-5 بعد أيام قليلة في البحرين، لا أكاد أفتح كتابا إلا تذكرت العيد الذي لم ينقض بعد، ولا أكاد أفتح مذكرة إلا تذكرت اللقاءات التي لا تزال مستمرة في البحرين.

حاولت جاهدا أن أتناسى كل ذلك من أجل الدراسة، وقد أكون تمكنت من ذلك إلى حد ما، بدأت الامتحانات، وبدأت الفيلا تصحو بعد سبات، أنهيت مادتي المتطلبات وبقيت المادتان الأخريان، حاولت الدراسة في الغرفة فلم أفلح، فقررت الذهاب إلى الغرفة الخلفية في الفيلا 40، والتي لم نر أحدا يسكنها يوما غير أن الأخ لقمان كان يتردد عليها أحياناً، قمت بتنظيف المكان قدر المستطاع ورتبت لنفسي مكانا أجلس فيه، واكتشفت أن تلك الغرفة أصبحت أفضل مكان للدراسة، فواصلت دراستي فيها حتى نهاية الفصل.

وانتهى الفصل الأول من السنة الدراسية، الفصل الثاني لي في العين، وأصبحت أمامي إجازة الأربعين يوماً ما بين الفصلين، عدت إلى البحرين بكل سعادة، ومخططات كثيرة قد عزمت على العمل بها هناك.

الإخوة مطلوب والمدبر ومتفائل وعبدالجبار يقضون الربيع في العين من أجل إنهاء متطلب التدريب العملي، في الوقت الذي نقضي فيه إجازتنا في البحرين.

الفصل الذي انقضى كان يمثل نهاية المتطلبات الجامعية، وسأدخل بعده فصلا جديدا في كلية الإدارة والاقتصاد، قضيت إجازة سعيدة في البحرين، الصخير والتخييم أروع ما يميزها، برامج وطلعات وجولات لا أول لها ولا آخر، سفرة إلى العمرة لمدة ثلاثة أيام، سرعان ما تصرمت أيام الإجازة.. لأستعد بعدها للسفر من جديد، إلى أرض العين..

~ نهاية الفصل الثاني ~

الفصل الثالث يشكل مرحلة انتقالية بالنسبة لحياتي الجامعية في العين، أحداث كثيرة، متميزة وأحيانا محزنة، ذكريات وبرامج، دراسة ومعاناة..

أرجو منكم الصبر معي حتى النهاية، فقد أنهينا ربع الذكريات.. وبقي منها ثلاثة أرباع.

بو ياسر29/11/2007

تحديث الساعة 12:40 ظهرا

.: الفصل الثالث :.

التحديث (25)

11 ديسمبر 2007

.: بداية أليمة :.

التقيت بالأخ لقمان في المطار لنغادر البحرين سويا، وكان معنا أخ من البحرين ذاهب إلى العين لأخذ فكرة عن الجامعة، وصلنا إلى أبو ظبي وكان في انتظارنا الأخ راعي السيفيك، وانتظرنا الأخ شاعر جو ليصل على الرحلة التالية، ثم كانت انطلاقتنا إلى العين.

الأخ شاعر جو بناء على توصية من راعي السيفيك، كان قد أحضر معه حافظة فيها (أسياخ تكة) لنشويها ليلة الوصول.

بعد الوصول إلى السكن، بدأ كل منا يرتب أموره ويستعد لحفلة الشواء، حتى بدأ البرنامج، أنا والأخ لقمان وشاعر جو، وراعي الحفل الأخ راعي السيفيك، وكنا في انتظار الإخوة عبدالرحيم وZain وعاشق الشاي، بدأنا الشواء والأمور تسير على خير ما يرام، وفي تلك الأثناء قام الأخ شاعر جو مجتهدا بسكب شيء من الكيروسين على الجمر ليزداد اشتعالا، ولكنه أخطأ تقدير الكمية فاشتعلت النار في المنقلة وما حولها، قارورة البنزين التي أحضرناها لتحفيز الاشتعال أصبحت محاضرة بالنيران من جميع الجوانب، والمشكلة أنها مغلقة أيضاً مما قد يسبب انفجارا في حوش الفيلا، أسرع الأخ راعي السيفيك في حركة بهلوانية بطولية ليركل القارورة بكل قوته ليبعدها عن النار، ولكن القارورة كانت وللأسف مفتوحة، لم أر غير شظية من النار تنطلق نحو شجرة في زاوية الفيلا لتشتعل النار في الشجرة، وقفنا ننظر إلى الشجرة مشدوهين، ولم ننتبه إلى على صوت راعي السيفيك يصرخ، التفتنا ناحيته فإذا به يركض، والنار تشتعل في ثوبه، ونحن نصرخ فيه أن يخلع ثوبه حتى فعل، والحمد لله أن الحرق كان بسيطا ولم يؤثر إلى في يديه قليلاً وحرق آخر بسيط في جبهته.

ذهب مع الأخ شاعر جو إلى المستشفى القريب وعادوا بعدها لنستأنف برنامجنا، ومع أنها كانت ليلة أليمة، إلا أنها كانت في الوقت نفسه ليلة لذيذة، خاصة عندما نتذوق التكة البحرينية في أرض العين.

.: فصل جديد :.

اليوم التالي كان يوم التسجيل للفصل المقبل، ذهبنا وكانت الأمور ميسرة والحمد لله، قمت بتسجيل خمس مواد، جميعها من متطلبات كلية الإدارة والاقتصاد، بداية جديدة وعزم على الانطلاق دون توقف.

المحاسبة كانت واحدة من المواد التي سجلتها في ذلك الفصل، ولأنها تشكل دخولي الأول إلى التخصص الذي اخترته، فقد كنت متحمسا للخوض في هذه المادة التي سأدرسها للمرة الأولى في حياتي.

مادة أخرى من مواد هذا الفصل كانت مادة التلاوة والتجويد، التي اخترتها لتكون بداية دخولي إلى عالم التجويد، والجميل في الموضوع أن الأخ مدحت كان قد سجل في المادة نفسها فالتقينا معا في نفس الشعبة وهي المرة الوحيدة التي ألتقي فيها معه طوال سنوات الدراسة.

في ظاهره كان فصلا خفيفا قليل المواد سهلها، لا صعوبة فيها ولا ضيق في الوقت، غير أن البداية تحتاج إلى تأقلم، وهذا ما كنت أحاول جاهدا أن أنساق معه.

وتستمر أحداث الفصل الثالث قريبا.. فكونوا معنا..

بو ياسر

2/12/2007

تحديث الساعة 7:45 صباحا

التحديث (26)

12 ديسمبر 2007

.: فرصة للراحة.. ثم انطلاقة :.

لم يبدأ الجد بعد، لأن الشباب في انتظار إجازة عيد الأضحى المبارك التي ستكون بعد أسبوعين من بداية الدراسة، ومن الطبيعي أن يبدأ الجد بعدها لينطلق كل منا في أموره وهمومه ودروسه.

عدنا إلى البحرين للعيد، وسرعان ما انقضت الإجازة لتنتهي مرحلة التسويف ويبدأ الجد، بدأ كل منا يمسح من مخيلته أفكار العودة إلى البحرين، لأن الإجازات لن يكون لها مرور علينا في هذا الفصل، على عكس الفصل الدراسي الأول الذي يعج بالإجازات وفرص الراحة.

الشباب كل منهم في همومه ومتطلباته، الجميع في مرحلة من الجد، حتى لقمان الذي بدأ فصله الثاني في الجامعة لديه مادة مكونة من مجلدين عليه أن يحفظهما ويعيهما جيداً لأن هذه المادة ستكون مدخله إلى كلية الشريعة والقانون.

المحاسبة، المادة التي أستعد للدخول إلى عالمها لتكون تخصص المستقبل، بدأتها بحماس سرعان ما بدأت نيرانه تخمد بعد أن وجدت أن شباب المسار التجاري – في المدرسة – يتفوقون علينا معشر العلمي في المحاسبة وفي المواد التجارية عموما، وأنني – شخصيا – لم أكن أستطيع استيعاب الكثير من الأمور والتي كنت أراها كالطلاسم لا يكاد يصل شيء منها إلى دماغي، التخصص الذي كنت أعتقد أنني سأدخله بقوة وسيكون بداية للداهية بو ياسر الذي سيغير في عالم المحاسبة تغييرات جذرية ويصنع الفخر له ولوطنه، بدأ – هذا التخصص – يغدو أمامي كالطيف الذي تتلاشى ألوانه شيئاً فشيئاً فلا يبدو للناظر منه إلا السواد.

حالة من الإحباط بدأت تعتريني، حاولت التغلب عليها بكل ما أوتيت، بالعمل الجاد تارة، وبالإيحاءات النفسية تارة أخرى، فعلى مكتبي في الغرفة-5 وضعت شعارا أشار علي بكتابته الأخ الكروان كتبت فيه “ما أروع المحاسبة”، محاولا بذلك أن أتغلب على الشعور السلبي بداخلي والذي كان يملؤني حتى الآخر.

لم يكن ذلك الشعار ليغير شيئا ولو كان مكانه ألف شعار، فالخلل كان في أمور عديدة لا يتسع المجال لذكرها هنا، ولا يغير ذكرها من الموضوع شيئا.

لكن الأمر الذي كان له الفضل – بعد الله سبحانه وتعالى – في تغيير ذلك الشعور والدخول الحقيقي إلى عالم المحاسبة واستيعابها من عمقها وحواليها، وجود الأخ مطلوب الذي سبقني بدراسة هذا التخصص، إذ لا أنكر أن له فضل كبير بعد الله تعالى علي في فهم المحاسبة ومبادئها، وبالعودة إلى حديثي الأول عن الأخ مطلوب في سلسلة الذكريات، ستجد أنني ميزته باسم “الأستاذ مطلوب”، وأظن أن سبب التسمية قد اتضح الآن.

قليل من الشرح الجاد والمسائل التي نصحني بحلها، كانت كفيلة بالتخلص من أوهام الصعوبة والإحباط، والفائدة الأهم التي حصلت عليها أن أول سؤال كنت أسمعه من بعض الدكاترة بعد علمهم أني من البحرين، كان عن الطالب البحريني المدعو “مطلوب”، ثم يبدأ الدكتور بمدحه والإشادة بجده واجتهاده، مما كان يدفعني أكثر لسلك الطريق نفسه حفاظا على سمعة الطالب البحريني في قسم المحاسبة.

امتحانات المنتصف على الأبواب، وكل يستعد لها بطريقته، بو ياسر يبذل جهداً مضاعفا في المحاسبة ليحصل على القبول في هذا التخصص، أيسر يواجه مأساة لا تنسى في هذا الفصل.. سنأتي على ذكرها في المرة القادمة إن شاء الله.

بو ياسر

4/12/2007

تحديث الساعة 7:40 صباحا

التحديث (27)

13 ديسمبر 2007

.: ليالي عصيبة :.

الأخ أيسر كان مهددا بالفصل من الجامعة في حالة عدم ارتفاع معدله في هذا الفصل، وحيث أننا كنا نقتسم الغرفة-5 معاً، فقد كنت أكثر الشباب إدراكا لمعاناته.

ذهب أيسر إلى مستشاره العام، الأخ المدبر، ليستشيره ويعيد معه حساب المعدل، ويحاول أن يسدد ويقارب من هنا وهناك ليقف أمام صورة واضحة لوضعه الدراسي، الأخ المدبر طمأنه وهدأ من روعه وأفهمه أن الموضوع لا يحتاج كل هذا الهم.

كعادة الأخ المدبر فإنه يهون الأمور ويجعلها بسيطة سلسة مهما تكن عويصة عسيرة الحل، الموضوع أكبر مما كان يظن المدبر، لأن الأخ أيسر الذي عرفناه بشوشا مرحا كثير المزاح مغمورا بروح الدعابة، أصبح مهموما وربما لم ير الآخرون ذلك منه كما رأيته أنا، كثيرا ما كان يقلب صفحات الكتب يحاول أن يذاكر ما استطاع أن يغطي من المناهج، ثم يضع الكتاب جانبا ليعيد حساباته، فيكتشف في كل مرة أن تحقيق المنال يتطلب منه جهدا جبارا هذه المرة، ثم يعود بعدها فينكب على كتبه ومذكراته.

كثيرا ما كان يذكّرني عند كل صلاة نذهب إليها ألا أنساه من الدعاء، وهو بالتأكيد كان كثيرا ما يطيل الدعاء على سجادته قبيل النوم راجيا الله سبحانه وتعالى أن يفرج عنه هذا الهم وأن ييسر له أموره، والحمد لله فقد كان هذا الفصل بداية لعبرة أخذت مكانها في حياة الطالب الجامعي أيسر، الذي تمكن من رفع معدله بعد جهد جهيد وزالت عنه الإنذارات ليواصل الدراسة في جامعة الإمارات العربية المتحدة ويصلح الوضع الذي استمر في السنوات السابقة.

.: وفــــاة :.

امتحانات المنتصف تدخل إلينا على حين غرة، لم نجد أنفسنا إلا وامتحانات المنتصف متخصرة أمامنا تهدد وتتوعد كل مهمل بما لا تحمد عقباه.

بدأت الدراسة تشتد، كل أوصد باب غرفته وتفرغ للدراسة، بالتأكيد لن يكون الوضع كذلك بالنسبة للمدبر، إذ أنه لم يعتد على الدراسة قبل الامتحان بأكثر من سويعات.

يوم السبت هو أول أيام امتحانات المنتصف، وامتحاني الأول سيكون مساءً في مادة المحاسبة، استيقظت مبكرا وجلست على سريري أحل المسائل وأسترجع ما حفظته من المعلومات، اتصال غريب فاجأني في الساعة السابعة صباحا من الوالدة العزيزة.

الوالدة كانت تتكلم بأسلوب هادئ جداً، ثم سألتني إن كنت أستطيع العودة إلى البحرين، السؤال في حد ذاته يوحي بأمر جلل، سألتها عن السبب، فكان الجواب أن جدتي – لأبي – قد توفيت فجر ذلك اليوم.

في غمرة الدراسة والضغط النفسي لم أجد جوابا، ولكنني قلت لها أنني سأنظر كيف تكون الظروف، ثم بدأت أفكر، كيف أستطيع تقديم الامتحان بهذا الفكر المشغول، حاولت مواصلة الدراسة ولم أستطع.

ذهبت إلى الجامعة وقابلت الدكتور وأخبرته بالظرف، فأجابني أن لا مانع من تأجيل الامتحان، كان الموعد في اليوم التالي مع مادة التجويد وامتحان المنتصف أيضاً، ذهبت إلى دكتور التجويد لأخبره بالموضوع فلم يوافق على التأجيل.

عندها كنت ملزما بالمكوث في العين لحين إنهاء هذين الامتحانين، وبالفعل امتحنتهما وكانا سهلين بفضل الله تعالى، ثم عدت إلى البحرين ليومين حضرت فيهما مجلس العزاء، رجعت بعدهما إلى العين لأستأنف الدراسة وامتحانات المنتصف.. ولكن..

البقية في الحلقة القادمة..

بو ياسر

5/12/2007

تحديث الساعة 6:35 صباحا

التحديث (28)

18 ديسمبر 2007

.: وصول إلى العين.. ولكن! :.

في مطار البحرين الدولي عندما كنت أستعد للعودة إلى العين، وقفت أمام موظف المطار لأكمل إجراءات السفر، سألني الموظف إن كنت أريد إدخال الأمتعة للشحن أم حملها في يدي، فأجبت أنني أريد شحنها بالرغم من خفة وزنها، وذلك لأتمكن من التحرك بسهولة في المطار والتسوق بأريحية في السوق الحرة، أراد الموظف التأكد فأجبته أن نعم وبكل تأكيد.

أدخلت الحقيبة للشحن وذهبت للتسوق في المطار، حتى حان وقت الصعود للطائرة، الرحلة كانت مباشرة إلى العين، ومنها إلى مسقط، وصلت إلى العين بعد التحليق ساعة في الأجواء والأمور على أتم ما يرام، نزلت من الطائرة ووقفت لاستلام حقيبتي، المسافرون جميعهم يتسلمون حقائبهم ثم ينصرفون، حتى بقيت وحدي أنتظر، وتوقف حزام الأمتعة عن السير دون أن تظهر حقيبتي.

ذهبت إلى شؤون الأمتعة لإبلاغهم بالموضوع، وانتظرت طويلا حتى جاء أصحاب الشأن، ربما طال انتظاري لأكثر من ساعة، وعندما أخبرت المسؤول عن الموضوع قال بأن الحقيبة ربما لم تنزل من الطائرة، ولكن للأسف فقد غادرت الطائرة أرض العين متوجهة إلى مسقط.

قد يكون من المضحك أن تذهب حقيبتي إلى مسقط في الوقت الذي لم أكن قد زرت فيه تلك البلاد، ولكن المحزن في الوقت نفسه أن كتبي التي يجب أن أبدأ الدراسة منها لامتحانات المنتصف كلها موجودة في ظلمة تلك الحقيبة، وأين؟ في أرض مسقط!

والأمر الآخر أننا معشر شباب البحرين في العين كنا نستلم مبلغا فصليا من البحرين لدعم البرامج والأنشطة وإدارة شؤون الفيلا، وقد تأخر وصول ذلك المبلغ حتى منتصف الفصل، فقمت باستلام المبلغ في البحرين لتوصيله إلى الشباب في العين، ولكن المبلغ ولسوء الحظ وقلة الانتباه كان موجودا في الحقيبة المسافرة، أي أن المبلغ أيضا غدا في مسقط، وكان أول سؤال واجهته عند وصولي إلى الفيلا هو سؤال الأخ مدحت عن الميزانية، فأخبرته بالموضوع، ولحكمة الأخ مدحت فقد آثر السكوت والكتمان لحين انتهاء الموضوع، وإلا لكنت أتجرع ويلات ذلك النسيان حتى وقت كتابة هذه الكلمات.

في اليوم التالي – يوم الجمعة – اتصل بي موظف شؤون المسافرين من المطار ليبشرني بوصول الحقيبة بالسلامة بعد ليلة هنيئة في مسقط، فتوجهنا إلى المطار أنا والأخ لقمان بعد صلاة الجمعة مباشرة لاستلام الحقيبة، وقمت بتسليم المبلغ إلى مدحت لتنتهي سيطرة القلق علي بتأدية تلك الأمانة.

وبوصول الميزانية، أصبح التخطيط للأنشطة والبرامج ميسرا دون قيود مادية، فبدأنا جميعا بالتفكير في كيفية استغلال الوضع بما يعود بالنفع على الشباب والفيلا.

في الحلقة القادمة.. نودع أحد أبطال الذكريات..

بو ياسر

6/12/2007

تحديث الساعة 5:30

من مطار دبي الدولي

التحديث (29)

24 ديسمبر 2007

.: انسحــاب! :.

في بعض الأحيان يمر المرء بظروف لا يعرف كيف تنتهي معاناته فيها، كما تكلمنا مسبقا عن الأخ أيسر ومعاناته مع الإنذارات، وانتهاء قصته بالفرج وإزالة إنذاراته ليعود للدراسة نقي الذهن صافي البال.

الأخ شاعر جو كان يعتبر اللغة الإنجليزية عقدة يصعب فكها، وكان لا يرجو فيها أكثر من الحصول على درجة تفرق بدرجتين عن النجاح ليدفعه بعدها مدرس المادة إلى النجاح دفعا.

وصلت معاناة الأخ شاعر جو في هذا الفصل إلى درجة اليأس، فأصبح ذلك الأخ الذي يعلي همم الآخرين، يحتاج إلى تجمع خاص لرفع شيء من همته، وبالفعل حاول الجميع ذلك ولكن دون جدوى لأن النفسية عندما تصل إلى مرحلة حرجة من الهبوط يصعب على أي كان أن يرفعها من جديد.

بعد محاولات يائسة معه، قرر شاعر جو أن ينسحب من ذلك الفصل ليعود إلى البحرين، لعل فترة الراحة تعيده بروح أكثر حيوية ونشاط فيستأنف دراسته، وكان القرار مكتمل البنود، ولم يبق فيه غير التنفيذ، وبالفعل نفذ شاعر جو ما عزم عليه وعاد إلى البحرين تاركاً وراءه الفيلا 40 وروادها إخوانه وأحبابه، لتبقى الفيلا 40 تنطق بمحبته وتصدح باسمه.

في كل زاوية من زوايا الفيلا شيء يذكرنا بشاعر جو، لوحة كان قد علقها على الجدار، أو مسمار ثبته في مكان ما، طاولة غلفها بنفسه، عطر أحب أن يستخدمه، كلمات كثيرا ما كان يرددها، غرفته التي أصبحت تبكي غيابه، الأخ لقمان، الذي يردد اسمه كثيرا، بعد أن استقرا معا في الغرفة-3، كلها أمور تجعل الأخ شاعر جو موجودا معنا رغم عودته إلى البحرين.

كنا نظن أنها استراحة المسافر التي لن تطول، ولكن الأمر لم يكن كذلك، فقد تم قبول الأخ شاعر جو في الكلية العسكرية بالبحرين، لينتظم فيها تاركا العين لدفاتر الذكريات.

على الرغم من قصر المدة التي التقينا بها مع شاعر جو في العين، إلا أن أخوة عظيمة نقشت رسمها في قلوبنا تجاه بعضنا جميعا، لم يقطع اتصاله بنا، ولم ننس ذكره في كل محفل، كما أنه لم ينس تلك الأيام فكنا نلتقي في البحرين أحيانا بعد عودتنا، وهو أيضا لم ينس العين والفيلا 40، فقد عاود السفر إليها مرات بعد انسحابه والتقى الشباب هناك، ولكن وللأسف كان هذا بعد تخرجنا فلم نعش تلك اللحظات لنسترجع ذكراها.

سكن الغرفة-3 بعد الأخ شاعر جو أجيال وأجيال، ولكننا حتى الآن لا نسميها إلا باسمه، وفي كل مرة أتذكر الغرفة أتخيله يدخل إليها ويخرج، وحتى حين تخرجي من الجامعة كان اسمه مكتوبا على خزانته لم ينزعه أحد من الشباب حبا لأخيهم شاعر جو.

ذكرياتنا معه كثيرة، والمواقف الطريفة لا تحصى، ولعلي أذكر منها أنه في يوم من الأيام كان مندمجا مع التلفاز برفقة الشباب في الفيلا 40، وكان معنا أخ بحريني نذكر اسمه للمرة الأولى وهو الأخ (طوني) الذي كان يسكن في غرفة خارج الفيلا 40، الأخ طوني يعشق المقالب ويدبرها تدبيرا، سبحان من وهبه هذه الأفكار المرعبة في بعض الأحيان، والمضحكة في أحيان أخرى.

دخل الأخ شاعر جو إلى غرفته ليأخذ غرضا ويعود إلى الشباب، وما إن فتح الخزانة حتى خرج له منها طوني صارخا في وجهه، ولولا رحمة الله لسقط شاعر جو مشغيا عليه من الفزع الذي أصابه.

بقينا نردد هذه المواقف ونتذكرها بعد انسحاب أخينا شاعر جو، ومازلنا نرددها حتى اليوم، ولعل الأمر الذي كان يجعلني أفتقد هذا الأخ كثيرا، أن لقاءاتنا وجلساتنا كانت كثيرة، وأن نقاشاتنا كانت مثمرة في أغلب الأحيان، يشاركنا فيها الأخ لقمان، وافتقدته أيضا لأنه يسكن في منأى عن مناطقنا هنا في البحرين، فلم نستطع أن نكرر لقاءاتنا حتى هنا في البحرين، وربما تتاح لنا هذه الفرصة قريبا.

بو ياسر

5/12/2007

تحديث الساعة 13:45

التحديث (30)

25 ديسمبر 2007

.: طلعة شواء :.

أربعة من شباب البحرين يستعدون للتخرج في هذا الفصل، ولهذا السبب كان النشاط دأبهم لاستغلال الفصل الأخير بكل ما يمكن استغلاله، الأخوة الخريجون هم الكروان، مطلوب، المدبر، والأشقر، ترى البعض منهم يعمل ويجد بكل ما أوتي ليرفع معدله، والبعض الآخر لا يأبه بشيء لأن الفصل الأخير لا يؤثر في المعدل كثيرا.

مقترح أصر عليه الأخ المدبر وهو أن يخرج الجميع في طلعة شواء بحديقة المطار، وبالفعل كان التخطيط لطلعة الشواء، وتم شراء الأغراض والحاجيات وبدأ الجميع يستعد للخروج.

ما لم نذكره مسبقا أن هذا الفصل تغير كثيرا عن الفصل السابق، فبعد أن كان الشباب يضطرون لتأجير السيارات أو استعارتها من المعارف، أصبحت السيارات متوفرة، فالأخ الأشقر كانت سيارته موجودة منذ الفصل الأول لي، والأخ الكروان اشترى سيارة في الفصل الحالي، والأخ مطلوب أحضر سيارته من البحرين للفصل العملي، كما أن الأخ لقمان أحضر سيارته في هذا الفصل أيضا.

إلى حديقة المطار كانت الوجهة، كان لقاءً طيبا وبرنامجا ترفيهيا رائعاً، الأخ المدبر والأخ أيسر يشرفان على الشواء، لكل فرد نصيبه من البارد وقطعتان من الهمبورجر، الأخ عاشق الشاي كان يحاول استفزاز أيسر بانتقاده المتواصل للوجبة التي بالكاد تكفي لعصفور، ولكن أيسر كان صبورا ولم يرد عليه إلا بمزاح مثله.

الجميع دون استثناء كانوا مندمجين مع البرنامج، لعبة الأونو كان لها تواجد أيضاً بيننا، وبالتأكيد لم تكن تخلو من الغش، البرنامج انتهى بالتقاط الصور الجماعية وبعض المقالب التي لابد من وجودها في برامج شباب البحرين.

.: برنامج شواء مرة أخرى :.

في ليلة من نهاية أحد الأسابيع، أصر الأخ المدبر على الكروان أن نقوم ببرنامج شواء مرة أخرى ولكن في السكن، الأخ الكروان لم يرحب بالفكرة لأنها قد تكون مكلفة نوعا ما، ولكن الأخ المدبر لم يكن ليقتنع بهذه السهولة وأصر على تنفيذ البرنامج مما جعل الكروان يرضخ له أخيرا.

استلم الأخ المدبر مبلغا من الكروان لشراء الأغراض وذهبنا أنا والأخ الكروان والأخ لقمان – بسيارته – إلى كارفور العين.

كارفور كان قد افتتح في الفصل نفسه، بعد أن كانت مدينة العين تخلو من المجمعات إلا من محل يطلق عليه تجاوزا اسم “الفلاح بلازا”.

الكروان أعطى المدبر مبلغ 200 درهم على أن يشتري بمبلغ 150 ويرد الباقي، ولكن الأخ المدبر بدأ يشتري كل ما يمكن شراؤه من أجل راحة الشباب، فتراه يأخذ من الدجاج قليلا، ومن سمك الهامور شيئاً، ثم أراد أن يأخذ بعض الفاكهة، وبعض الحلويات، ولم ينس وسائل الرفاهية ومتطلبات الشواء.

بعد خروجنا من كارفور تذكر المدبر أن الكروان ينتظر منه مبلغ 50 درهما، ضحكنا جميعا لأن الموضوع لن يكون شرحه صعبا على المدبر ولن يتعب كثيرا في إقناع الكروان، فهذا الفن لا يجيده أحد كما يجيده هو.

في شرفة الفيلا 40 كان الشواء، الأخ المدبر اتصل بوالدته ليأخذ طريقة التتبيل، وكانت وجبة لذيذة لا تنسى، كان اجتماعا متميزا كعادة اجتماعاتنا، الجميع تواجد في الفيلا 40 والجميع يتعاون في إنجاز المهام من غسيل وإعداد الأدوات وتنظيف المكان.

ليالي الشواء كثيرة وبرامج الشواء متكررة، ولكن بعضها يبقى في الذاكرة أكثر من غيره، وربما كان هذان البرنامجان من البرامج التي لم تكن لتنسى رغم السنوات التي مرت حتى الآن.

بو ياسر

3/12/2007

تحديث الساعة 13:10

التحديث (31)

26 ديسمبر 2007

.: الأرانب والعصافير :.

قد يكون العنوان غريبا نوعا ما، حتى أنه ليبدو للقارئ أنه عنوان حكاية للأطفال يتسلون بقراءتها قبل النوم، ولكنه بالتأكيد ليس كذلك.

الأخ مدحت كان في صباه مهووسا بتربية الطيور، والجلوس عند أقفاصها طوال النهار، كما أن هذه الهواية تنتشر انتشارا عجيبا في بعض مناطق البحرين وفي هذه المرحلة العمرية بالتحديد.

قرر مدحت أن يعيد تلك الأيام ليعيش شيئا من ذكريات الصبا، فعزم على شراء بعض الطيور ليقوم بتربيتها في الفيلا 40، يشغل بها شيئا من فراغه ويمارس هواية قديمة شغلته عنها المسؤوليات والظروف الدراسية.

قام مدحت بشراء أربعة طيور من نوعية (الزبيبرة) كما نطلق عليها، وبدأ يعد لها قفصاً بمساعدة من الأخ المدبر ومتابعة من الجميع، القفص الذي قد يكون اسمه كبيرا بعض الشيء، لم يكن إلا طاولة من طاولات الدراسة المهملة في إحدى زوايا الفيلا 40، قام الأخ مدحت بتفريغها من الداخل، وقام بوضع بعض العلب وتعليقها في الزوايا، كما وضع غصنا قام بانتزاعه من شجرة كان في حديقة الفيلا 40، أما الشبك الأمامي فلم يكن الحصول عليه بالأمر الصعب أمام أخينا المدبر، فقد قام بانتزاع شبك إحدى النوافذ وقصه على مقاس القفص أو الطاولة، وغطى به الواجهة، ولأن الرؤية كانت شبه معدومة بسبب ضيق فتحات الشبك، فقد قام أحد الإخوة بالتبرع بمصباح الدراسة الخاص به ليجعله الأخ مدحت في زاوية القفص فتكون الرؤية متاحة وواضحة.

الأخ مطلوب كان كثيرا ما يهدد بفتح القفص ليطلق سراح الطيور، حتى بدأ مدحت يخشى على طيوره كما يخشى الراعي كيد الذئب لأغنامه، فقام بإدخال القفص إلى شرفة داخلية في غرفته يصعب وصول الأخ مطلوب إليها.

ولكن القدر كان أقوى من إرادة الأخ مدحت، فقد عبثت الرياح بشباك القفص لتفتح فيه فتحة صغيرة تمكنت الطيور من الهرب من خلالها، ليسعد بذلك مطلوب وكأن الظروف جاءت تلبي رغباته الكيدية دون حاجة إلى جهد منه.

وفي عصر يوم من أيام الجمعة، عندما كان الملل يسيطر على الجميع، كنت أنا والأخ المدبر في الصالة نتأمل طيور مدحت – قبل هروبها – ونفكر في برنامج أو هواية على شاكلة تلك التي بدأها الأخ مدحت، فاقترحت عليه أن نشتري بعض الأرانب، لم يكن الموضوع يحتاج إلى أي إقناع، لأن الأخ المدبر هب واقفا لينادي لقمان ويدعوه إلى مشاركتنا، الأخ لقمان لم يبد اعتراضاً وقررنا الذهاب من فورنا إلى سوق العين للمواشي والدواجن، وقمنا بشراء ثلاثة أرانب، ذكر أطلقنا عليه “بو عبود” وأنثيين كان اسمهما “أم عبود” والأخرى “ميمي” أسوة بالأرنبة الحسناء في مسلسل الأطفال “سنان”.

المشروع الذي كان المدبر يفكر فيه هو أن الأرانب معروفة بسرعة تكاثرها، وفي ذلك منفعة لنا لو قمنا ببيعها في نهاية الفصل، ورحبنا أنا والأخ لقمان بالفكرة طبعا.

أعددنا للأرانب مكانا في شرفة الفيلا 40 وجهزنا المكان تجهيزا متواضعا، وبدأت الأرانب تلهو ونحن نتابعها بين الحين والآخر.

مر شهر ولم نجد أي إنتاج فقرر الأخ المدبر بمساعدة أيسر – وكان ذلك أثناء تواجدي في البحرين للعزاء – إنزال الأرانب إلى حوش الفيلا 40 لتكون لها حرية الحركة وأيضا للتخلص من الرائحة التي بدأت تسيطر على المكان وأصبحت تصل إلينا في عقر ديارنا.

كثيرا ما كانت الأرانب تخرج من الفيلا للفسحة في المناطق المجاورة، وكثيرا ما كنا نرى أحد الطلاب في السكن داخلا إلينا ممسكا أرنبا من أذنيه ليعيده إلينا بعد هروبه وابتعاده عن الفيلا.

في حوش الفيلا وفي لحظات الملل كنا نطلق الأرانب فيقوم الأخ المدبر بالإيعاز ببدء المطاردة، ويبدأ الجميع بالجري من كل النواحي لنرى من يكون الأسرع في الإمساك بالأرانب.

حتى جاء اليوم الذي قررنا فيه إعادة الأرانب إلى السوق بعد أن وجدنا أنها عديمة الإنتاج، وكان ذلك بعد مرور شهرين من شرائها، أي مع اقتراب الامتحانات النهائية، وتم بيعها بصفقة خاسرة، بنصف السعر تقريبا.

رحلة متميزة.. في الحلقة القادمة إن شاء الله..

بو ياسر

6/12/2007

تحديث الساعة 7:55 صباحا

التحديث (32)

26 ديسمبر 2007

.: رحلة إلى خصب :.

بعد النجاح الباهر لرحلة الفصل الماضي إلى خورفكان، قرر الشباب التعاون من جديد مع شباب رأس الخيمة لترتيب سفرة قصيرة إلى منطقة خصب بسلطنة عمان، والتي تقع في المنطقة المنعزلة شمال الإمارات على مضيق هرمز.

بدأت رحلتنا يوم الأربعاء عصرا، وكان طريقنا نحو رأس الخيمة، هذه المرة كان السفر بالسيارات الخاصة للشباب خاصة وأننا سنحتاج لعبور الحدود، الأخ لقمان في سيارته بصحبة الأخ عاشق الشاي وكنت أنا الثالث، السيارتان الأخريان يقودهما كل من الأخوين مطلوب والكروان، ومعهما الأخوة متفائل وأيسر والمدبر وابن الأشراف.

وصلنا إلى رأس الخيمة وكان القرار بالمبيت تلك الليلة لننطلق في صبيحة اليوم التالي إلى خصب، وبالفعل تحركنا في اليوم التالي من رأس الخيمة إلى خصب، عبرنا الحدود لندخل إلى منطقة ساحرة المناظر رائعة الجمال، الجبال تحدنا من اليمين والبحر من الشمال، تماما كتلك التي نراها في التلفاز أحيانا ونجهل مكانها.

كل منا يتطلع يمينا ويسارا، أحدنا يشير فيسرع الآخر بالالتفات، حتى وصلنا إلى مكان يطل على البحر من أعلى الجبل رائع المنظر، لا يستطيع الناظر أن يرى نهاية البحر لبعده، نزلنا لننظر عن قرب والتقطنا بعض الصور ثم واصلنا الطريق.

محطات كثيرة نمر بها ونتوقف عندها ثم نواصل طريقنا بعدها.

فندق خصب كان المحطة التالية، حيث تم الاتفاق مع إدارة الفندق على استخدام بركة السباحة مقابل مبلغ من المال مع وجبة الغداء، البرنامج في البركة كان حيويا ورائعا، المقالب أخذت ذروتها في ذلك اليوم، وكان الغداء ختام برنامجنا في فندق خصب، لنغادر خصب إلى رأس الخيمة في المساء.

انتهت رحلتنا إلى خصب، عدنا إلى العين في صبيحة اليوم التالي حاملين معنا أروع الذكريات التي لم تزل تراودنا أحداثها حتى اليوم، بقي من رحلة خصب شيء من الذكرى ومجموعة من الصور التي لازلنا نحتفظ بها، نعود لنطلع عليها من وقت لآخر لنجدد في داخلنا روعة الأيام ونسترجع أحلى اللحظات التي أصبحت – هي أيضاً – مطوية في صفحات الأمس.

بو ياسر

5/12/2007

تحديث الساعة 13:50

التحديث (33)

27 ديسمبر 2007

.: حفلة تخرج :.

يغادرنا بعد أسابيع، أربعة من الشباب الذين كانوا أركان التأسيس للتجمع البحريني في الفيلا 40، الأخوة مطلوب والكروان والمدبر والأشقر، يستحقون أن يكرمهم الجميع بحفلة داخلية للتعبير عن قدرهم في قلوب الشباب، وعن الفرحة باقتراب تخرجهم.

عدنا من الجامعة في وقت مبكر لنبدأ الاستعداد لحفلة الليلة، الأخ لقمان أغلق على نفسه باب الغرفة ليصنع من الأوراق الملونة زينة نعلقها على المداخل والأبواب، وقام أيضا بمساعدة بعض الشباب بنفخ البالونات الملونة لنملأ بها ممرات الفيلا وأرجاءها.

فيما عمل الأخ أيسر والأخ متفائل بمساعدة الإخوة الخريجين على تنظيم الفيلا وتنظيفها، وتفريغ الغرفة-6 من الأثاث استعدادا للاحتفال.

قمنا أيضاً بتجميع كلمات التهنئة من الإخوة رواد الفيلا لنطبعها على بعض الأوراق الملونة ونقوم بتعليقها عند السلم، كما أعددنا عرضا بالكمبيوتر عن الفيلا 40 يعرّف بشباب الفيلا ويبارك للخريجين، بدأ المساء يطل علينا واقترب موعد اللقاء.

بعد صلاة العشاء بدأ الشباب بالتوافد إلى الفيلا، الجميع يستعد للحفل بما يستطيع من العطور والملابس الأنيقة، الأضواء مسلطة على الخريجين أبطال الحفل، كل يهنئهم ويشيد بجهدهم ويدعو لهم بالتوفيق.

وصل راعي الحفل الأستاذ عمر مدير عام الإسكان الطلابي، وبدأ الحفل ثم ألقى الأستاذ عمر كلمة التهنئة في جو من البساطة والأخوة، والأخوة الخريجون أيضا كل منهم عبر عن سعادته بكلمة بسيطة، ثم بدأ العرض، وبعده تم تكريم الخريجين، وقمنا بأخذ بعض الصور الجماعية في هذه المناسبة السعيدة.

العشاء لم يكن كالحفل السابق، ولكنه كان هذه المرة بتوصية خاصة إذ تم شراؤه من مخبز النور، ليكون عشاء يليق بهذا الحفل الذي جاء تكريما لصناع هذا الصرح المسمى بالفيلا 40.

لعلي قصرت في التطرق لموضوع تأسيس الفيلا 40، ولم يكن ذلك التقصير مقصودا، ولكنني كنت مرغما عليه لأني لم أعش تلك الأيام، فقد كانت مرحلة التأسيس قبل انضمامي إلى ركب البحرينيين في العين، حيث كان الشباب يسكنون قبلها في غرف متفرقة وربما في فلل متفرقة أيضاً، لا أعلم بالضبط، ولكنني أعلم جيدا أن المرحلة السابقة كانت عصيبة على الشباب جميعا، حتى قام إخواننا شباب الشارقة، بتفريغ الفيلا 40 والتي كانوا يسكنونها سلفا، للشباب البحرينيين، ومن هنا كانت نهاية المعاناة وبداية عصر القوة.

حفل التخرج قد يكون للقارئ الكريم حفلا عاديا، ولكنه في الواقع كان حفلا تكريميا لشباب لن توفيهم الكلمات قدرهم، لقد كان الحفل لأولئك الذين ضحوا بالكثير من وقتهم وجهدهم ليعيش الذين من بعدهم من شباب وطنهم في راحة وسعادة طوال سنوات الدراسة.

قد أكون قصرت في حق إخواني الأحباب كثيرا، الكروان ومطلوب والمدبر وحتى أيسر ومدحت ومتفائل، كل أولئك كانوا نجوما في سماء جامعة الإمارات، وكان لهم السبق والفضل بعد الله سبحانه وتعالى، في التمام شمل البحرينيين، وفي اكتمال الحلم الذي راود الدارسين هناك طويلا.

حقيقة، لقد كنت أشعر أنني في بيئة عزيزة علي رغم كل الظروف رغم الخلافات الطبيعية التي تحدث في كل بيئة، وكنت أعتبر الجميع، دون استثناء، إخوة، كان لله سبحانه وتعالى فضله علي أن جمعني بهم واختار لي أن أسعد بهم وأترنم بذكراهم حتى اليوم.

اليوم وبعد كل هذه السنين أعود فأقدم لكم جميعا يا أحبتي كل كلمات الشكر والمحبة، وأسأل الله أن نجتمع مجددا كما اجتمعنا في الفيلا 40 من قبل، وأن يكون لنا لقاء أبدي في جنة الخلد.

لم يكن بعد الحفل في ذلك الفصل أحداث غير أن انتهاءه كان صعبا علينا جميعا، لأن نهايته كانت وداعا لنخبة من الشباب، الذين عرفناهم وعرفهم القارئ الكريم، وأصبح لا يجهل قدرهم أحد.

الأخ مطلوب عاد بالطائرة من دبي، وكذلك الأشقر، المدبر كان تخرجه في الفصل الصيفي فمكث لشهرين آخرين، أما الأخ الكروان فقد عاد بالبر يلحقه الأخ لقمان كل بسيارته، عاد كل منهم إلى البحرين ولا يزال الحب للعين وللفيلا 40 يملؤه حتى اليوم، كما أن الفيلا 40 بكل من سكنها، لا تزال تحفظ لأولئك حقهم من المحبة والقدر العظيم.

حقا لقد كانت تلك الأيام تشكل العصر الذهبي لشباب البحرين في العين، ولكن لا بد لتلك الصفحة المشرقة من أن تطوى في يوم من الأيام، وقد حان الوقت لذلك.

بو ياسر

11/12/2007

تحديث الساعة 7:45 صباحا

نهايـة الفصـل الثـالث

إخواني.. تنتهي عند هذه النقطة مرحلة أساسية من مراحل الذكريات الجامعية التي بدأناها قبل حوالي شهر ونصف، وقد مضى ما يقارب 40% منها، ملاحظاتكم تهمني وتعليقاتهم لها بالغ الأثر في الاستمرار.

أتمنى أن تستمر متابعتكم حتى النهاية وأرجو أن أجد منكم العون الذي عهدته منكم، لا تنسونا من صالح دعائكم.

الكثير من الأخوة سيكون لهم وجود في الحلقات القادمة، والأحبة الذين انتهت حقبة تواجدهم، أرجو أن يستمر تواجدكم هنا لتتعرفوا على العهد التالي لكم.

تحياتي للجميع دون استثناء وللمتابعين الدائمين تحية خاصة 🙂

أخوكم بو ياسر

الفصل الرابع

التحديث (34)

.: فصل جديد، ووجوه جديدة :.

2 يناير 2008

الإجازة الصيفية توشك على الانتهاء، والاستعداد للسفر بدأ يأخذ مكانه في داخلنا، كلما حاولت الاستمتاع بما تبقى من الإجازة تذكرت موعد السفر، وتذكرت الفيلا 40 وشكلها وحالها بعد غياب أربعة ممن كان لهم الحضور الأقوى في السنوات الماضية.

حتى حان ذلك الموعد الذي لم نتمن أن يعجل بحضوره، سافرنا أنا وأخي لقمان إلى العين، قبل بدء الدراسة بيوم واحد، كان حديثنا عن وضع الفيلا وكيف ستكون في الأيام القادمة بوجود طلاب جدد ودون الإخوة الذين كانت لهم مكانتهم في الفيلا.

وصلنا إلى الفيلا وكان طريقنا إلى الغرفة-5 مباشرة، الباب مفتوح، وكان أول ما رأينا قدمين تتكئ إحداهما على الأخرى والاهتزاز دأبهما، لم نر غير القدمين وصوت تمتمة خفيفة، نظرت إلى لقمان وابتسمت، ثم قلت له: “يبدو أنه (طوقان)، الطالب الجديد الذي سبق أن علمنا بقبوله في الجامعة”.

دخلنا إلى الغرفة وبادرنا بالسلام، نهض الأخ طوقان ليرحب بنا على طريقته، كادت عيناه أن تخرجا من مكانهما عندما وجد في يدي جريدة من البحرين، انقض عليها وبدأ يقلبها وهو يبتسم ابتسامة لم يستطع كتمانها، بدا سعيدا لعثوره على شيء فيه رائحة البحرين، هذا ما اعتقدته، ولكن الذي اتضح لي لاحقا أنه يعشق كل ما يتعلق بالسياسة، بالرغم من قبوله في كلية الشريعة والقانون.

الأخ طوقان سكن مؤقتا في الغرفة-5 لأنها – كما يبدو – كانت الوحيدة التي لم يوصد بابها، لذلك قررنا أن نبيت تلك الليلة أنا والأخ لقمان في الغرفة-3، التي كان يسكنها لقمان مع شاعر جو.

نزلنا إلى الغرفة فوجدنا شابا إماراتيا يجلس وبجواره حقيبة، بدا لنا أنه استقر في الغرفة-3، طرحنا السؤال فكان ما بدا لنا صحيحا، إدارة السكن قامت بتسكين بعض الطلاب الإماراتيين في الفيلا 40 وتسجيلهم في غرف متفرقة.

لم يكن ذلك مزعجا بالنسبة لنا إذ كنا نعتبر شباب الإمارات إخوة وأحباب، ولكن الأمر الذي لم يرق لنا هو أسلوب إدارة السكن في التسكين وعدم التزامها بما اتفقنا عليه مسبقا أن الفيلا 40، لشباب البحرين.

قمنا بالتنسيق مع الشباب الإماراتيين ليشتركوا هم الثلاثة في الغرفة-2 فوافقوا على ذلك، وبتنا أنا ولقمان في الغرفة-3 مؤقتا لحين وصول باقي الشباب وتنسيق الأمور بصورة جماعية.

بدأ الشباب بالتوافد على الفيلا، الجميع يرى بأن الفيلا 40 لم تعد كما كانت، نحتاج إلى وقت طويل للتأقلم مع الوضع الجديد، كيف ستكون الفيلا من دون المدبر والكروان ومطلوب، أنا شخصيا افتقدت مطلوب كثيرا وسأفتقده أكثر عندما تشتد الدراسة، كما أن الأخ المدبر مكانه أصبح خاليا ولم يعد أحد يشارك أيسر في المزاح والبرامج الترفيهية، الأخ الكروان الذي يطربنا بصوته في غدوه ورواحه، الفيلا تشكو فقدهم جميعا.

أنا عن نفسي كنت أكتم الكثير بداخلي، ولاحظت أن لقمان يشاركني نفس الشعور، قررنا أن نتغلب على ذلك بفرض الواقع على أنفسنا، قمنا بتجهيز الغرفة-3 – بعد أن تم الاتفاق على تغيير الغرف – بما يوفر لنا الراحة والاستقلالية، فقمنا بشراء ثلاجة صغيرة وشواية للخبز، وقمنا بملئ الثلاجة بما لذ وطاب من الأطعمة والمشروبات.

في الفترة نفسها كان وفد من شباب البحرين يقضون ما تبقى من إجازتهم في دبي، فقررنا أنا والأخ أيسر أن نشاركهم البرنامج، وانطلقنا إلى دبي، اتصل بي الأخ لقمان ليسألني عما إذا كنت مستعدا للانتقال إلى الغرفة-5 من جديد بدلا من الغرفة-3، بحيث نكون أنا والأخ لقمان في الغرفة-5، ويكون طوقان ومتفائل في الغرفة-3، لم أمانع خاصة وأن الغرفة-5 لها عندي قدر كبير ومعزة خاصة، الأخ أيسر انتقل إلى الغرفة-6 مع عبدالجبار، عله يشم شيئا من عبق المدبر ومطلوب في ذلك المكان.

الفصل في بدايته، ولازالت بعض الوجوه الجديدة لم تطل علينا بعد..

بو ياسر13/12/2007

الساعة 13:25

**********

********

******

التحديث (35)

.: إقامة مؤقتة :.

3 يناير 2007

كانت مواقع الإسكان الطلابي مقسمة إلى ثلاثة مواقع أساسية، المرخانية-1، المرخانية-2، والكويتات، لم يكن في المرخانية-2 أحد من البحرينيين، ولكن تجمعا منهم كان يقيم في الكويتات، وللأسف فإن العدد الذي تخرج منهم لم يكن يذكر، فأحدهم ترك الجامعة بعد أن آيس من الاستمرار، وآخر قرر ترك الجامعة بكرامته قبل أن يتم فصله بعد سوء تفاهم مع أحد الدكاترة، إلى آخره من الظروف.

لكن قلة قليلة منهم واصلوا الدراسة بقوة وعزيمة حتى النهاية، ولعلي أعتبر الأخ (ساهر) أحد هؤلاء الأشخاص.

ساهر كان أحد الطلاب الذين يقيمون في الكويتات، ولكن الظروف المتتابعة التي لحقت به في الفصل السابق وفي الصيف أيضا، جعلته يترك الكويتات لينتقل إلى المرخانية مع جمع البحرينيين المقيم فيها آنذاك.

فتحت الفيلا 40 أبوابها للأخ ساهر، ولم يكن أحدنا يتوقع أن يكون ساهر فردا أساسيا وله من الذكرى ما له في قلوب الجميع، خاصة وأنه أقبل إلينا بنفسية لا يحسد عليها، إذ كان من المفترض تخرجه في الفصل الصيفي، ولكن ذلك التخرج قد تأخر إلى الفصل الأول للظروف التي ألمحنا إليها.

كنت وما زلت أعتبر تلك الظروف التي ألمت بساهر حظا سعيدا لنا جميعا، فلولا تلك الظروف ما كان لنا لقاء به ولا أدنى علاقة، ولكن تيسير الله كان أن نتعرف إليه في آخر فصل دراسي له ليختم حياته الجامعية بفصل مميز في نظرنا، وربما في نظره هو أيضاً.

وجه جديد آخر أطل علينا في هذا الفصل، ولكننا لم نلتق به كثيرا لأسباب وظروف متعددة، أولها أن دوامه الجامعي كان صباحيا بحتا، والظرف الآخر أنه كان يقضي باقي الوقت في النوم، ولا شيء غير النوم، والظرف الثالث أنه كان يسكن مع أخيه، الأخ Zain في فيلا ثانية.

كان ذلك الطالب الجديد هو الأخ (فرحان)، سعدت كثيرا بقبوله في جامعة الإمارات، ولكنني في نفس الوقت أحسست أني كبرت كثيرا وتقدمت في السن، لأنني كنت أعرف فرحان صغيرا يأتي إلى المسجد مع أخيه الأكبر Zain وأصحاب أخيه، وقبوله في الجامعة يعني مرور دهر على قبولي، وهذا بدوره بقدر ما يشجع على المواصلة نحو النهاية، فإنه يشعر المرء بأن سنوات عمره في انقضاء سريع، وأن الانتباه لذلك أمر ضروري لكي لا تضيع هذه السنوات سدى دون تحقيق لأي هدف أو طموح.

في هذا الفصل استقبلنا ثلاثة، ونودع ثلاثة أيضا، حيث يتخرج في هذا الفصل الأخوة متفائل، وعبدالجبار، إضافة إلى الأخ ساهر.

لم تبدأ الفعاليات في هذا الفصل ولم يكن فيه ما يميزه كثيرا غير حدث واحد كان الأكبر في أحداثه، وسنأتي على ذكره في الحلقة القادمة.. وللقارئ الكريم أن يخمن ذلك الأمر.

بو ياسر13/12/2007

الساعة 7:35 صباحا

**********

********

******

التحديث (36)

.: عمل إرهابي :.

3 يناير 2007

في الأسبوع الثاني من الفصل الدراسي، وفي عطلة نهاية الأسبوع بالتحديد، قرر الشباب شراء تلفاز جديد بدل التلفاز الذي تكلمنا عنه مسبقا والذي تم بيعه دون مقابل، أو أنه تم التخلص منه في السوق وحسب.

كنت في دبي حيث كان الوالد العزيز والوالدة العزيزة في زيارة قصيرة، فاتصل بي الأخ لقمان ليخبرني عن قرار الشباب في موضوع التلفاز، فوافقتهم على ذلك، وبعد مرور سويعات على هذه المكالمة عاود لقمان الاتصال ليطلب مني أن أفتح التلفاز على أي قناة كانت، فالعالم كله يتابع خبرا عاجلا، ولعل هذا الخبر كان خبر الافتتاح للتلفزيون الجديد.

كان ذلك اليوم هو الحادي عشر من سبتمبر 2001، وكان ذلك الخبر هو خبر الهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاجون، الجميع يتابعون الأخبار وكل يترقب ويخمن العاقبة التي ستلحق بالعالم جراء ذلك.

ظلت الأخبار في تتابع والإشاعات أيضا لم تتوقف عن الانتشار، فأحدهم يرسل بريدا إليكترونيا مفاده أن ذلك العمل جاء بتدبير أمريكي، وآخر يرسل أن القرآن قد تنبأ بذلك قبل أكثر من أربعة عشر قرنا، وصور مفبركة ومقاطع خادعة، كل يحاول أن يثبت دليلا في الموضوع وهانحن اليوم بعد مرور ست سنوات على ذلك الحدث ولم يظهر دليل واحد يثبت المتورط في ذلك الهجوم.

.: الدخول إلى التخصص :.

بدأت الدراسة تأخذ مجراها، والجديد في الموضوع أنني في هذا الفصل بدأت أدرس مواد التخصص، أو بالأحرى أنها مادة واحدة لا أكثر، ولكن رهبة التخصص كانت تلفني، والتوجس من المستقبل كان يحكمني.

التفكير السلبي والنفسية المتدنية أمران لازماني طوال الوقت، ولا أنكر ذلك أبداً، قد أكون أنا الذي زرعت هذا التفكير بداخلي لمجرد أنني أقبلت على التخصص، بالرغم من أن مادة التخصص لم تكن صعبة والدكتور كان متعاونا محبا للطلاب ولمصلحتهم، وكذلك كان باقي الدكاترة.

عاهدت نفسي حينها على الصبر والمقاومة قدر المستطاع، لأن الصبر في البداية هو سبيل الصمود حتى النهاية، وبالفعل كان ذلك، لم تكن الدرجات المتدنية التي حصلت عليها في الاختبارات القصيرة نقاط ضعف ولا قنوط بالنسبة لي، لأنني اعتبرتها كبوات على طريق الفارس، وواصلت غير آبه بها نحو الهدف، في كل مرة كنت أجد نتيجة تزيد هول الصدمة، ولكنني كنت أقول أن العبرة في النهاية.

خسرت الكثير من الدرجات طوال الفصل، لم أكن مقصرا من ناحية الدراسة، ولكنني كنت مقصرا في حق نفسي كثيرا من ناحية أخرى، لم أكن أحترم قدراتي، وضعت اللغة الإنجليزية همّا وصدقت صعوبتها، حتى باتت حاجزا يمنعني من كل نجاح وتميز، حتى بدأ ذلك الشعور بالتلاشي شيئاً فشيئاً مع الأيام.

الجو يتحسن وبدأ فصل الشتاء يلمح لنا بقربه..

بو ياسر24/12/2007

الساعة 13:25

**********

********

******

التحديث (37)

.: ليلة مطيرة :.

5 يناير 2007

كان الفصل في بدايته شديد الحرارة، والسموم تكاد تشوي البشر في غدوهم إلى الجامعة وعودتهم، حتى بدأت هذه الحرارة بالانخفاض مع الأيام، ولكن فصل الصيف لا يزال مستمراً.

في محاضرة التسويق التي كانت آخر المحاضرات في ذلك اليوم، وفي وقت كان الظلام فيه بدأ ينتشر بين الجدران في مبنى الجيمي، سمعنا دويا مرعبا وهزيم الرعد بات يغطي على صوت الدكتور، المطر يهطل بغزارة لم أكن قد رأيت مثلها من قبل، انتهت المحاضرة فأسرعنا بالخروج، بالكاد استطعنا تجاوز المبنى من شدة المطر، حتى وصلنا إلى نقطة يتوجب علينا العبور منها إلى مواقف السيارات.

بدأنا بالجري كل يحاول أن يحمي أدواته وكتبه من المطر، الماء يكاد يصل إلى الكعبين، وإن لم تخنّي الذاكرة فقد كنا في سيارة أخينا (بو هناد) الذي يظهر للمرة الأولى منذ بدء الذكريات، والذي كان لي أخا وزميلا منذ اليوم الأول لي في جامعة الإمارات.

لم تكن محاولاتنا ناجحة في حماية الكتب من المطر، فقد كان هطوله غزيرا والرياح تجعله غامرا من جميع الاتجاهات، حتى وصلنا إلى الفيلا 40، دخلت وكانت حالتي مضحكة ومؤلمة في نفس الوقت، الجو بارد بعض الشيء وثوبي أشبه بثوب أخرج لتوه من الغسيل.

الحشرات أيضا لم تكن صدمتها أقل من صدمتنا، حيث أضرها المطر للخروج من بيوتها بعد اختباء طويل في الأحراش وتحت الحشائش، أصبحت مدينة العين مغمورة بالمياه والحشرات تنتشر في أرجائها انتشارا عجيبا.

لم يستمر هطول المطر طويلا، ولكن أثره كان عظيما بالفعل، فقد أعاد الحياة للأرض وأعاد النشاط للجميع، ليعلن أن فصل الشتاء قد دخل، وعلينا أن نبدأ الاستعداد له.

.: مباراة :.

الفيلا 40 كانت تعتبر بقعة بحرينية على أرض إماراتية، ومع أن ذلك الاعتبار ليس رسميا إلا أن طلاب السكن كانوا يعرفون ذلك جيدا.

لم أتابع في حياتي مباراة كاملة ولم أفرغ نفسي لذلك يوماً من الأيام ولا أظن ذلك سيكون مستقبلا، ليس تقليلا من قدر الرياضة ومحبيها، ولكن تطبيقا للمثل الدارج “عط الخباز خبزه”، غير أن مباراة واحدة لا ثاني لها أكرهت على متابعتها إكراهاً، ليس بالضرب ولا التهديد، بل لأن تخلفي عن ذلك سيكون تقصيرا في حق الوطن وخروجا عن الروح الوطنية.

كانت تلك المباراة في شهر أكتوبر 2001 بين منتخب البحرين ومنتخب إيران، لن أدخل في وصف المباراة لأنني لم أفقه منها شيئا ولا أذكر منها غير اللون الأخضر الذي كان يكسو عشب الملعب، لكن الذي أذكره ولا أنساه، أن الفيلا كانت تهتز عند كل هدف يسجله منتخب البحرين، وأن الوضع كان متوترا بقدر ما كان حماسيا.

انتهت المباراة بفوز منتخب البحرين ووفود المهنئين تتوافد على الفيلا للتهنئة، خاصة وأن منتخب الإمارات كان على موعد مع منتخب إيران قريبا.

الأخ لقمان كان يحتفظ بعلم البحرين، ولكنه كان يحتاج للتنظيف قليلاً، فبادر بذلك الأخ ساهر ودعكه دعكا عنيفا ليشرق بعدها ويرفع على شرفة الفيلا بكل فخر واعتزاز.

ظل العلم مرفوعا لأيام، حتى جاء أحد الطلاب الإماراتيين يطلب استعارته لمباراة الإمارات مع إيران، معبرا عن ذلك بقوله “خل نرويهم يوم سوادهم”، وللأسف كان ذلك اليوم يوم غلبة لمنتخب إيران والضحية كان علمنا الذي لم يسترجع حتى اليوم، وحتى ذلك الطالب لم نره بعد ذلك اليوم.

بو ياسر25/12/2007

الساعة 14:40

**********

********

******

التحديث (38)

.: عــظــم :.

6 يناير 2007

عندما يحتدم الصراع بيننا وبين الامتحانات النهائية، وفي غمرة الدراسة والانكباب، تحدث أمور ليست في الحسبان، في وقتها قد تكون صعبة، ولكننا ندرك بعد حين أنها كانت فاصلا للراحة والتغيير، وذكرى للتدوين لاحقا كما حدث بالضبط معي في حادثة العظم.

كنا في مطعم السكن نتناول وجبة العشاء، الوجبة كانت عبارة عن قطع من الدجاج المقلي مع كسارة الخبز المحمص (بقسماط)، قد يسيل لعاب القارئ الكريم للوهلة الأولى، ولكن استدراكا للوصف، فإن الوجبة كانت تحتاج لفك ضبع أو تمساح كي يلتهمها دون إنهاك في عضلات الفك.

كانت الوجبات الثلاث بالنسبة لنا تأدية واجب لا أكثر، فكنا نلتهمها التهاما لنرتاح من واجب روتيني نمر به ثلاث مرات في اليوم، كان هذا الاستعجال سببا في هذه الحادثة إجمالا، فقد ابتلعت مع الوجبة عظمة استقرت في جوفي، وبدأت أتألم منها، ثم تحول الألم إلى هم ووسواس، وربما فرصة للتوقف عن الدراسة والتفكير فيما سواها، كلما حاولت البلع بدأ وخز العظم يزداد، والشباب كل يقترح ما تعلمه من الطب الشعبي، لم أترك تمرا ولا خبزا ولا ماءً إلا وأسريته في جوفي عله يأخذ معه ما علق، ولكن دون جدوى، حتى كان القرار الأخير أن أذهب إلى مستشفى توام المجاور للسكن.

تطوع أخي بو هناد بأخذي إلى المستشفي برفقة الأخ ساهر أيضاً، وجلست في المستشفى أنتظر دوري حتى تأخر الوقت واستدعتني الممرضة.

دخلت ودخل معي ساهر، استلقيت على السرير، ألقى الطبيب نظرة في فمي ثم نفى وجود أي عظم، حاول جاهدا وطلب مني أن أفتح فمي أكثر، فتحته بقدر ما أستطيع ولكن لا أثر للعظم، لم يجد الطبيب بدا من تحويلي إلى قسم الأشعة علهم يفلحوا في إيجاد حل.

تم تصويري في قسم الأشعة وجلسنا ننتظر النتيجة حتى جاء الطبيب بالصور وعرضها أمامنا، رأينا عظما بطول الإصبع يستقر في الجوف، ذهلت لما رأيت وخشيت على نفسي الموت لكبر حجم العظم، وبدأت أفكر في حياتي القادمة حاملا معي هذا العظم، إلا أن الطبيب تدارك الأمر قائلا: إن هذا هو عظم المزمار وهو موجود عند كل ابن آدم!

الأخ ساهر اقتنص عدم انتباه الطبيب ليأخذ لفافة كانت موجودة على الرف، وخرجنا دون فائدة، في الطريق إلى السكن كنت أفكر في الوجه الذي سأقابل به الشباب بعد هذه الساعات من الغياب، وفي النهاية لم يكن ثمة عظم ولا غيره في جوفي!

قفز ساهر من المقعد الأمامي إلى الخلف ليفتح اللفافة ويلف بها رقبتي ورأسي من أجل تغيير الجو في الفيلا، وبالفعل دخلنا إلى الفيلا والأخ ساهر يمسكني من جانب ويحاول إسنادي إلى كتفه، بادر الشباب جميعا لمساعدتي حتى استلقيت على سريري وطلبت كوبا من الماء، تسابق الشباب لإحضار الماء، رأيت ساهر يغادر الغرفة خوفا من عدم قدرته على كتم ضحكته، حتى هزمتني ضحكتي وضحكت فعرف الشباب الموضوع وبدأت التعليقات.

كانت ليلة لا تنسى بين أروقة المستشفى انتهت على خير والحمد لله، ولكنني لم آكل بعدها من ذلك الدجاج خوفا من تكرار الحادثة.

بو ياسر3/1/2008

الساعة 7:35

**********

********

******

التحديث (39)

.: عيد الفطر المبارك :.

7 يناير 2007

أطل علينا شهر رمضان بخيراته ومناهله، وأيضاً بآلامه وشجونه، انتهت امتحانات المنتصف في بداية الشهر الكريم، فعدنا بعدها أنا وأخي لقمان إلى البحرين لقضاء ليلتين من بعد هموم الامتحانات، لتكون عودتنا إلى العين عصيبة نعد فيها الأيام عدّا في انتظار عيد الفطر المبارك.

قبل العيد بأيام، بدأنا بحزم أمتعتنا للعودة المنتظرة، كل يمني نفسه بوجبة إفطار على ذوقه في يوم عودته، ولا داعي للاقتراح حينها، فالوالدات العزيزات يعرفن بغية أبنائهن ويجهزن المائدة حسب الذوق في يوم الوصول.

كنت برفقة الأخ ساهر في يوم العودة، وكانت رحلتنا من مطار دبي، ذهبنا إلى المطار قبل وقت الرحلة بسويعات لنتمكن من التبضع في السوق الحرة، وبالفعل كان ذلك، كان يوما مميزا بالنسبة لي لأنه يوم العودة إلى البحرين حتى وإن لم يكن قد مضى على عودتي السابقة كثيرا، ولكنه كان يوما أكثر تميزا بالنسبة لساهر لأنها عودته الأولى في ذلك الفصل، ولأنه كان قد غادر البحرين على آلام وآمال لا يعرف كيف ستكون نهايتها، واليوم يعود إلى البحرين في إجازة ويتبقى بعدها على تخرجه أسابيع قليلة.

أقلعت الطائرة وبدأت تخترق السحب تاركة خلفها أرض الوطن الثاني لتهبط بسلام إلى الوطن الأم، قبطان الطائرة يعلن الوصول بالسلامة إلى أرض “مملكة البحرين”، كانت تلك هي المرة الأولى التي أسمع فيها لفظ “مملكة” عند الإشارة إلى البحرين، ذلك لأن إعلان العهد الملكي كان قبل أيام من يوم السفر.

ولو عدت لأتكلم عن ذلك اليوم فإن له ذكرى من الذكريات التي لا تنسى هي الأخرى، فقد كنا مجتمعين في صالة الفيلا 40 ننتظر الخطاب السامي للملك والذي أعلن عنه مؤخرا، الجميع يترقب الخبر وكل يجتهد ويفتي بما جادت به قريحته، حتى بدأ الخطاب وأعلن دخول البحرين عهدا جديدا وتحولها رسميا إلى مملكة دستورية تخضع لقوانين جديدة تتناسب مع عهدها الجديد.

إجازة العيد سرعان ما انقضت، وحان بعدها يوم السفر من جديد ليبدأ عد الأيام وانتظار المستقبل القريب للبعض، والبعيد للبعض الآخر.

.: الامتحانات النهائية :.

بدأت الامتحانات النهائية، وبدأ التوتر يسيطر على الشباب، كل يعمل بما أوتي من جهد، ثلاثة في انتظار التخرج، واثنان في فصلهما الأول، طوقان يولول ولا يلام في ذلك، لأنها أول امتحانات جامعية في حياته، وفرحان كما قضى الفصل نائما فإن الامتحانات لم تشكل له نقطة فصل كبيرة، فقد كان أول الشباب إنهاءً لامتحانات وكان الأول وصولا إلى البحرين أيضاً، وكأن الفصل الدراسي لم يكن إلا استراحة المقاتل التي سرعان ما انتهت ليبدأ بعده الدخول إلى معمعة الكلية والدراسة الجادة.

في لحظة ما وعندما كنت أذاكر في غرفتي، سمعت أصوات تتعالى وضجة لا يتوقع منها إلا أمر جلل، فزعت وخرجت من الغرفة لأرى ما يحدث، فكان الخبر وصول الأخ ساهر منهيا آخر امتحاناته الجامعية ليدخل في عداد الخريجين، ولم تكن الفوضى العارمة التي صنعها إلا ليحرق قلوبنا على العمر الذي تبقى من حياتنا الجامعية، وعلى انتهاء عهد رغيد اجتمعنا فيه مع متفائل وعبدالجبار وكان ثالثهما ساهر الذي لم يتسن له إن يرتب حاجاته في الفيلا 40، ليعود فيلمها من جديد مودعا الفيلا وتاركا شبابها لحياتهم الدراسية ومستقبلهم المنتظر.

أوراق مبعثرة وكتب ممزقة، امتلأت بها صالة الفيلا 40، كلها كانت من السعادة التي أحاطت بالأخ ساهر، وكأنه ينتقم من الكتب والأوراق التي طال مكوثها في حوزته، بدأنا نهنيه على تخرجه، وبدا سعيدا جدا حينها، وكأن حلما طال انتظاره قد أخذ مكانه في مصف الوقائع.

انتهى الفصل، ولئن كانت بداية التخصص عصيبة فإن ما بعدها أصعب وأكثر إيلاما، هكذا يقولون، ولكني لا أعلم إن كان ما يقولون حقيقة أم نسج من الخيال.

ألقاكم بإذن الله في الفصل الخامس من الذكريات الجامعية..

بو ياسر30/12/2008

الساعة 7:40

الفصل الخامس

التحديث (40)

.: في منتصف الطريق :.

17 يناير 2008

بعد سنتين من دخولي إلى جامعة الإمارات، وفي منتصف الطريق نحو التخرج، في إجازة منتصف العام الدراسي، نائماً كنت، على سريري الوثير في غرفتي، في فصل الشتاء، لا هم يثقل كاهلي، إجازة، اسمها كذلك، أجازت لي النوم دون هموم، لا امتحانات ولا نوم وصحو، راحة ولا شيء سوى الراحة.

أيقظني من نومي الهانئ اتصال من طفيلي أفسد علي ذلك الفردوس الذي كنت فيه، كان عزيزا ولكن لم يسهل في ذلك الوقت تمييز العزيز من غيره، كان أول ما سمعت: “بو يسووووور، لقد تم قبولي معكم في جامعة الإمارات!”

أخذت أنظّف عينيّ وأدخل إصبعي في أذني لأتأكد مما سمعت، أعاد علي ذلك القول فكان كما سمعت قبل قليل، لقد تم قبول طالب جديد في الفيلا 40، عفوا، أعني في جامعة الإمارات.

كان ذلك الشاب هو الأخ العزيز (قصي)، الذي عرفته منذ الصغر في الحي وفي مسجد حينا الصغير الذي كان ملتقى الجميع، صغارا وشبابا وشيبا، ثم التقينا في المرحلة الإعدادية والثانوية، فأصبح لي أكثر من أخ، واجتمعنا في مناسبات عدة على الحلو والمر، ثم سافرت للدراسة في الإمارات، وبقيت ذكرياتنا ومحبتنا تمدها حبال الوصال بالاتصالات المتفرقة واللقاءات المتكررة عند العودة إلى البحرين.

وأنه إذ يتم قبول صديق لي كما كان قصي، معي في نفس الجامعة وفي نفس السكن، فهذا والله أمر يبعث على السعادة ويزيد الأمل ويرتقي بالطموح.

الأخ مدحت كان يقضي تلك الأيام في العين لينهي فصل التدريب العملي، اتصلت به وأخبرته عن قدوم شاب جديد للتسجيل واسمه قصي، فكان مدحت مستعد لاستقبال قصي وطوقان اللذان سيصلان في تلك الفترة.

انتهت إجازة الربيع وحان وقت السفر، لأعود إلى العين قبل بدء الدراسة بيومين، الأمور تختلف في الفترة القادمة عن سابقتها، المواد في الفصل القادم ستكون في عمق التخصص، فالمزيد من الجهد يجب أن يبذل، والمزيد من المصاعب يجب أن تواجه.

الفصل الماضي لم تكن فيه الكثير من الأحداث، ولكنه كان حافلا بمفاجآت الدراسة ومصاعبها، وانتهى على خير في النهاية ولله الحمد، فهل يكون الفصل الجاري كذلك بصعوباته ونهايته؟

هواجس وأفكار ومخاوف كانت تسيطر على كياني حينها، مواد التخصص ودكاترة التخصص، الفصل الثاني الذي يخلو نسبيا من الإجازات إلا من إجازة عيد الأضحى المبارك التي ستكون في بداية الفصل، ثم علينا أن ننهي الفصل حتى نهايته دون توقف، كلها أمور تجعل التردد هو شعور البداية، ولكن الفصل استمر بعدها ولا بد له أن يستمر.

نواصل أحداث الفصل الخامس في المرة القادمة إن شاء الله

بو ياسر

8 يناير 2008

الساعة 7:50 صباحا

***********

********

****

التحديث (41)

.: الجواز المفقود :.

19 يناير 2008

لم يكن في الفيلا 40 عند وصولي سوى الأخ مدحت الذي أنهى مؤخرا فصل التدريب العملي في مكتبة زايد بالسليمي، والأخ طوقان الذي جاء لتسجيل الفصل الجديد، وأخيرا قصي الطالب المستجد بجامعة الإمارات العربية المتحدة.

الأخ مدحت لم يكن على لسانه حديث غير حديث التدريب العملي الذي كان مثل السجن الانفرادي بالنسبة له، مدة تزيد على الشهر يقضيها بمفرده في العين، فلا ملامة عليه عندما يجد أخيرا من يشاركه الحديث ويحكي له عن تلك التجربة.

ليلة وصولي كانت ليلة ترفيه وتجوال، قضيناها متنقلين بين أسواق العين ومجمعاتها، واختتمنا الطلعة بالعشاء لنعود إلى السكن من جديد بعد ذلك.

اليوم التالي لم يكن برنامجه مختلفا، ترفيه ولا شيء غير الترفيه، مدحت يعتبر الترفيه ختاما لفصل التدريب العملي، ونحن نعتبره تهيئة للفصل القادم، حتى أقبل الليل وقررنا الخروج من جديد للتجوال، تذكرت أنني لم أقم بحفظ جواز سفري في مكان آمن كما أفعل في بداية كل فصل، توجهت مباشرة إلى حقيبتي فوجدت المحفظة الأمامية مفتوحة والجواز ليس بالداخل، كما أن تذكرة العودة لم تكن موجودة هي الأخرى، أسقط في يدي ووقفت أتأمل الحقيبة والمحفظة المفتوحة، وبت غير قادر على تصور الموضوع.

عودتنا إلى البحرين لعيد الأضحى المبارك ستكون بعد عشرة أيام فقط، ولا تكفي هذه المدة لاستصدار جواز جديد وإنهاء إجراءات ذلك.

تغيرت وجهتنا من العين مول الذي افتتح مؤخرا، إلى مركز الشرطة، دخلت وأخي مدحت إلى المركز ليلة الجمعة، ولم يكن فيه غير موظفين اثنين، قمت بالتبليغ عن الجواز المفقود، فطلب مني أحد الموظفين أن أعود لتأكيد البلاغ يوم السبت في ساعات الدوام الرسمي.

القلق لازمني طوال تلك المدة، حتى جاء يوم السبت وذهبت إلى الجامعة لأحضر المحاضرة الأولى وأذهب من فوري إلى مركز الشرطة لإجراء البلاغ.

عند خروجي من الجامعة سمعت شخصا يناديني، التفتّ إليه فكان أخي وزميلي “بو سيف” وهو أحد زملاء الدراسة من سكان إمارة دبي، عرفته في سنتي الدراسية الأولى، بعد سؤاله عن الأحوال والأخبار أخبرته بموضوع الجواز فأصر أن يأخذني بنفسه إلى مركز الشرطة.

وصلنا إلى المركز وتم إجراء البلاغ، أخرج الضابط ورقة بها ثمان خانات للتوقيع والختم، وأخبرني أن كل خانة من هذه الخانات يجب ختمها في مركز مختلف، وكل مركز ومخفر يقع في منطقة مختلفة.

انطلقنا أنا وأخي بو سيف إلى المراكز وجبناهم مركزا مركزا، من أدنى العين إلى أقصاها إلى منتهاها، حتى استكملنا التواقيع والأختام، وعدنا بالورقة إلى المركز الرئيسي حيث سلمنا الورقة، تم أخذ بياناتي الشخصية ورقم هاتفي لإبلاغي عن أي خبر يتعلق بالجواز، ثم أخذنا طريقنا إلى السكن.

انتظرت خبرا عن الجواز طوال تلك الفترة ولكن ذلك الخبر لم يرد، حتى انقضى الأسبوع الأول من الدراسة وما من هم يشغلني غير الجواز، ولم يبق عن عودتنا إلى البحرين سوى ستة أيام، لا أعلم هل سأقضي العيد في البحرين أم أبقى مرغما في العين.

الوالد العزيز كان قد وصل إلى دبي في زيارة سريعة، فقررت الذهاب إليه في إجازة نهاية الأسبوع، لعلي أنسى أو أتناسى موضوع الجواز، وتصادف في ذلك اليوم أن لقمان أيضا قد عزم على الذهاب إلى دبي، فاتفقنا على الذهاب معا.

حان وقت الخروج من السكن، قمت بتجميع أغراضي في حقيبتي الصغيرة، ولقمان بجانبي يستحثني، نظرة عابرة مني على محفظة في زاوية الحقيبة، صمت يسود المكان، بدأت أفتح المحفظة بهدوء ولقمان يراقبني، أكملت فتح المحفظة وإذا بالجواز يطل علي مبتسما، نظرت إلى لقمان فوجدته يضع سبابته على شفتيه ليشير بالتزام الصمت.

أعدت الجواز إلى مكانه وخرجنا متوجهين إلى دبي، وتم الاتفاق بيني وبين لقمان على كتم السر، لأعود من دبي بالجواز وكأنما تم العثور عليه في دبي حيث محطة وصولي الأولى.

وظل ذلك السر محفوظا حتى جاءت هذه الذكريات لتكشف شيئا من الأسرار.

بو ياسر

13/1/2008

نشر في الساعة 14:10

***********

********

****

التحديث (42)

.: عيد الجماعة :.

22 يناير 2008

بعد انتهاء معضلة الجواز، بدأ التفكير في إجازة العيد والتخطيط لها، فكان الاتفاق بين شباب البحرين على العودة من مطار أبو ظبي على نفس الرحلة، والذهاب إلى المطار بالباص الذي تم نقله مؤخرا من شباب رأس الخيمة إلى شباب العين.

وبالفعل، انطلقنا ليلة الأربعاء ، تسعة أشخاص في باص واحد، كان في وداعنا عند الفيلا 40 الأخ قصي الذي سيقضي العيد في بيت شقيقته بالعين.

إجازة عيد الأضحى لم تكن مختلفة عن باقي الإجازات، حيث يقضي كل منا الإجازة مع أهله وأصحابه، وفي بعض الأحيان يعقد لقاء يجمع الشباب من شتى الدفعات، غير أن الشيء المعهود الذي تشترك فيه كل الإجازات، سرعة انقضاء الأيام، وحلول موعد السفر من جديد.

وكما كان السفر جماعيا، فقد كانت سفرة العودة جماعية كذلك، الباص مركون في مواقف المطار بانتظارنا، وصلنا إلى أبو ظبي بعد العيد، ولكن الباص لم يعمل بسبب طول فترة التوقف، فحاولنا تشغيله وكل يفتي بما استطاع حتى أسفرت إحدى المحاولات عن نجاح التجربة وانطلقنا إلى العين، وبالتحديد إلى مطعم “الدجاج الملكي” لتناول وجبة العشاء.

بدأ الجد بعد هذه الإجازة، وبدأت الدراسة تشتد على أصولها، لا إجازات ولا مناسبات ولا فرصة للراحة تنتظر، الدراسة ولا شيء غير الدراسة.

في هذا الفصل لدي من مواد التخصص أربع مواد، اثنتان منهما تحتاجان إلى جهود جبارة للتحصيل، ولو أنهما انفردتا بي في فصل لكانتا كافيتين للسيطرة علي وهزيمتي، لكن التطلع للمستقبل يجعل الطالب في بعض الأحيان يفكر في التخرج ولا شيء غيره، دون النظر إلى التحصيل والدرجات العالية، وإني أعترف اليوم أن ذلك التفكير كان أحد الأخطاء العظيمة التي ارتكبتها في حياتي الجامعية خصوصا، وفي حياتي كلها عموما.

الأسبوع الدراسي كان يمر سريعا بالرغم من المصائب والأهوال التي تثقله، ولكن عطلة نهاية الأسبوع كانت تزداد تميزا أسبوعا بعد آخر، لأن هذا الفصل كان فصل “الأونو”، كنا نقضي إجازة نهاية الأسبوع في لعبة الأونو، والصراع يحتدم في الغالب بين مدحت وأيسر، ذلك لأن الأخوين كانا محترفين في اللعبة، أو بالأصح أنهما كانا محترفين في التحايل والغش بكل الطرق والوسائل، مما يجعل المنافسة معهما أمرا شبه مستحيل.

الأخ مدحت عاد في هذا الفصل ليستلم إدارة البياعة، رغبة منه في ترك أثر طيب في آخر فصل دراسي له، غير أن كابوسا مزعجا كان يؤرق مدحت في ذلك الفصل، ثم أصبح ذلك الكابوس يؤرقنا جميعا لكثرة ما سمعنا قصته من مدحت، ذلك الكابوس كان دكتورا يدعى “حميد”، لم أر شكله قط، ولكني أتخيل أنه أسود الوجه طويل القامة، له أنياب تبرق عند سطوع النور عليها، لا يبتسم ولا يعرف الابتسامة، يحمل معه سوطا وله قرنان يخترقان غترته، يعذب الطلاب بسياطه ويعلقهم على الجدران من بدء المحاضرة وحتى نهايتها، يستمر بجلدهم دون كلل أو ملل، حتى ينتهي الفصل، فإن شاء أعتقهم وإن شاء مدد عليهم العذاب إلى الفصل التالي.

أعلم أنني أسرفت في المبالغة، لكنني هكذا تخيلته، وربما كان السبب حالة الهلع التي كنت أرى عليها مدحت طوال ذلك الفصل، واستعاذته الدائمة من ذلك الدكتور.

الأخ مدحت برغم كل تلك المخاوف والكوابيس، أنهى فصله الأخير بسلام، واجتاز مادة الدكتور “حميد” بنجاح على الحافة، وتبددت الكوابيس بعد ذلك والحمد لله، أظنني استبق الأحداث كثيرا، نعم فعلت ذلك لكي لا أهلك القارئ الكريم بكثرة الترقب.

عودة قريبة لنواصل ذكريات الفصل الخامس.

بو ياسر

13/1/2008

نشر في الساعة 12:45

***********

********

****

التحديث (43)

.: الطرق الكمية :.

23 يناير 2008

من الطبيعي جدا أن تشكل إحدى المواد حاجزاً وتحديا للبعض، بينما تكون المادة نفسها نقاهة للبعض الآخر، وهذا ما حدث معي في أحد الفصول، حيث واجهت المتاعب والمصائب مع مادة في تقنيات الحاسوب في الوقت الذي كان يعتبرها الآخرون ترفيها وفرصة لا تعوض لتحصيل الدرجات.

الطرق الكمية اسم لمادة من المتطلبات في كلية الإدارة والاقتصاد، وهي ترجمة حرفية للتسمية الإنجليزية Quantitative Methods، كانت هذه المادة هي الأسهل والأقل شأنا بين مواد الفصل، حيث أنها كانت تربط بين الرياضيات والاقتصاد، ولم تكن الرياضيات تشكل أي معضلة بالنسبة لي خاصة وأنني متخرج من المسار العلمي، ولأنني قبل بدء الفصل كنت متفائلا من هذه المادة إلى أبعد الحدود، فقد قمت بتشجيع الأخ فرحان على التسجيل معي في نفس المادة، وانصاع فرحان للمقترح وخضع له فورا.

التقينا معا في تلك المادة فكانت الصدمة شديدة على فرحان الذي كان يستعيذ أشد الاستعاذة في حياته الدراسية من كل ما يمت للرياضيات بأدنى صلة، فبدأ يحضر المحاضرة ويحرص على تسجيل الحضور دون التقاط أي معلومة في الدرس.

كانت تلك المحاضرة هي الأولى في دوام فرحان اليومي، والثانية في دوامي، فكنت أسبقه إلى القاعة، وأترقب دخوله في كل مرة بوجه جديد، فمرة يدخل مشمرا على ساعديه، ومرة أخرى يدخل والنوم لا يزال متعلقا بأجفانه، وتارة يدخل في منتصف المحاضرة، والمرة التي لا أنساها تلك التي دخل إلى المحاضرة وحالته لا توصف من البهدلة، إذ تعطلت عليه السيارة في الطريق فقام بتصليحها بأقصى ما يمكن من السرعة للحاق بالمحاضرة، ولك أن تتخيل هيئة الطالب عندما يدخل القاعة بعد تلك المعاناة.

يقولون دائما أن العبرة في النهاية، وهذا ما كنت أخشاه بالفعل، كنت قلقا بشأن فرحان أكثر من قلقي على نفسي في ذلك الفصل، لأن تعثره في هذه المادة سيجعل اللوم يلقى على كاهلي بعد إقناعي له بالتسجيل في المادة المذكورة.

ولكن والحمد لله، اجتاز فرحان المادة بنجاح، ولا داعي للتطرق في التفاصيل أكثر، المهم، أنه اجتازها وكفى.

بو ياسر

13/1/2008

نشر في الساعة 7:40

***********

********

****

التحديث (44)

.: ضيوف الفيلا 40 :.

23 يناير 2008

على سطح الفيلا 40، وفي بعد عن أنظار الناس وسائر الكائنات، استقرت عائلة ثرية جداً من الفئران الصحراوية، واتخذت ذلك المكان مأوى جديدا لها ومستقرا آمنا وملاذا هانئا، ولا غرو في ذلك، فالمكان راق إلى أرفع المستويات، والرزق موجود فيه والحمد لله، فلا عيش أرغد ولا حياة أنعم.

التسمية التي تم إطلاقها على مجموعة الفئران هذه هي “الكماندوز”، وقد يستفسر أحد عن سر التسمية، فيكون الجواب، أننا على سطح الفيلا 40 كنا قد وضعنا كشافات لإضاءة المنطقة، وكان أسلاك هذه الكشافات ممتدة من السطح إلى شرفة الفيلا، ومنها إلى الداخل للتوصيل بالكهرباء، هذه الفئران كانت تنزل على الأسلاك وتصعد منها متسلقة إلى السطح، تدخل إلى الفيلا لتبحث عن قوت يومها من فضول الأطعمة، وتصعد من جديد محملة بما لذ وطاب لباقي الأحباب، فكانت في تسلقها الاحترافي شبيهة بالقوات المنظمة، ومن هنا كانت التسمية.

ثم بدأ التطاول والتمادي، وعاثت الفئران في الفيلا فسادا، وبدأت تنتهك الحرمات وتسرق الخير والأقوات، وبلغت بها الوقاحة أن أصبحت تدخل إلى الغرف وتبحث فيها دون احترام لعظمة الساكنين وشأوهم.

فكان القرار بإبادة نسلهم عن بكرة أبيهم، وبالفعل، بدأت الحرب.

ما إن يدخل أحد الفئران إلى الفيلا، إلا وانقلبت الفيلا رأسا على عقب، الأبواب توصد في ثوان، والحصار في أحد الزوايا هو الخطوة الثانية، ثم يتم إبعاد قطع الأثاث إلى أن تتم السيطرة على المعتدي ويلقى خارج الفيلا جثة هامدة ليكون عبرة للمعتبرين.

أعتقد أن تلك العائلة قررت بعد ذلك النزوح إلى مكان آخر أكثر أمانا للأجيال القادمة، لأننا لم نجد لهم ذكرا في الفصول التالية أبدا.

بو ياسر14/1/2008

نشر في الساعة 13:55

***********

********

****

التحديث (45)

.: طـــــرد :.

24 يناير 2008

الدكتور صالح، أحد الدكاترة الذين لا أنساهم ولا أظن أنني سأنساه ما حييت، فهو صاحب الفضل علي بعد الله سبحانه في استيعاب مادة المحاسبة، وهو الذي جعلني أفهم غياهب المحاسبة وطلاسمها برضاي أو بغيره.

وكل ما مرت بي الأيام والسنوات أذكر الدكتور صالح وأدعو له بالخير على ما كان له من الجهد في دراستي الجامعية، خاصة عندما أتقدم لمقابلة أو امتحان، وقد تكرر ذلك مرارا، أن أحصل على الدرجة الأعلى بين المتقدمين دون مراجعة مسبقة والحمد لله أولا وأخيرا.

درست مع الدكتور صالح ثلاث مواد، كنت أحصل فيها على أدنى التقديرات وأقلها، وكنت أعاني منها أكثر ما أعاني، ولا هم كان يعتريني كذلك الهم الذي عشته مع مواد الدكتور صالح، ولكن وبرغم ذلك كله وبعد أن انقضت تلك الأيام، أيقنت أنني لم أستطع المواصلة في التخصص إلا بعد أن أصبحت لي قاعدة محاسبية صلبة بنيتها مع الدكتور صالح.

حازم في التدريس، شديد في التعامل، دقيق في التصحيح، وله في الامتحانات شأن آخر يصعب وصفه، امتحانات دقيقة في عباراتها وأرقامها، ومراقبة شديدة يندر في الوجود ما يشابهها.

في امتحان المنتصف بمادة المحاسبة المتوسطة، كنت أجلس في إحدى الزوايا التي اختارها لي الدكتور، أنهيت الامتحان ولم تكن لي حاجة في مراجعة الإجابات مرة أخرى، لسببين أولهما أنني بالتأكيد لن أتمكن من الحل أفضل مما فعلت، وثانيهما أن الوقت مقدر على قدر الأسئلة ولا متسع منه للفلسفة والتحذلق.

رفعت ورقتي للتأكد من أن جميع الأسئلة قد حلّت، وألقيت نظرة سريعة على بياناتي أيضا، وفي هذه اللحظة سمعت صوتا كدت أصعق من هوله، رفعت رأسي فإذا بالدكتور صالح يضرب على الطاولة ويقول لي: “أنت..”، ثم يومئ بيده لي أن أضع ورقتي على طاولته وأخرج.

لم أستوعب الموضوع في بادئ الأمر، واتسعت عيناي من الدهشة، فأعادها بالصوت هذه المرة قائلا: “قلت لك هات ورقتك واخرج.. يالله!”، قمت بتسليم ورقتي مصدوما، ولم أفهم الموضوع، ولم أعرف سر غضب الدكتور، ولكنني في كل الأحوال أنهيت الحل والحمد لله، ثم واصلت دربي إلى الخارج منتظراً أي تفسير للموضوع.

بعد خروج الشباب من القاعة سألت الزملاء عن سبب ما حدث فنفوا جميعا علمهم بالسبب، تبعت الدكتور إلى مكتبه وسألته، فكان السبب ظنه أنني كنت قد رفعت ورقتي لإتاحة الفرصة لمن خلفي بالغش، قمت بشرح الموضوع له فقال لي: “لا تضع نفسك في هذا الموقف مرة أخرى لأنني سأكرر التصرف نفسه معك”

بعد أيام عاد إلينا الدكتور بالدرجات وكانت نتيجة امتحاني 62%، أي أن الأخ الذي أراد أن يغش لو كان فعل ذلك لندم على سوء حظه أشد الندم لاختياره الغش من الشخص الخطأ.

بو ياسر14/1/2008

نشر في الساعة 13:55

***********

********

****

التحديث (46)

.: وتعود الذكرى:.

26 يناير 2008

تقيم جامعة الإمارات في منتصف كل عام حفل تخرج تحتفي فيه بالخريجين من دفعة العام الماضي، وفي هذا الفصل كان حفل التخرج الذي تزامن مع احتفالات الجامعة بمرور 25 عاما على تأسيسها.

ونحن في هذا الفصل، ننتظر وصول خريجينا ممن اشتاقت لعودتهم الفيلا 40 ورواد الفيلا 40، الكروان والمدبر ومطلوب، في طريقهم إلى العين للاستعداد لحفل التخرج، والفيلا اكتست بثياب الأفراح وبدأ تجهيز المكان لمقامهم.

وصل الشباب إلى الفيلا وكان السعادة لا توصف، الابتسامات موزعة على الوجوه، لا يستطيع أحدنا أن يكتم سعادته، عبق الماضي عاد يفوح في أرجاء الفيلا من جديد، المدبر أول دخوله بدأ ينتقد بعض الأمور التي لم ترق له، المدبر هو المدبر، لم يغيره التخرج، ولازال يعتبر نفسه مدبر الفيلا 40 ومرتب شؤونها.

الكروان جلس في صالة الفيلا يتأمل الزوايا ويستذكر الذكريات، يبتسم بعدها فيقول: “والله أيام حلوة”، ولم يخل اللقاء من مقالب المدبر التي لم يكن يستقبلها أحد غير الكروان.

أما مطلوب فقد كان بهدوئه المعتاد، ألقى التحية على الجميع ودخل إلى الغرفة-6 لينشق فيها ذكريات الدراسة التي أصبحت في أوراق الماضي، ثم خرج من الغرفة وابتسم لي قائلا: “كيف حالك مع الدكتور صالح؟”، لم ينس مطلوب تلك الأيام التي كان انكبابنا فيها على المحاسبة أكثر ما يشغلنا، ولم ينس معاناتي في أيامي المحاسبية الأولى.

في ليلتهم الأولى معنا، لبس كل منهم ملابسه الرياضية، ونزلوا من جديد إلى ملعب الطائرة في الفيلا، وأصبحنا نعيش أيام الماضي في الزمن الحاضر، سعادة تفوق الوصف وشعور أعظم من أن يكتب.

انتهى حفل التخرج، وعاد أبطال الفيلا 40 إلى ديارهم، ليجددوا بزيارتهم الذكريات، وليستحثوا خطانا نحو التخرج، كما فعلوا قبل عام عندما كان الاحتفال المصغر بتخرجهم بين جدران الغرفة-6.

بو ياسر14/1/2008

نشر في الساعة 18:35

***********

********

****

التحديث (47)

.: فارس آخر يترجل :.

26 يناير 2008

قبل عام من كل هذه الأحداث ودعنا نخبة من شباب الفيلا 40 الذي كانوا أصحاب السبق في توطيد أركان الفيلا، عملوا على إبراز اسم الطالب البحريني بكل ما أوتوا من جهد وقوة وبذل، وتبعهم في الفصل التالي ثلاثة آخرون كان لكل منهم شأن رفيع في الفيلا ومكانة لا نغفلها.

واليوم وفي هذا الفصل يتبعهم أخ له مكانة لا تقل عن مكانة من سبقوه، الأخ مدحت، الذي تكرر اسمه كثيرا في الفصول السابقة، والذي كان رجلا من رجالات الفيلا 40، صاحب شأن ورأي، وأخ مقرب من الجميع دون استثناء.

كثيرا ما كنت أفكر بيني وبين نفسي كيف سيكون شعوري عند تخرج مدحت، هل سيغلبني في تلك اللحظة شعور الفرح أم شعور آخر بافتقاد أخ كان الأقرب لي في السنوات السابقة بين جميع الإخوة الآخرين.

الأخ مدحت ومنذ الفصل الدراسي الأول لي في جامعة الإمارات، كان أخي الكبير الذي أقضي معه الساعات دون ملل، ونسهر الليالي دون أن تنتهي سلسلات الأحاديث، المرجع الذي أرجع إليه في أمور الدراسة وغير الدراسة، باختصار، كنت وما زلت أعتبر لقائي مع مدحت أحد المكاسب الكبيرة التي أحسب أنني ربحتها من خلال دراستي في العين، وحتى اليوم لا تزال مكانة ذلك الأخ في قلبي كما كانت برغم مشاغل الحياة وبعد المناطق.

الغرفة-4 التي كان يسكنها مدحت في فصله الأخير منفردا، كانت محفلنا اليومي الذي نلتقي فيه ونسهر، ومع أن مدحت في فصله الأخير لم يكن مدحت الذي عرفناه من قبل، بسبب الهم الذي سيطر عليه قبيل التخرج، إلا أن مدحت يبقى مدحت، بصدره الرحب وابتسامته التي لا تفارق محياه.

كنت أحاول كثيرا أن أتحاشى التفكير المسبق في أمر تخرج مدحت، ذلك لأن مجرد التفكير في أن الفيلا 40 ستكون كما كانت لكن مدحت لن يكون موجودا، يعطيني شعورا أنها لن تكون بذلك الفيلا 40 أصلا! لا أدري كيف ولكن كان هذا هو الشعور، أحيانا نكون في الصالة فيفتح باب الغرفة-4 ليخرج مدحت مغطيا رأسه بمنشفته الزرقاء، فيدخل مباشرة إلى الحمام المجاور (أجلكم الله)، فتتعالى أصواتنا بالترحيب ولا نسمع أي رد غير الابتسامة والتفاتة سريعة من ذلك الوجه الذي لا يزال يحتفظ بآثار الوسادة عليه، موقف يتكرر يوميا، لن يكون له تكرار في الفصول القادمة.

الدخول إلى المطعم يوميا مع الأحاديث والمزاح اللذان لا ينتهيان، مشهد لا أستطيع نسيانه، مدحت يعلق فيثني أيسر فأقوم بالإضافة وكذلك يفعل الجميع، يستلم كل منا وجبته ونجتمع على إحدى الطاولات وكأننا في عالم خاص غير منتبهين لكل ما يدور حولنا، مدحت بطريقته المميزة في الأكل، هدوء وبرود، الأكل ببطء ونسيان كل شي ما عدا الأكل، حتى أثناء تناول الطعام لا تفارق الابتسامة وجهه.

ندخل إلى الغرفة-4 لنجد سريرين ملتصقين ويستلقي عليهما مدحت، تحيط به أوراقه ودفاتره وكتبه، يرفع رأسه بحذر فتتبع ذلك ابتسامته المعهودة، والترحيب المعروف “هلا والله”، ليبدأ برنامج التخريب وإفساد الجو الدراسي الذي يتزعمه في الغالب أيسر.

صعب جدا أن يغادرنا مدحت، والأصعب من ذلك أن تبقى الفيلا 40 بدون مدحت، كل هذه المشاعر كانت قبل تخرجه، أما بعد التخرج، فقد كانت المشاعر أكبر من أن يباح بها، أعتقد أن ما كتبت لوصف مكانة هذا الأخ غير كاف، ولكن ليعذرني القارئ، لا أملك لوصف قدر مدحت إلا ما كتبت، وسأحتفظ بالباقي لنفسي.

.: وانتهى الفصل :.

نعم انتهى الفصل الدراسي الخامس وانتهت معاناة المواد الست ومعاناة مدحت مع د. حميد، ومعاناة كل منا مع مصائبه، وانتهت حقبة من أروع الحقب، وانتهت لقاءات لا أظن لها أن تعود، عاد مدحت إلى البحرين سعيدا بانتهاء الكابوس الذي طالت آلامه، وبالشهادة التي قضى السنوات الأخيرة من عمره للحصول عليها، عاد ليترك الفيلا 40 لمستقبلها مع شبابها ومن سيلحقهم في السنوات القادمة.

بو ياسر وعدد لا بأس به من الشباب في انتظار الفصل الدراسي الصيفي، فكيف سيكون وكيف سينتهي؟ هذا ما نحن في انتظاره.. فكونوا معنا.

بو ياسر17/1/2008

نشر في الساعة 23:10

***********

********

****

التحديث (48)

.: فصل صيفي.. لم يكتمل :.

27 يناير 2008

بدأ الفصل الصيفي مباشرة بعد الفصل السابق له، وبدأت الدراسة وبدأ عد الأيام والليالي، الصيف في العين لا يطاق، والحرارة أشد من أن يحتملها البشر، يبحث الفرد فينا عن أصغر ظل ليحتمي تحته من لهيب الشمس.

أنا وأيسر وطوقان وبعض الشباب الآخرين كنا نقضي ذلك الصيف في العين، لا هم لنا إلا انتهاء الفصل دون الالتفات للنتيجة والتحصيل.

بالنسبة لنا أنا وأخي أيسر، فقد كنا نهزم الوقت بالترفيه، والترفيه في أغلب الأحيان كان ينحصر في أمرين، أولهما النوم، والآخر هو الأكل، ولم أكن لأجد من يساندني في هذين أمرين أكثر من أيسر.

الأيام تطوي والحر يشتد، والفصل الصيفي بما فيه من معاناة يحاول أن يضعف العزائم، ولكن الهمم ما زالت صلبة راسخة لم يؤثر فيها لهيب الحر ولا ثقل الدراسة.

انتقل أيسر إلى غرفة مدحت ليستقل فيها بنفسه، وغرفتي لم تتغير، الغرفة-5، أصبحت لي وحدي حيث غادر لقمان إلى البحرين، وقصي أيضا الذي عزم على الانتقال إلى الغرفة-5 قد عاد إلى البحرين لعدم اكتمال تسجيله الصيفي.

بقي عن نهاية الفصل الصيفي أسبوعان تقريبا، وحدث ما لم يكن في الحسبان، آلام شديدة بدأت أعاني منها تسببت في منعي من الحضور في الجامعة، والآلام تزداد يوما بعد يوم، الأخ مدحت الذي تخرج في الفصل السابق كان موجودا لاستلام شهادته، فأبى إلا أن يأخذني للمستشفى، وبالفعل ذهبنا سويا، وكان الخبر أن هناك حاجة ملحة لإجراء عملية جراحية.

عدت إلى البحرين في اليوم التالي تاركا الفصل الصيفي في أواخر أيامه، ليتأخر تخرجي فصلا كاملا بسبب هذا الحذف، وتم إجراء العملية بعد يومين من الوصول، لأقضي ما تبقى من الإجازة الصيفية في البيت، للراحة والنقاهة، ولأعود في الفصل القادم بروح جديدة وصحة أفضل من السابقة.

الإجازة سرعان ما انتهت، اختتمتها بسفرة قصيرة إلى الكويت، ليحين وقت العودة إلى العين من جديد، لبدء فصل دراسي جديد، وجوه جديدة تدخل علينا، وأحداث متنوعة..

نأتي على ذكرها في الفصل السادس إن شاء الله.

بو ياسر26/1/2008

نشر في الساعة 7:45

*****************************

إخواني الكرام، أستميحكم عذرا في الانقطاع لمدة 10 أيام تقريبا، لظروف السفر إلى دولة الكويت الشقيقة للمشاركة في معسكر خلوي، وأعدكم بالمواصلة مع الفصل السادس قريبا إن شاء الله تعالى.

لا تحرمونا تعليقاتكم وانتقاداتكم… أبي أرجع أشوف نقد يعوّر 🙂

أخوكم بو ياسر

=====================================

طيوف الذكرى

الفصل السادس

التحديث (49)

.: دماء جديدة :.

في يوم لا ينسى، وفي ليلة حالكة، كنا نمشي الهوينا، أنا ولقمان وقصي، نتقدم ببطء نحو الفيلا 40 نحمل أمتعتنا، لنستقبل فصلا جديدا، الكثير من الهواجس والأفكار المتوقعة، لا نعلم لها تفصيلا ولا تصورا.

وصلنا عند باب الفيلا 40 وإذ بشاب يقف على قدم واحدة ويستند على جدار الفيلا، ما إن توقفنا حتى أقبل إلينا مهللا مرحبا، وقال: “أيكم لقمان؟” فأشرنا إليه، أضاف الشاب: “لقد تم تسجيلي مع لقمان في الغرفة-4”.

ربما كانت البداية غير واضحة كما أسلفت، ولكن الأيام بدأت تكشف عن خباياها يوما بعد آخر، حتى تعرفنا إلى الشباب الثلاثة الجدد، الشخص الذي التقيناه عند الفيلا كان اسمه “عهد”، وآخر اسمه “هداف” والأخير اسمه “عباس”.

في صبيحة اليوم التالي، بدأت الدراسة وبدأنا حياتنا الجامعية الجديدة، لن أخوض في غمار مواد الفصل، ولكن يكفي أن أتكلم عن مادة واحدة وهي المراجعة المتقدمة أو ما نسميها Advanced Auditing، تلك الذي سجلتها مرغما عند دكتور يدعى “عصام”، وذلك لأنه الوحيد الذي يطرح تلك المادة.

سيأتي الحديث عن المراجعة المتقدمة لاحقا، وسيأتي الحديث عن أروع ما في هذا الفصل، وليكن حديثنا الأول عن استقبال الطلبة الجدد.

كنا قد اعتدنا مسبقا على طريقة معينة في استقبال الطلبة الجدد، وهي أن نسبق الدراسة بتعارف في البحرين، نعرف فيه الطالب الجديد على الجامعة ونظامها، ليدخل الحياة الجامعية متفهما للأوضاع، وعارفا لنظام المجموعة الدارسة هناك من الطلبة البحرينيين، ولكن هذا الشيء لم يحدث في هذا الفصل سوى لطالب واحد من الثلاثة وهو هداف إذ أنه كانت تربطه بالأخ طوقان علاقة قرابة.

لذلك فقد كنا نخمن طبيعة الطلبة الجدد، ونحاول اقتناص الفرص لمعرفة تركيبتهم الشخصية، وعليه، فقد قرر أيسر، كبيرنا الجديد، الذي استلم زمام القيادة من مدحت، أن نرتب رحلة لمسبح “العين الفايضة”، نلتقي فيه جميعا ونكسر الحواجز التي بيننا جميعا، وبالفعل فقد حضر الشباب جميعا سوى عهد الذي اعتذر عن الحضور لأسباب شخصية.

الرحلة كانت رائعة بالرغم من بساطتها، وتجمعنا كان ملحوظا ومتميزا، انتهت الرحلة بسرعة ثم عدنا أدراجنا إلى بيتنا، الفيلا 40، لنواصل الحياة الجامعية ونكمل ما تبقى من مشوارنا الدراسي.

بو ياسر

حرر في 26/1/2008

نشر في 12/2/2008

**********

******

**

التحديث (50)

.: المراجعة المتقدمة :.

الآن حان وقت الكلام عن المراجعة المتقدمة، تلك المادة التي كانت لي كابوسا، بل كان الدكتور الذي يطرحها هو الكابوس بعينه، عصام، ذلك الشخص الذي لازلت أستعيذ من لقائي به مجددا، عندما نتكلم عن الكراهية نزن الأمور بواقعية فربما لا نجد لها سبيلا إلى قلوبنا، ولكن في بعض الأحيان يفرض بعض الأشخاص علينا أن نكرههم، أو أن نحتقرهم، وهذا ما حدث بالضبط مع الدكتور المسمى عصام، وأقول أحيانا، ليته يقرأ هذه الكلمات ليعرف ما يترسب في قلوب الطلبة تجاهه بعد تدريسه لهم.

بدأت الفصل الدراسي مندفعا، ولم يثبط اندفاعي غير هذا الدكتور، فقد كان يتفنن في الإذلال والتنكيل، حتى جاء اليوم المشؤوم الذي تم تعيينه رئيسا لقسم المحاسبة، فكانت الطامة الكبرى، وجاء تغيير سياسات القسم، وإننا عندما كان يدرسنا هذا العصام في الفصل السابق وهو لم يرأس قسم المحاسبة، كنا نرى الشر يتطاير من عينيه تطاير الشرر من الجحيم، ولما أصبح رئيسا للقسم أصبح شيطانا بلا قرون، يقابلنا في القاعة يوميا ليكيل لنا صنوف العذاب بطريقته البشعة.

واصلت الفصل بإحباط وشيء من اليأس حتى جاءت امتحانات المنتصف، وتصادف امتحان المراجعة مع مادة أخرى في اليوم نفسه، فقررت قرارا بطوليا، وهو أن أذاكر للمادة الأخرى وأترك مادة المراجعة خلف ظهري، وهذا يعني أن أعتبر عصاما مجرد هواء لا قيمة له.

كان لي زميل وأخ من العين، اسمه “بو شهاب”، كان يعاني كما نعاني جميعا، ولكن أخانا بو شهاب كان لديه بصيص أمل في النجاح، أما الأخ بو هناد فقد كانت لديه ثقة تامة بنفسه في أمر النجاح، مرزوق الذي كان معنا في المادة أيضا كان قد ترك الأمر للأيام فتبدي له ولنا ما نحن له جاهلون.

في صبيحة يوم الأحد، دخلت وقدمت امتحان المادة الأخرى، والحمد لله فقد كان الأداء ممتازا، وبقي امتحان المراجعة عصر ذلك اليوم، لم أتعب نفسي في المذاكرة، ولكنني كلفت نفسي عناء الذهاب إلى الجامعة لتقديم الامتحان، جلست في زاوية من زوايا القاعة، استلمت الورقة دون اكتراث، سجلت اسمي في الأعلى، وبدأت أحل باستهتار دون قراءة الأسئلة، حتى انتهيت قبل الجميع وسلمت ورقتي وأنا أكاد أطير من الفرحة، سمعت بو شهاب يناديني: “شو عمار.. مذاكر؟” فأجبته أنني قررت الانضمام إلى شعبة الفصل القادم، رأيته يبتسم ويتبعني ليسلم ورقته للدكتور ونخرج معا ونحن في قمة السعادة.

وانزاح عني هم تلك المادة، والأهم من ذلك أن عصام قد انزاح برمته من حياتي الجامعية، نعم، ففي الفصل القادم ستكون المادة عند دكتور آخر، أرقى خلقا منه، وأكثر احتراما لحقوق الإنسان.

واصلت فصلي باطمئنان بعد زوال الكابوس، بينما واصل بو هناد ومرزوق مع عصام محاولين كسر جبروته وإعدام أسطورته.

بو ياسر

حرر في 26/1/2008

نشر في 13/2/2008

**********

******

**

التحديث (51)

.: أيسر ينضم إلى ركب الخريجين :.

منذ دخولي الأول إلى جامعة الإمارات، كان أيسر زميلي ولزيمي، سافرت في المرة الأولى وأنا لا أعرف أحدا من الشباب كما كنت أعرف أيسر، ثم أصبح شريكي في الغرفة-5 لمدة سنة ونصف، في جميع البرامج والطلعات كان أيسر يشاركني الأحداث.

شريط من الذكريات يعود ليمر إلى مخيلتي، أيسر ومعاناته مع الإنذار والتهديد بالفصل، أيسر ومواقفه مع المدبر، البرامج والطلعات من محضة إلى خورفكان ومنها إلى خصب، كل هذه البرامج كان أيسر أحد أبطالها.

خمس سنوات قضاها أيسر في جامعة الإمارات تصادفت معه في ثلاث سنوات منها، وكان أخا في الحلو والمر، في الأفراح والملمات، جليسي قبل النوم، وسميري في الليالي الأولى، صاحب الرأي عندما أستشير، والمصباح عندما أستنير، الصيف الذي قضيناه سويا ولم أكمله، والفصل الحالي الذي مر سريعا.

أيسر مستعد للتخرج ويعد الأيام عداً، ربما تغيرت البيئة على أيسر، خاصة عندما وجد أن أقرانه قد سبقوه بالتخرج، وأنه هو الوحيد الذي بقي من الجيل القديم، ولم يبق معه إلا المتأخرون من شباب البحرين ومن يصغرونه في السن.

قبل دخولي إلى جامعة الإمارات وعندما كنت في الصف الثاني الثانوي أي في مطلع العام 1998، تم قبول أيسر في جامعة الإمارات، حينها كنا في مخيم الربيع الذي كان يحمل شعار “أمجادنا”، وهناك تجمعنا حول أيسر لتوديعه، وكان شعورا عجيبا أن يغادرنا أيسر إلى الإمارات ليبدأ حياة جديدة، ولم أكن أتصور كيف ستكون حياته في مدينة العين تلك التي سيدرس فيها، عرفت أيسر من المرحلة الابتدائية لأنه كان مع أخي الأكبر في الصف منذ الصف الأول الابتدائي، ومازلت ألتقي به في جميع المراحل الدراسية حتى لحظة وداعه في المخيم، فلم أكن أستوعب سفر أخ مثل أيسر للخارج.

ومر العام ثم العام التالي له لألحق بأيسر في جامعة الإمارات، واليوم تنقضي تلك الحقبة مرة أخرى، ليسبقني من جديد في خطة الحياة ويتخرج، فأبقى في العين أنتظر اليوم الذي ألحق فيه بمن سبقوني من الشباب والإخوة والأحبة، لأحمل الشهادة التي ما جئت إلا من أجلها، وما تركت بلدي إلا لحملها.

حلم التخرج يكبر يوما بعد يوم، وأعتقد أن الفيلا 40 ستفتقد أيسر كثيرا، فقد كان ركنا من أركانها كما كان سابقوه، ولكن هذه سنة الحياة، ولولا الحياة الجامعية والدراسة، ما كان تجمعنا في الفيلا 40 أصلا، فلا نملك إلا أن نفرح لأيسر، ونعقد العزم على إكمال المشوار حتى النهاية.

بو ياسر

حرر في 27/1/2008

نشر في 14/2/2008

**********

******

**

التحديث (52)

.: الفصل ينتهي بسرعة :.

لم يكن الفصل مليئا بالأحداث كالفصول السابقة، ولذلك فإنه انقضى بسرعة لا تصدق، الامتحانات النهائية تطل علينا، وكل منا يستعد بجهد جبار.

وعكة صحية داهمتني في وسط الامتحانات، تسببت في إرباكي وكان لها دور في إضعاف النتائج ذاك الفصل، ولكن والحمد لله، كان الأداء جيدا مقارنة بالظروف الصحية، ومقارنة بما سيكون عليه لو لم أنسحب من مادة المراجعة.

انتهى الفصل، ولكن الخطة ليست خطة استجمام وترفيه، ولكنها خطة جامعية، إذ يتوجب علي إنهاء التدريب العملي الذي يحتسب من الساعات المقررة علينا، وهذا التدريب لا يكون بالنسبة لنا نحن الوافدون، إلا في مدينة العين، وعليه فقد كانت عودتي إلى البحرين سريعة لا تتعدى إجازة نهاية الأسبوع، لأعود بعدها إلى العين مستقبلا مشوار الأربعين يوما.

كان فصل التدريب العملي بالرغم من دخوله علي في وقت يفترض أن يكون للراحة، فرصة لأحاديث النفس والاستفراد بالذات، إذ لم يكن معي فيه غير أخويّ مرزوق وزين، ولكنني لم أكن ألتقي بهم في غير نهاية الأسبوع بسبب اختلاف جهات التدريب وتوقيت الدوام.

كان برنامجي اليومي ثابتا، أبدأ الدوام في الساعة الثامنة، وأنهي الفترة الأولى في الساعة الواحدة والنصف، لأعود فأكمل الفترة الثانية من الساعة الرابعة والنصف وحتى السابعة والنصف، لأتوجه بعد ذلك إلى مقهى الانترنت حتى الحادية عشرة ليلا، وأعود بعدها إلى الفيلا 40، منتظرا بزوغ فجر جديد برنامج مطابق لسابقه.

التقيت في فصل التدريب العملي بأخوين عزيزين كانا يشرفان على تدريبنا في موقع العمل، هما الأخ “وفا” من مصر الشقيقة، والأخ “بو حمزة” من اليمن العزيز، نعم تتنوع الجنسيات، فأخي وفا من مصر، وأبو حمزة من اليمن، وأنا من البحرين، ومعنا في التدريب أخوان من الإمارات، مع كل هذا التنوع إلا أن الجنسيات تذوب ذوبان الجليد في اليوم المشمس، لتبقى أخوة الدين والعروبة تربط القلوب والأرواح فتأتلف، وتبقى المودة من ذلك اليوم وحتى الآن، وإني مع أن الفصل كان صعيبا نوعا ما، إلا أنني أعتبر نفسي قد ظفرت بما لا يقدر بثمن، وهو معرفتي بالإخوة آنفي الذكر.

الدكتور صالح كان هو المشرف على التدريب، وكان يمر علينا أسبوعيا، ولم يكن مروره إلا في الفترة المسائية، ولأنه عودنا على ذلك، فقد استيقظت ذات يوم متأخرا، ولا مشكلة في ذلك، فقررت أن أتناول الفطور على مهل ثم أتوجه إلى العمل، وكانت المفاجأة أن الدكتور غير موعد زيارته ليجعلها في الصباح الباكر، ويكتشف أنني وزميلي غير موجودين!

اتصلت به لأعتذر عن التأخير فوجه لي كلمات سريعة مفادها أن الاستهتار بالتدريب العملي عقوبته الرسوب وإعادة التدريب مرة أخرى، وانتهت المكالمة.

بدأ القلق يسيطر علي، وبدأت أفكر في الأيام الماضية التي قضيتها في التدريب ولن تحسب لي، حاولت الاتصال بالدكتور مرارا ولكنه لا يرد، حتى أجابني بعد خمسة أيام، واعتذر عن عدم الرد بسبب مرضه في تلك الفترة، ووعدنا بزيارة قريبة حال تماثله للشفاء.

سادت الطمأنينة قلوبنا وقررنا الالتزام بأوقات الدوام والانضباط فيه بالدقائق والثواني، حتى انتهى الفصل الشتوي، وعدت إلى البحرين لأقضي أياما سعيدة يتخللها عيد الأضحى المبارك، سرعان ما انتهت روعتها لأعود بعدها إلى العين من جديد لأدخل على الفصل السابع من حياتي الجامعية، وبذلك، أكون قد أنهيت ثلاثة أرباع المشوار ولم يبق غير الربع.

الفصل السابع قريبا.. كونوا معنا

بو ياسر

حرر في 26/1/2008

نشر في 14/2/2008

التحديث (53)

.: أطول الفصول :.

عند كتابتي للحلقات الأولى من “طيوف الذكرى“، فكرت كثيرا في الفصل السابع، كيف سأسرد أحداثه، وكيف سيكون وقعه على القارئ، إلا أنني تركت التفكير لحين وصولي إليه، واليوم بدأت أكتب الفصل السابع، وبدأت ظلمة ذلك الفصل تحيط بي لأعيش جوه فأكتبه كما كان.

نعم لم يكن ذلك الفصل فصلا عاديا، لأسباب كثيرة، أولها أنه الفصل الأول لنا بدون أيسر، والأسباب الأخرى تتنوع ولكنها تصب في النهاية في مصب واحد، أنه كان فصلا عصيبا وطويلا لم ندرك كيف انتهى، وتنفسنا الصعداء في نهايته.

كان الفصل السابع أشبه بفترة تعذيب، قد يكون ذلك الوضع مماثلا للكثيرين غيري، ولكنه كان الفصل الأسوأ بالنسبة لي، خاصة وأنني أعيد فيه مادة المراجعة المتقدمة، وأيضا لأنه الفصل الأخير في حياتي التخصصية، حيث لن يبقى بعده غير المواد الاختيارية ومواد الكلية من غير مواد التخصص.

بدأ الفصل بعد التدريب العملي، وبدأت المعاناة مع مواد الفصل منذ اليوم الأول، حيث قام قسم المحاسبة بتغيير توقيت بعض المحاضرات، لننصاع لقرار القسم مرغمين دون أدنى فرصة للنقاش، كيف لا والقسم تحت إشراف المدعو “عصام”.

كنت أرزح تحت وطأة ثلاث من مواد التخصص، المحاسبة الدولية، والمراجعة المتقدمة التي اصطحبتها معي من الفصل السابق، وأخيرا المحاسبة الحكومية التي تدرس باللغة العربية.

المراجعة المتقدمة لم تكن تشكل أي عائق أمامي، لأن الدكتور كان متفهما للأوضاع حريصا على توصيل المعلومة أكثر من أي شيء آخر، والمحاسبة الحكومية لم تكن صعوبتها تذكر أيضا لأنها باللغة العربية، أما المحاسبة الدولية فقد كانت هي المصاب العظيم الذي لم أعرف سبيلا للخلاص منه، محاضرة في الساعة الثامنة صباحا، والدكتور كندي الجنسية يدرس للمرة الأولى في جامعة الإمارات، واللغة الإنجليزية لم تكن بالمستوى الذي يجعلني أتساهل مع مثل هذه المادة.

لن أدخل في تفاصيل الأحداث، ولكني سأعود لأفرد فصلا كاملا عن مادة المحاسبة الدولية والأحداث العصيبة التي عشتها في ذلك الفصل.

بو ياسر

حرر في 12/2/2008

نشر في 17/2/2008

**********

******

**

التحديث (54)

.: أيام لا تنقضي :.

كما أسلفت فالفصل كان طويلا وعصيبا، ولا أذكر من أحداثه الكثير وقد يكون ذلك من رحمة الله بي، غير أني أذكر بعض المواقف التي كنت وما زلت أتجنب ذكرها، ليس تهربا وإنما رغبة مني في تذكر ما يسر ونسيان ما سوى ذلك.

الفصل الثاني دائما يكون أطول من الفصل الأول، إذ أن الفصل الأول يتخلله شهر رمضان وإجازة العيد وعيد الاتحاد، وكل هذه المناسبات تجعل الفصل يمر سريعا، أما الفصل الثاني فعلى خلاف ذلك، يخلو تقريبا من الإجازات، ويتحول فيه الجو من البارد إلى الحار الذي لا يرحم، فيثقل الدوام بديهيا ويصبح الذهاب إلى الجامعة والعودة منها عصيبا تحت أشعة الشمس الحارقة.

في الفصل السابع كنت قد سجلت في مقرر اختياري يسمى “الإنسان والبيئة”، نصحني بالتسجيل فيه بعض الزملاء لسهولته وتساهل الدكتور الذي يطرح المقرر، وبالفعل قمت بالتسجيل، والحمد لله أنني قمت بذلك، كان مقررا سياحيا ترفيهيا، لأنني لم أحضر غير خمس أو ست محاضرات على أكثر تقدير، كانت كلها لتقديم الامتحانات الفصلية والمنتصف، كان ذلك التيسير عندما اجتمعت مع سبعة من شباب المحاسبة في ذلك المقرر، فكان الاتفاق أن يقوم أحدنا في كل مرة بتسجيل أسماء البقية حضورا، ولم يطلب أحد مني الحضور لأخذ الدور في الواجب، فقررت السكوت والحضور دون حضور.

مقرر آخر تجمع فيه عدد كبير من الشباب هو مقرر القانون التجاري، الذي التقيت فيه بالأخوة بو هناد وبو شهاب وابن الأشراف ومرزوق، الذين يقضون فصلهم الأخير في جامعة الإمارات، فكان لنا حضور قوي وانتباه غير مسبوق، مما ساعدنا على التحصيل الجيد طوال الفصل.

لا زلت أتكلم عن أمور جانبية ولم أدخل في موضوع المحاسبة الدولية، ربما يحين الوقت لذلك بعد حلقة أو حلقتين، لأن الموضوع يستحق أن يعطى شيئا من التركيز.

المزيد من مجريات الأحداث في الحلقات القادمة بإذن الله

بو ياسر

حرر في 12/2/2008

نشر في 17/2/2008

**********

******

**

التحديث (55)

.: عودة الخريجين :.

اتصال هاتفي مفاجئ ورد إلي من أخي ساهر يخبرني فيه أنه قادم بعد أيام إلى العين لحضور حفل التخرج السنوي الذي تقيمه الجامعة، ومن هذا الاتصال بدأ الاستعداد لاستقبال الضيوف، حيث أن حضور ساهر يعني حضور متفائل وعبدالجبار أيضا، وبالفعل ما هي إلا أيام حتى وجدنا الثلاثة بيننا في لقاء رائع له من الذكريات ما له، وفيه من العبير ما فيه.

ازدانت الفيلا 40 بزينة الألوان، وامتلأت بالابتسامات والابتهاج، الأحاديث متواصلة دون انقطاع، والترحيبات متتالية كلها تعبر عن السعادة بعودة الخريجين.

ساهر قرر أن يبيت ليلته في الغرفة-5 مع مرافقه، بينما استقر متفائل في الغرفة-4، أما عبدالجبار فحنين الذكريات دفعه للمبيت في الغرفة-6، كانت تلك الليالي على سرعة انقضائها رائعة تجدد الأمل وتشحذ الهمم، وتذكر كلا منا بالهدف الذي رسمه في بداية حياته الجامعية.

الأخ ساهر كان أكثر سعادة من الآخرين، حيث احتفل مؤخرا بعقد قرانه، ولا تزال أيامه الوردية في أولها، وجاء حفل التخرج ليجعل الفرحة مزدوجة عنده، لذلك أصر أن يرتب وليمة تجمع جميع شباب البحرين في المرخانية، بعد صلاة العشاء في مقر إقامة البحرينيين، الفيلا 40.

تجمع مهيب وعدد رائع، كل يعمل بما أوتي من جهد والكل يمد يده لمعاونة الآخر، مثل هذه الأجواء أكثر ما أفتقد، الروح الواحدة والقلب المشترك، الأخوة والتعاون والتناغم غير المحدود، الكل يعزف سيمفونية الأخوة بآلته، لا نشاز في تلك المعزوفة ولا خروج عن النص.

بعد هذا الحفل انتهى عهدنا بالجيل القديم، ولن ننتظر عودة لأي منهم إلى الفيلا 40، لذلك، فإن صورة جديدة من صور المستقبل يجب أن ترسم، لجيل جديد، وحياة قادمة لا يعرف لها تصور بعد.

بو ياسر

حرر في 13/2/2008

نشر في 18/2/2008

**********

******

**

التحديث (56)

.: غداء على شرف الخريجين :.

كما استقبلنا خريجي العام الماضي واحتفينا بهم، فإن عددا آخر من المتوقع تخرجهم لا بد من الاحتفال بمناسبتهم السعيدة عليهم وعلينا، إنهم مرزوق وزين وبو هناد وبو شهاب وابن الأشراف، هؤلاء الخمسة يقضون فصلهم الأخير لتنتهي معاناة الدراسة وتذهب إلى غير رجعة من حياتهم.

وحيث أن الحفل كان قبيل الامتحانات النهائية، وكل منا في مأساة لا يعلم هولها غير الله، فقد كان القرار أن يكون الحفل بسيطا ومعبرا في الوقت نفسه، وعليه تم الترتيب.

من مطبخ “اليحر” كان الغداء، يوم الخميس بعد صلاة الظهر تجمعت الجموع، وحضر كل الشباب من البحرينيين وغير البحرينيين، بو هناد وبو شهاب من الإمارات، وأبو جابر من سلطنة عمان الذي عرفته جيدا خلال الفصل العملي المنصرم، فأصبح من يومها أخا له مكانته الخاصة في قلوب الجميع، السعديان من سلطنة عمان أيضا كانا من الأخوة الأقرب لنا معشر البحرينيين، وكذلك التوأمان المريخيان، من دولة قطر الشقيقة، كانت تربطنا بهما روابط الأخوة والمحبة التي قلما نجدها في هذا الزمان.

لقاء عامر سرعان ما انتهى، تزينه المحبة والفرحة لتخرج إخواننا، الصور التذكارية لا بد منها في نهاية اللقاء، والمزاح البريء كان له تواجد بالتأكيد لإضافة طعم خاص على الحفل، الفرحة كانت واضحة على أوجه الخريجين، ولا شك أنها زادت رغبتهم في تحقيق الهدف الذي أصبح قريبا، ليلحقوا بمن سبقهم في قافلة التخرج.

أحداث وذكريات أخرى في الحلقات القادمة بإذن الله.

بو ياسر

حرر في 13/2/2008

نشر في 18/2/2008

**********

******

**

التحديث (57)

.: مـسـقـط :.

“تصنيفة” كما نسميها، كنا كثيرا ما نفكر في موضوع السفر إلى مسقط في إحدى إجازات نهاية الأسبوع، أنا وأخي لقمان، قبل عام كنا نفكر في الموضوع فيما يأخذ أيسر الموضوع بهزلية ويعيّرنا بتلك الفكرة مستبعدا إمكانية تحقيقها.

حتى تعرفنا إلى الأخ أبو جابر، وعلمت أنه كان يعود إلى مسقط بشكل شبه أسبوعي، مما ينفي صعوبة الموضوع، عدنا لطرح الموضوع فيما بيننا وقمنا باستشارة أبي جابر في الموضوع، فرحب بالفكرة واعتبر الإعداد للبرنامج مسؤوليته، وما علينا سوى عقد العزم.

عقدنا العزم على السفر إلى مسقط، لتكون السفرة يوم الأربعاء 26 مارس 2003م، في صبيحة ذلك اليوم جلست مع أخي لقمان نعد وجبة الطريق المكونة من شطيرة بالجبن وأخرى بالزعتر لكل واحد منا، مع مشروب غازي، ثم خرجنا في تمام الساعة الثانية عشرة ومعنا الأخ طوقان، لنأخذ قصي من الجامعة، وننطلق إلى مسقط عبر منفذ البريمي.

أربع ساعات قضيناها في الطريق، البرنامج موثق بالصور والفيديو، حتى وصلنا إلى مسقط، بجمالها الساحر وخضرتها البهية، وكان في استقبالنا أخونا الحبيب أبو جابر، كان توجهنا مباشرة إلى السكن للراحة، وليبدأ برنامجنا مساءً.

البرنامج المسائي كان إلى منطقة لا أذكر اسمها للأسف، ولكني أذكر أنها كانت منطقة في أعلى التل تطل على مدينة مسقط، تناولنا فيها وجبة العشاء بصحبة أخينا أبي جابر، وأخوين آخرين من سلطنة عمان أيضاً.

في اليوم التالي، كان تحركنا من الصباح الباكر لتلبية دعوة كريمة من أبي جابر، على مأدبة إفطار أقامها لنا، ولا غرو في ذلك الكرم الحاتمي فهذا ما عرفناه عن أهل سلطنة عمان منذ أن كنا صغارا، وطالما سمعنا آباءنا يتحدثون عن ذلك الشعب الذي اتخذ الأخلاق زينة فسمى بها بين الشعوب.

الوجهة التالية كانت إلى قرية تسمى “نخل”، منطقة ريفية رائعة، تزينها جداول المياه والزروع والنخيل، إضافة إلى قلعة شامخة تسمى قلعة نخل، على اسم القرية.

يوم رائع قضيناه بين الخضرة بعيدا عن حياة المدن، مع أخوة أحباب عرفناهم فأحببناهم، وسرعان ما انقضى ذلك اليوم، لنعود إلى المدينة فتبقى ذكرى “نخل” محفورة في ذاكرتنا.

أمر مهم يجب ألا ينسى، في تلك الليلة وقبل النوم، ذهبنا جميعا إلى أقرب هاتف عمومي، لنتصل بأيسر، من أجل أن نريه إثباتا ودليلا على وجودنا في مسقط، ونعلمه بتنفيذ الفكرة وعدم الالتفات لإحباطاته، لم يكن رد أيسر سوى: “بالتأكيد كانت سفرة فاشلة من دوني”.

في صبيحة يوم الجمعة انطلقنا من السكن لنعود إلى العين، حاملين معنا أروع الذكريات، وأطيب الأماني لشعب سلطنة عمان، على الكرم الذي لازلنا نسترجعه حتى اليوم، والذي وجدنا أنفسنا في حيرة عند التفكير في رده لأهله.

سفرة مسقط كانت حدثا مهما في سنوات الدراسة الأربع، وكنا نقارنها – أنا وأخي لقمان – بالسفرات التي عشناها في العصر الذهبي، سفرة خصب وخورفكان، أيام وذكريات لم يبق منها غير طيف الذكرى، أروع ما فيها صدق الأخوة وصفاء النفوس.

كثيرا ما نتحدث عن تلك الذكريات، وينتهي الحديث بتساؤل واحد، هل تعود تلك الأيام؟ فيكون الجواب، ربما، ولكن في زمان ومكان لا يعلمهما إلا الله.

بو ياسر

حرر في 13/2/2008

نشر في 18/2/2008

**********

******

**

التحديث (58)

.: المحاسبة الدولية :.

قمت بتأجيل موضوع المحاسبة الدولية لأجعله في الحلقات الأخيرة من الفصل السابع، وذلك لأسباب جوهرية أهمها أن خلاصي من هذا المقرر كان خلاصا من الفصل برمته، ولعل الأنسب أن أسرد الموضوع من بدايته.

مقرر المحاسبة الدولية مقرر تخصص اختياري، قمنا بالتسجيل فيه لأنه الأكثر ملاءمة بين باقي المواد الاختيارية، خاصة من ناحية الوقت، ولكن ومن دون أي إنذار مسبق، قام قسم المحاسبة بتغيير موعد المحاضرة إلى الثامنة صباحاً، لنعود من جديد إلى مأساة الدوام المبكر والتهديد بالحرمان.

بدأنا نحضر المقرر دون أدنى فائدة تذكر، فالدكتور كندي الجنسية ويصعب فهم لكنته الأمريكية، إضافة إلى أن المادة تخلو تماما من المسائل المحاسبية العملية ويقتصر التدريس فيها على المناهج النظرية.

أنا وأخي أبو شهاب كنا نقضي على الملل في المحاضرة ببعض الألعاب الورقية التي نحاول ابتكارها من وقت لآخر، بينما يعمل بو هناد جاهدا على التركيز لالتقاط معلومة تسهل تخرجه.

واستمر الفصل على غير ما يرام حتى النهاية، غير أن أمرا عظيما كاد أن يودي بجهود بو ياسر لولا عناية الله تعالى.

في يوم من الأيام وأثناء تواجدي في الكلية، خرجت من الكافتريا متوجها إلى مختبر الكمبيوتر، في الطريق رأيت لوحة الإنذارات والحرمان، فحمدت الله على توفيقه ونعمائه وألقيت نظرة، علي أجد محروما أعرفه فأجدد حمدي لله، وأدعو للمحروم بالصبر والتوفيق في مستقبله.

بدأت أمر على الأسماء اسما اسما، حتى وصلت إلى اسم أعرفه جيدا، لم أصدق، إنه اسمي الثلاثي، وبجانبه رقمي الأكاديمي، حاولت الـتأكد، حاولت الاسترجاع، إنه اسمي وبجانبه الرقم، ثم بجانب الرقم ثلاث نجوم، والنجوم الثلاث تعني الحرمان وليس الإنذار.

التفتّ يمنة ويسرة أبحث عن أقرب كرسي لأجلس عليه حيث لم تكن رجلاي قادرتان على حملي، جلست وبدأت أفكر، المادة لا تطرح إلا في الفصل الثاني من كل عام، وهذا يعني تأخير التخرج لفصل آخر، وما حدث أنني كنت أتغيب عن المحاضرة فيخبرني الزملاء أن الدكتور لم يسجل الغياب، فأعتبرها فرصة لغياب آخر، وهكذا فعلت، حتى تبين بعد الحرمان أن الدكتور كان يحفظ الأسماء ويسجلها لاحقا دون إعلان لذلك.

ذهبت إلى مكتب الدكتور وحاولت التفاهم معه، معترضا على الحرمان دون إنذار، فقال لي بلهجة أمريكية ساخرة: “عليك أن تخجل من النقاش في الموضوع، لأنني سجلت حرمانك على ست محاضرات بينما تغيبت أنت أكثر من عشر محاضرات”، لم أجد جوابا لأن كلامه كان صحيحا بالفعل، ولكن المصيبة لا تزال قائمة وإن كان محقا.

بدأت أفكر وأفكر، اتصلت بالبحرين للسؤال عن طرح المقرر في جامعة البحرين خلال الفصل الصيفي، فلم أجد جوابا شافيا، حاولت وبذلت ولم أصل إلى نتيجة.

ذهبت لحضور محاضرة القانون برفقة أخي بو هناد، وبعد المحاضرة، أخبرته الخبر، فكان عليه كالصاعقة، وبدأ يفكر معي، حتى وصلنا إلى حل قد يفيد، وهو أن نعلم زميلا لنا اسمه “صطيف” بالموضوع، عله يجد لنا حلا بحكم علاقته القوية مع رئيس القسم “عصام” عياذا بالله منه.

أخبر صطيف عصاما عن الموضوع فكان المتوقع أنه لا يستطيع المساعدة، فبدأنا بالتفكير في حل جديد، حتى اتصل بي أخي شركان، الذي أوردنا اسمه في الحلقات الأولى، وهون الموضوع علي، وأخبرني أنه سيقوم بتوصيل الموضوع لوكيل الكلية.

في صبيحة اليوم التالي، جائني اتصال من شركان، رفعت السماعة فلم أسمع غير الزغاريد والفوضى العارمة والضحكات المجلجلة، بعدها جائني صوت شركان يقول: “مبروووك، تم رفع الحرمان، اذهب الآن للكلية لاعتماد ذلك من قسم التسجيل”

ذهبت بسرعة إلى الكلية وبالتحديد إلى قسم التسجيل، وتم رفع الحرمان رسميا، لأعود فأحضر المحاضرة الأخيرة من مقرر المحاسبة الدولية التي لم تكن سوى عرض تقديمي لفصل من فصول الكتاب، سرعان ما انتهت المحاضرة لأستعد بعدها للامتحانات النهائية.

بذلت كل الجهد الذي استطعته في مقرر المحاسبة الدولية، وحفظت المقرر حفظا، حتى جاء وقت الامتحان النهائي، والمصيبة أنني لم أجد من الأسئلة ما يسهل حله، حاولت وبذلت وسعيت، وخمنت وفكرت وجاهدت، حتى أنهيت الامتحان وسلمت الورقة دونما ثقة تذكر، توقعت الرسوب في المقرر بكل صراحة، ولكن والحمد لله، بشارة أخي بو هناد التي لا أنساها صباح اليوم التالي، أنني حصلت على درجة مرتفعة في الامتحان ربما تكون الأعلى بين باقي الزملاء، كان خبرا سعيدا وبشارة لا تنسى، انتهت معها معاناتي في ذلك الفصل، وأنهيت والحمد لله جميع مواد التخصص، ولم يبق أمامي غير فصل صيفي يهون أمام ما سبق، إضافة إلى الفصل الأول من السنة الجديدة، الذي سيكون فصل التخرج بإذن الله.

إن يوم انتهاء الفصل السابع كان من أسعد الأيام، ذلك لأنه كان مليئا بالأحداث العصيبة والقلق المتواصل، لم أعد بعده إلى البحرين لأن الفصل الصيفي سيبدأ بعد يومين فقط، ولكن ذلك لم يكن يشكل لي أي مشكلة، لأن مجرد انتهاء مصيبة الفصل السابع، يهون كل ما سواه من الأمور.

أحداث الفصل الصيفي في الحلقة القادمة بإذن الله

بو ياسر

حرر في 14/2/2008

نشر في 19/2/2008

**********

******

**

التحديث (59)

.: الفصل الصيفي :.

في جو العين الحار جداً، والسموم التي لا ترحم، كان فصلنا الصيفي، قضيته برفقة عدد من الشباب ربما كان أكثرهم حضورا في الأحداث أخي قصي الذي أشترك معه في الغرفة-5، والباقون كانوا عاشق الشاي وفرحان وعبدالرحيم وطوقان.

في بداية الفصل اتصل بي صهر أخي قصي “أبو يحيى” الذي يعمل في العين، ليسألني إن كنت أستطيع إيصاله إلى مطار دبي الدولي حيث سيعود وأسرته إلى البحرين لقضاء الإجازة الصيفية، بعد التشاور مع قصي اتفقنا على توصيله لنظفر ببرنامج ترفيهي في بداية الفصل.

في الطريق اقترح علينا أبو يحيى أن نبقي السيارة عندنا حتى ننهي الفصل الصيفي ثم نعيدها إلى بيته، التفتّ إلى قصي فوجدتنا متفقين على الموضوع، وبقيت السيارة عندنا بالفعل، مما سهل لنا الكثير من الأمور، ذهابنا اليومي إلى الكلية والمشاوير اليومية الأخرى، البرامج في نهاية الأسبوع وكل ما سوى ذلك، المهم أن الفصل الصيفي أصبح فصلا ميسرا ومريحا بفضل الله ثم بفضل أبي يحيى.

الدوام اليومي كان يبدأ بخروجنا أنا وقصي إلى الكلية وعودتي في الساعة الثانية عشرة، ثم عودته في الساعة الثانية بعد الظهر، أحيانا كنا نقضي ما تبقى من الظهر دون برنامج، ليبدأ برنامجنا عصرا، في قاعة الانترنت، حتى المغرب، وفي أحيان أخرى كنا نفضل النوم على أي برنامج آخر.

في إحدى إجازات نهاية الأسبوع قررنا الترتيب لطلعة بسيطة، اجتمعنا فيها جميعا، وكانت الوجهة إلى جبل حفيت، حملنا معنا ما لذ وطاب من الأطعمة والمشروبات، بدأ البرنامج بالعشاء ثم تلته منافسة قوية في لعبة “الغافل”، تغيب عن الحضور يومها أخونا عبدالرحيم الذي كان في دبي، مع شقيقته وأهله.

الفصل الصيفي بالرغم من حرارته إلا أنه كان رائعاً، سرعان ما انقضى، وسرعان ما طوينا أوراقه لنحفظها مع باقي طيوف الذكرى، كان الفصل الصيفي الوحيد الذي أكملته، وكان يمثل لي التخرج الأصغر، هكذا كنت أعتبره، لأن ما سيأتي بعده مجرد مواد بسيطة لن تحتاج مني إلى الكثير من الجهد، وهذا ما سيأتي ذكره في الفصل الأخير من طيوف الذكرى.

بو ياسر

حرر في 14/2/2008

نشر في 19/2/2008

**********

******

**

نهاية الفصل السابع

================================

طيوف الذكرى

الفصل الأخير

~ مكتمل ~

التحديث (60)

.: فصل التخرج :.

ثلاث سنوات ونصف مضين بأسرع مما يمكن تصوره، التقيت فيها بشخصيات وأجيال، مواقف وذكريات، كنت في يوم ما أصغر الموجودين، طالبا في الثامنة عشرة من عمري، أطلب الفائدة والاستفادة من كل من هم حولي، أكثر الأسئلة فتتنوع الأجوبة، أستزيد فأجد المزيد، نعم كنت عضوا أساسيا في الفيلا 40، ولكني لم أكن صاحب قرار أو رأي إلا عند المشورة، وكيف لي أن أعلو قدري في وجود إخواني الكبار، الكروان ومطلوب والمدبر ومدحت ومتفائل وأيسر وغيرهم من الشباب، كل أولئك كانوا الكبار الذي لهم الرأي والفضل بعد الله تعالى، في إدارة الفيلا ومسك زمامها.

واليوم أصبحت أكبر الموجودين، أقضي آخر فصل لي لأبلغ بعده المنى الذي طال انتظاره، التخرج، وهل من حلم أروع من التخرج؟ التقويم الذي جعلته على مكتبي أشطب فيه الأيام يوما بعد آخر، في انتظار التخرج، الأوراق التي علقتها في زوايا الغرفة، والذكريات التي حفظتها في مفكرتي، القصاصات التي جعلتها في محفظتي أطلع عليها من آن لآخر، كلها تزيد همتي لأستحث الخطى نحو التخرج.

الإجازة الصيفية تنقضي، وها أنذا أستعد للعودة إلى العين بحيوية غير مسبوقة، ونشاط لا مثيل له، وكيف لا، إنه الفصل الأخير، إنها المرحلة الأخيرة من حياة كاملة، حلوة معسولة رائعة نضيرة، ولكنها في بعض الأحيان عصيبة طويلة مريرة، ليست الحياة منوالا يسير بصورة واحدة، مهما كان العيش رغيدا فلا بد من المعكرات والمصاعب، وهكذا هي الحياة في كل مكان وزمان، وبالتأكيد هكذا كانت معيشتنا في الفيلا 40، في العين، تلك البلاد التي أحببتها، وتكلمت عنها وأسهبت من قبل، موحشة كما كنا نقول، ولكنها جمعتنا على أروع ما اجتمع عليه شباب في مثل سننا، دراسة وجد، ومحبة وأخوة، طموح وبذل، تناغم وتآخي، وانطلاقة نحو الهدف.

قررت وأخي قصي أن نذهب إلى العين بعد أسبوع من بدء الدراسة، إذ أن إجراءات التسجيل قد تمت مسبقا والحمد لله، والغياب لا خوف منه في هذا الفصل بسبب الإجازات ومناسبتها للظروف.

السؤال الذي نتساءله مع بداية كل عام جديد، من الجديد في هذا الفصل؟ الجواب كنا ننتظره من أخينا لقمان الذي سبقنا إلى العين، ثم أسرع بالاتصال ليعطينا صورة عن الدفعة الجديدة المكونة من خمسة شباب، هم المستجدون الجدد، والوجوه الجديدة في الفيلا 40، أول هؤلاء الخمسة هو الأخ (بوراشد) شقيق أخينا طوقان، وقد علمنا مسبقا بقبوله بطبيعة الحال، الثاني هو الأخ (نوح) أيضا علمت مسبقا بقبوله في الجامعة لمعرفته بشقيقي الأصغر ودراسته معه في المرحلة الثانوية، فاتصلت به قبل سفره وعرفته بنفسي على أن نلتقي في العين بعد أسابيع، الثالث كان الأخ (لبيب)، لم أعرف عنه شيئا من قبل، غير أني التقيت مرة بأحد شباب الفيلا 40 في البحرين وهو هداف، وأخبرني أنه يعرف الطالب الجديد لبيب معرفة لا بأس بها، الرابع كان الأخ (كرار)، لم أعرف عنه من مكالمة لقمان إلا أنه هادئ الطباع وسيدرس تخصصا إداريا، أما الخامس فقد كان أمره غريبا بالفعل، من كلام لقمان علمت أنه هادئ أحيانا، وإن نطق فإنه ثائر صنديد، لا يتكلم إلا في السياسة، ويسيطر عليه أسلوب التهديد، سباق إلى الصف الأول في المسجد، وهيئته لا توحي بالالتزام، عندما سمعت هذه الأوصاف قررت أن أصبر حتى ألتقي هذا الشاب فأعرفه جيدا لأن الوصف لا يزال مبهما، نسيت أن أعرفكم باسمه، إنه (حنيف)، تذكروا هذا الاسم فلربما يكون له شأن في يوم من الأيام.

سمعت الأسماء ووعيتها، وبقي أن ألتقي بالأبطال الجدد في سلسلة “طيوف الذكرى”

بو ياسر

حرر في 17/2/2008

نشر في 20/2/2008

**********

******

**

التحديث (61)

.: الخريج وصل :.

في يوم الجمعة وصلت مع أخي قصي إلى دبي، واستقبلنا أخونا لقمان في المطار، ثم انطلقنا إلى العين، لم يكن لنا موضوع طوال الطريق سوى الطلبة الجدد وتوزيعهم وأطباعهم والأيام القادمة بمعيتهم.

حتى وصلنا إلى الفيلا 40، صعدنا إلى غرفتنا، الغرفة-5، في منتصف الدرج توقف أحدهم ليتطلع فيّ وأنا أيضا بادلته النظرات، حتى بادرني قائلاً: “أنت بو ياسر؟”، بادرته بالإيجاب والسؤال مباشرة: “وأنت نوح؟” فأجابني أن نعم، ثم أخبرني بخجل أن أغراضه لا تزال في الغرفة-5 لعدم الاتفاق على توزيع الغرف، أنا وقصي لم نمانع في ذلك بل رحبنا به، ولكن استحياء اليوم الأول جعله يصر على لمّ أدواته ومغادرة الغرفة، عاجله قصي بأسلوب آخر، ولكن لم يجد مع نوح الذي بدا من اللقاء الأول أنه شديد الحياء، خجول إلى حد ما.

الأخ بوراشد لنا به معرفة طيبة، ولم يختلف لقاؤنا به عن لقاءاتنا السابقة في البحرين، غير أن الجو الحالي يعد جوا دراسيا، أي بلفظ آخر، أننا أصبحنا زملاء دراسة بعد أن كانت تربطنا مجرد المعرفة.

أما حنيف وكرار ولبيب، فكما أسلفت، الأول كان مبادرا إلى الصف الأول دائما، كانت هذه الميزة أكثر ما يميزه، يهب إلى المسجد فور سماعه الأذان، وقلما نجد في هذا الزمان مثل هذا الشاب، أما الثاني فلم أجد ما يميزه أكثر من إقباله على الجامعة بروح عالية وجدية غير مسبوقة، رغبة ملحة في التحصيل والتفوق، والثالث كان اجتماعيا أكثر من غيره، كثير الأسئلة متجاوب في الحديث.

هكذا كان أفراد الدفعة الجديدة، ولكن الصورة لم تكتمل بعد، لذلك فقد اتفقنا على تنظيم رحلة إلى جبل حفيت، نلتقي فيها بالوجوه الجديدة ونحتفي بروادنا الكرام، عل الجو يذيب الحواجز ويقرب المسافات.

وبالفعل كان ذلك البرنامج فرصة للتعارف واللقاء الأخوي، عشاء بسيط وتجمع هادئ، يختلف عن التجمعات القديمة كلياً، يخلو تمام من المقالب والحركات التي كان يدبرها أحبتنا السابقون، ولكن لكل جيل أسلوبه، وهذا هو أسلوب جيلنا الجديد.

بو ياسر

حرر في 17/2/2008

نشر في 20/2/2008

**********

******

**التحديث (62)

.: عاشق الراحة :.

تذكرني هذه التسمية بأخي عاشق الشاي، الذي نفتقد وجوده في هذا الفصل كثيرا، الأخ عاشق الشاي، دخلنا إلى الجامعة معا، وسنتخرج في هذا الفصل معا أيضا، لكنه يقضي في هذا الفصل فترة التدريب العملي الذي اختار أن يكون في أبوظبي بمعية والده وأهله.

يمر علينا بين الفينة والأخرى وتسرنا اتصالاته بين الحين والحين، ولكن تواجده أصبح شبه معدوم، لظروف التدريب العملي.

فرحان الذي كان الصديق الصدوق لأخينا عاشق الشاي، ضاقت به الأحوال بعد غياب صاحبه، فقرر النزوح عن الفيلا 40 إلى غرفة خارجية، كانت تخص الأخ طوني، بعيدا عن صخب الشباب الذي سيذكره بالتأكيد بما مضى، وبالتالي أصبحت الغرفة-1 بعد أن كانت لعاشق الشاي وفرحان، أصبحت غرفة الطلبة الجدد، نوح وحنيف وكرار.

نعود لعنوان الموضوع، بالتأكيد لا أعني عاشق الشاي بالعنوان، إذا لا يحوي قلب العاشق غير معشوق واحد، ولكني عنيت نفسي، نعم كنت أعشق الراحة في ذلك الفصل، أربع مواد فقط، اثنتان من الكلية ولا تحتاجان إلى مجهود يذكر، والأخريان كانتا من مواد الثقافة العامة يكفي لاجتيازهما مجرد الحضور.

أبدأ دوامي في الثانية عشرة ظهرا، وأعود عصرا في يومين، بينما في اليومين الآخرين أعود في الواحدة والنصف، منتهى الراحة وقمة الانتعاش.

كنت أشترك مع أخي قصي في مادة اختيارية وهي مادة الفلك، وقد تم الاتفاق فيما بيننا على التعاون المشترك حالما اقتضى الأمر ذلك، وبالتأكيد كان الالتزام من الطرفين على ما اتفق عليه، الاتفاق ينص على أن يقوم أحدنا بتحضير الآخر في المحاضرة عندما يغيب، أي أن يقوم الحاضر منا بالتصويت عند سماع اسم الآخر ليتم تسجيله حاضرا ، ولم يكن الأمر بالصعوبة المتصورة، إذ أن عدد الطلاب في الشعبة كان يزيد على التسعين، ولن يتمكن الدكتور من تمييز الأصوات.

حضور المحاضرات أشبه ما يكون بفرصة للتغيير، لا ضغط ولا تراكم للواجبات، والتواجد في الفيلا 40 كان أيضا نقاهة ما بعدها نقاهة.

قررت في الفصل الأخير التأسي بأخي مدحت في فصله الأخير واستلام مهام الإشراف على البياعة من جديد، ربما تكون فكرة البياعة جديدة على الطلبة المستجدين، ولكنها سرعان ما تسللت إلى فكرهم لتكون ثابتا من الثوابت الرئيسية في الفيلا 40، قد يصعب عليهم الاستغناء عنه.

كانت الأيام الأولى من الفصل أيام عمل ونشاط، كل منا يسعى لبذل ما يستطيع من أجل تهيئة الفيلا 40 وإعدادها للمرحلة القادمة، لتكون بيئة دراسية صالحة لنا جميعا، عملنا بتعاون ذكرني بالأيام الماضية، لم ننس تثبيت علم البحرين على جدار الصالة العلوية، كما قمنا بلصق بعض الأحاديث على الجدران، الترتيب الأسبوعي وتنظيم المطبخ، ترتيب الصالة في نهاية كل يوم، إطفاء الكشافات ومصابيح البياعة، كلها أمور روتينية لا داعي لتكليف شخص معين بأحدها، فالجميع يحمل المسؤولية كما يجب.

روح الشباب تغمر الفيلا 40، خاصة بقدوم خمسة من جيل واحد، وهذا كله يجعلنا نتفاءل بما في الأيام القادمة.

بو ياسر

حرر في 17/2/2008

نشر في 20/2/2008

**********

******

**

التحديث (63)

.: طلعة شواء :.

في نهاية كل أسبوع، لا بد من برنامج ترويحي وإن كان بسيطا، فأحيانا يكون البرنامج مقصورا على اللعب في ملعب الفيلا، وفي أحيان أخرى يقوم الشباب بحجز ملعب نادي العين، وهذا هو البرنامج الذي استحدث في هذا الفصل، وأحيانا يلعب الشباب في ملعب دائرة التخطيط بدعوة من أحد معارف أخينا عبدالرحيم والذي يعمل مسؤولا في تلك الدائرة.

الخلاصة أن البرامج أصبحت كثيرة ومتنوعة، تكون متناسبة مع الجو والفترة، ففي فترات الامتحانات تقتصر البرامج على الداخلية الخفيفة، وما بعد الموسم يتم التحضير لشيء أكبر نسبيا.

على غرار البرامج السابقة وطلعات الشواء المتكررة، تم الإعداد لطلعة شواء في هذا الفصل أيضاً، ذهبت مع أخي لقمان، واصطحبنا معنا الأخ نوح، لشراء المستلزمات والأدوات، وسرعان ما تم التجمع واكتمل العدد، لننطلق إلى جبل حفيت، حضر معنا أخ عزيز من العين اسمه منصور، كما كان معنا في الطلعة الأخ الحبيب أبو جابر، البرنامج يتنوع ما بين الشواء والترفيه والألعاب المتنوعة، وهو في النهاية لا يهدف إلا لتغيير شيء من الأجواء الدراسية للعودة بعده بروح جديدة وشحنات تساعد على مواصلة الفصل حتى نهايته.

مهام الغسيل والتنظيف والترتيب التي تلي كل برنامج، يقوم بها الشباب دون تكليف، فالجميع مبادر بذاته، حريص على أن تكون الفيلا 40 في أبهى حلة وأفضل ترتيب.

روح التعاون التي سادت الفيلا 40 في ذلك الفصل تذكرني بالعهد الأول، بأيام الازدهار التي ظننا أنها لن تعود، ولكن جيلا جديدا أعاد للفيلا روح المحبة والأخوة والتعاون، وجعل أيام الفيلا 40 الخوالي تعود من جديد ولكن بأبطال أخر، ورواد لا يقل تميزهم عمن سبقهم.

بو ياسر

حرر في 17/2/2008

نشر في 20/2/2008

**********

******

**التحديث (64)

.: رمضان :.

عاد الشهر الكريم ليهل هلاله علينا في فصل جديد، ومع مجموعة جديدة من الشباب، للمرة الرابعة أقضي شهر رمضان في العين، الشعور ذاته الذي تكلمنا عنه من قبل، الشوق للجو الرمضاني في البحرين، صلاة التراويح عند إمام متميز، والتنويع بين المساجد، وجبة الإفطار مع الأهل والاستمتاع بما أنعم الله علينا من إبداع الوالدة حفظها الله، جلسة الشاي بعد الإفطار والأحاديث الممتعة، المجالس واللقاءات، الاعتكافات والدروس، عند بداية كل شهر، كان هذا ما يعصف بأفكارنا جميعا.

في شرفة الفيلا 40 كنت أقضي فترة العصر، أرقب الطريق، أفكر في المستقبل القادم، أحيانا كنت أضع الموقد قبيل المغرب لأعد شيئا بسيطا للإفطار، حساء الدجاج بالذرة الذي لا أجيد غيره، وفي أحيان أخرى نقوم بقلي بعض الخفائف التي نستوردها من البحرين، من بيوتنا مع بداية كل رمضان، محاولات جاهدة للتغلب على الجو الرمضاني الفاتر بشتى الوسائل.

برنامج رمضاني محبب لنا جميعا وهو الخروج لصلاة التراويح في مسجد “زاخر”، حيث يؤم المصلين فيه إمام آتاه الله موهبة نادرة قل أن يؤتاها أحد، صوت عذب ندي، تطرب له الآذان، ولكن لبعد المسجد لم نكن نستطيع الصلاة فيه يوميا.

برنامج آخر شبه يومي، وهو لقاء الليل في شرفة الفيلا، حيث نلتقي لإعداد “غبقة” المساء مما يتوفر لدينا من الخفائف، أو ما نشتريه لمثل هذه الجلسات، أحاديث وتسامر وشاي وترفيه، لا بد منه لتسريع الأيام.

قارب الشهر الكريم على الانتهاء، وعدنا جميعا إلى البحرين، لقضاء إجازة عيد الفطر المبارك، الفيلا 40 تغط في سبات عميق لحين عودة الشباب، الذين سيستعدون لامتحانات نهاية الفصل فور عودتهم.

لم يبق عن التخرج سوى شهر، والتفكير في الموضوع لا يوصل إلى نتيجة، لأن استيعاب أمر التخرج كان صعبا عليّ، خاصة وأني لم أتصور انقضاء السنوات الأربع بهذه السرعة، لكأني والله، قدمت إلى العين قبل أيام واستوحشتها وظننت أني لن أستطيع إكمال المشوار في هذه الصحراء.

لكأن الأيام استعجلت بلم أوراقها لتنقلني عبر آلة الزمن إلى فصل التخرج، بل وسارعت بتبديل الشخوص والأبطال في روايتي، لأجد قصيا ونوح، وبوراشد وحنيف، بدل المدبر ومطلوب ومدحت وأيسر، وكأنها أيضا حملتني من زمن كنت فيه الأصغر لتلقيني في زمن آخر أكون فيه أكبر الموجودين دون سابق إنذار وتنبيه!

لله ما أسرع انقضاء الأيام، لقد تقارب الزمان حقا، ولم أجد نفسي إلا في الثانية والعشرين من عمري، أستعد لدخول فصل جديد من فصول الحياة، الحياة العملية كما يسمونها، كنت أظن أنني ما زلت ذلك الشاب ذو الثامنة عشرة الذي دخل إلى الفيلا 40 خجلا متوجسا، متسائلا بينه وبين نفسه عن المستقبل القادم الذي سيستمر أربعة أعوام، ولكني وجدت نفسي في نهاية الأعوام الأربعة، أفكر فيما بعدها وأستعجب مرورها كوميض البرق.

قد تكون سرعة الأيام دليلا على روعتها، وقد تكون دليلا على بساطتها، أو ربما تكون دليلا على قصر الأعمار، والأهم من كل ذلك أنها دليل على صدق ما أنبأ به نبينا الكريم من علامات تقارب الزمان.

بو ياسر

حرر في 18/2/2008

نشر في 20/2/2008

**********

******

**

التحديث (65)

.: التخرج :.

بدأ الاستعداد للامتحانات النهائية، كل يستعد لها بأسلوبه، أما أنا، فقد كانت الامتحانات النهائية بالنسبة لي هي آخر امتحانات أقدمها، لأنهي بعدها رحلة السنوات الأربع، وأتخرج من جامعة الإمارات العربية المتحدة من قسم المحاسبة.

بدأت الامتحانات وبدأ القلق يساور الجميع وأنا على رأسهم، إن أي تقصير أو تأخر قد يجعلني أعود لأقضي فصلا كاملا وإن كان ذلك بسبب مقرر واحد، لذلك فإن العمل الجاد لا بد من أن يكون دأبي حتى وإن كان دأب الآخرين غير ذلك.

اشتركت مع أخي قصي في دراسة مادة الفلك، وقضيت في دراستها ما استطعت من الساعات والأوقات، في الوقت الذي كان قصي مندمجا مع حاسبه المحمول غير مكترث بالفلك أو ما سواه من المقررات.

المواد الأخرى أيضا كنت مستعدا لها بما استطعت، وبذلت فيها ما شاء الله لي أن أبذل، حتى قدمت جميع الامتحانات وبقي الأخير، الذي كان في مساء يوم الأثنين، 5 يناير 2004، دخلت إلى قاعة الامتحان بروح متفائلة، أفكر فيما بعد الامتحان، أنهيته بسرعة ثم قمت بتسليم الورقة، لم أستطع كتم سعادتي، خرجت من القاعة لأجد أخي قصي في انتظاري، كان أول المهنئين، اتصلت بالوالدة لأسمعها خبرا انتظرته طويلا، وطالما رفعت كفيها لتدعو لي بالتوفيق، لمثل هذا اليوم كان دعاؤها، والحمد لله أن يسر لي إسعادها بهذا الخبر.

اتصالات المهنئين لا تنقطع، لا أستطيع ذكرهم جميعا ولكني أقدم لهم أجزل كلمات الشكر اليوم وبعد أربع سنوات من التخرج، وليعذرني كل الأحبة على تأخري في ذلك.

بعد ذلك الامتحان، قررنا أنا وأخي قصي أن نقضي يومين آخرين ما بين العين ودبي، ألم فيهما حاجياتي وأودع أصحابي وإخواني، ممن كانوا لي إخوة التقيت بهم في أرض لم أكن أرسم لوجودي فيها صورة، ولم أظن أنني سأقضي فيها حقبة مهمة من حياتي كالتي انتهت مؤخرا.

قضينا يومينا وكان التوجه بعدهما إلى المطار لأعود بعدها إلى البحرين، في يوم لا ينسى، بعد أربع سنوات من الدراسة الجامعية، عدت إلى البحرين ومعي الشهادة الجامعية، ومعي غير الشهادة أروع الذكريات وأطيب المشاعر لتلك المدينة التي عشت فيها أياما وليالي كان بعضها عصيبا وبعضها الآخر من أسعد أيام الحياة، عدت إلى البحرين شابا غير الذي كان قبل أربعة أعوام يستعد للسفر، الحياة الدراسية والجو الشبابي بالتأكيد يصقل الشخصية بطريقة تجعل المخرجات أكثر إتقانا.

عدت وفي مخيلتي أسماء عديدة، ابن صديق، وبهجت، الكروان والمدبر والأشقر ومطلوب، متفائل وعبدالجبار وساهر ومدحت، أيسر ومرزوق وزين وابن الأشراف، عبدالرحيم وعاشق الشاي وشاعر جو، لقمان وقصي وطوقان وفرحان، هداف وعهد وعباس، بوراشد ونوح وحنيف وكرار ولبيب، إخواننا من الإمارات الشقيقة راعي السيفيك وأبو هناد وأبو شهاب وشركان وأبو سيف، التوأمان المريخيان من قطر والسعديان وأخي الحبيب أبو جابر من سلطنة عمان، كنز من المحبة التي ربطتني بكل هؤلاء، رجعت به لأحفظه في داخلي حتى الرمق الأخير من حياتي.

عدت إلى البحرين، أستقبل التهنئة من كل محب وأخ وعزيز، عدت وانخرطت في حياتي الجديدة بعد التخرج، ولازالت الفيلا 40 في ذاكرتي، بيتي الثاني الذي آواني فيما مضى، الفيلا 40 التي أحببتها لما كان فيها من طيب الذكرى، أحببتها حبا لمن عاش فيها من خيرة الأحباب، ولكل من زارها مودة لساكنيها، من أجل كل أولئك وحبا فيهم، كانت.. “طيوف الذكرى”.

بو ياسر

حرر في 18/2/2008

نشر في 24/2/2008

**********

******

**

~ تمت بحمد الله ~

طيوف الذكرى

.: ما بعد الذكريات :.

خاتمة مسلسل طيوف الذكرى الذي استمر لمدة أربعة أشهر على المدونة

.: بعد التخرج :.

الشخصيات التي أوردت ذكرها، الأحباب الذين لم تحل الذكريات إلا بهم، جميعهم يعرفون ويذكرون أنني كنت في أيام الدراسة ملولاً متذمراً، أحصي الأيام وأعدها عداً في انتظار يوم التخرج، بل كنت أعدها حتى في انتظار يوم أعود فيه إلى البحرين ولو كانت العودة لقضاء إجازة نهاية الأسبوع.

لكن شيئاً من المشاعر الدافئة التي لا يسري مثلها إلا في قلب المحبين، بدأ يسري في داخلي، يرسم حباً صادقاً للمكان الذي قضيت فيه أروع سنوات الحياة، لا زلت أذكر في آخر أسبوع لي قبل التخرج، أن ألماً داخلياً بدأ ينتابني، وكأنني أتمنى توقف الأيام عن السير، لكي لا تنتهي تلك الحياة السعيدة برغم كل ما فيها من المصاعب والغربة.

بعد سنة من التخرج تقريباً، عدت إلى العين لحفل التخرج الذي تقيمه الجامعة سنوياً، والتقيت من جديد مع زملاء الدراسة ورفاق الدرب، كان يوماً سعيدا وكانت لحظات أشبه بتلك التي نراها في الأحلام.

في الفيلا 40 كان اجتماعنا من جديد وكان استرجاع الذكريات والأحداث السعيدة، كنت أتمنى أن أنزع عن نفسي ثوب الموظف الحكومي الذي يكرر المشهد ذاته يومياً، لأرتدي من جديد ثوب الطالب المغترب، الذي يعيش حياته بنظام متقن ويقضي أوقاته بخطط مرسومة، من أجل هدف منتظر، يعرف جيداً متى يكون تحقيقه.

الفيلا 40، بحيويتها وحياتها، هي ذاتها لم تتغير، وإن تغير روادها، وإن تغير مظهرها، فإن جوهرها لم يتغير.

.: عودة بعد عام آخر :.

بعد عام آخر زرت العين من جديد لأجدد عهد الوفاء، لأشم نسيم الذكريات، وأنشق عبيره الفياض، ولكن دربي لم يكن للفيلا 40، وإنما كان لسكن آخر انتقل إليه الشباب بعد أن قررت إدارة الجامعة التخلي عن سكن المرخانية الذي كان مستأجراً، وإعادته إلى أصحابه بعد سنوات من تأجيره.

استيقظت من النوم في صبيحة يوم من أيام تلك الزيارة، ووجدت السكن خاليا من الشباب، كل في محاضرته، فقررت الذهاب إلى المرخانية-1 لأرى ما آلت إليه الأمور هناك.

دخلت السكن من بوابته، لم أجد رجال الأمن عند البوابة، ولم يدقق أحد النظر في وجهي، كما أن الحاجز الذي كان يسد البوابة لم يبق منه غير قاعدته الإسمنتية، دخلت أكثر، فوجدت النادي الاجتماعي على اليمين قاعاً صفصفا، لا أثر له، واصلت السير وتخيلت “بشيراً” يركض إليّ منادياً “فدّل فدّل” أي تفضل، ولكنني لم أجد أي أثر لبشير ولا لكافترياه، دخلت أكثر، فلا المسجد قائم ولا المصلون يؤمونه، ولا المطعم عامر ولا النادي، ولا حياة لمن تنادي، السكن الذي لم يكن يخلو يوما من الطلاب والعاملين، أصبح اليوم مهجورا، لا تسمع فيه إلا صفير الرياح تلفك لتقف في وسطها كالغريب.

توجهت ناحية الفيلا 40، ألتفت يمنة ويسرة لعلي أجد ما يحيي الفؤاد بشيء من الذكرى، فما وجدت شيئاً يشير إلى الحياة، أمام الفيلا 40 توقفت، بدأت أتأملها، أغمضت عينيّ قليلا لأسترجع، سمعت، المدبر ينادي الكروان، ومدحت يستعجل متفائل للتبكير إلى المسجد، صوت الأحبة في الملعب ومباراة ساخنة، العلم الأحمر يرفرف على الشرفة، أيسر يطل علي من الأعلى ويشير إلى الأرنب الهارب، طالبا مني أن أرجعه إلى داخل الفيلا، لقمان يمسك كتابه عند باب الفيلا ويبتسم، فأرد الابتسامة، يقول لي أنه يوشك أن ينتهي من الدراسة لنخرج إلى السوق معاً، الشباب جميعاً يستعدون للذهاب إلى لعبهم الأسبوعي والجميع عند مدخل الفيلا كل يهدد الآخر بالهزيمة.

فتحت عيني فوجدت الفيلا وحدها، لا حبيب ولا أنيس بجوارها، تقدمت إلى المدخل ولا أسمع إلا صوت الرياح، على الباب وجدت ورقة بأمر الإخلاء، حاولت فتح الباب ولكنه كان مقفلا، من الناحية الأخرى للفيلا حاولت الدخول، كان باب المطبخ مفتوحا، الغرفة رقم 3 أمامي، أسمع صوت الأخ شاعر جو يردد شيئا من قصيده الممتع، أمعنت النظر فإذا الغرفة جدران فقط ولا شيء غير الجدران، إلى السلم كان توجهي، بصمات الأرجل التي وضعتها بنفسي على عتباته لا تزال موجودة، أذكر الأخ مدحت عندما أثنى على الفكرة في الفصل الأول لي، وقال: يبدو أن طالبا مبدعاً جاء إلينا، صعدت إلى الأعلى وكان باب الغرفة-5 مفتوحاً، دخلت إليها ولم تكن الحياة تدب فيها كما كانت، لم أجد أيسر على سريره واضعا سماعة على رأسه قبل النوم، ولم أجد لقمان عند حاسوبه يعد بحثا، كما لم أجد في زاوية الغرفة الأخ قصي مندمجا مع حاسبة المحمول، لم أجد إلا الذكريات، على باب الغرفة مكتوب اسمي واسم قصي، واسم نوح من بعد اسمينا، مفتاح الكهرباء لا يزال شعار البحرين يزينه، على الجدار أعلى المفتاح قليلا، كلمات كتبتها للذكريات: “ذكريات.. غريب الدار، شتاء 2003” عندما كنت أقضي شهر التدريب العملي في العين.

العشب الذي كان أخضر أصبح مكانه مجمعا للقمامة والأنقاض، المدخل الذي كتبنا أعلاه “أهلا وسهلا” لم يعد يستقبل الضيوف، لأن المكان – أقولها وكلي أسف – أصبح مهجورا، ولم يعد يرتاده أحد، غير أنني عند خروجي من الفيلا، وجدت عاملا آسيويا يقف أمامي قائلا: “خلاص أرباب، نفر كله روح”.

لم أجبه بأي كلمة، لأنني أعلم أن البشر ربما يتركون المكان ليرحلوا إلى غيره، ولكن كيف لهم أن ينسوا أياما من عمرهم كانت في هذا المكان، كيف لهم أن ينسوا أن هذا المكان كان ملتقاهم، ومحلهم، ومستقرهم، وملفاهم في يوم من الأيام، عندما أغمض عيني وأتذكر، أسمع أصوات الشباب وأحاديثهم، مزاحهم ولعبهم، تهانيهم في الأفراح، وتعازيهم في الأتراح، هل مثل هذه الذكريات تنسى؟ هل تستحق الفيلا 40 أن تطويها صفحات الزمان لتذهب في ملفات النسيان؟

إن كنت قرأت الذكريات وعشت أجواءها، ستعلم بالتأكيد أيها القارئ الكريم، أن النسيان، لن يطوي صفحاتنا، وأن الذكريات وإن رحلت أيامها، فإنها ستبقى على مر السنين.

بو ياسر2 ديسمبر 2007

**********

******

**

.: بعد الذكريات :.

إخواني الأحباب، بعد أن انتهينا من سرد الذكريات التي استمرت أربع سنوات، بفصولها وأشهرها، بحلوها ومرها، بكل ما فيها من أحداث، أحببت أن أشكر جميع الإخوة على تفاعلهم ومتابعتهم، وعلى سؤالهم الدائم وحرصهم على التواصل.

ردود الأفعال لم أتوقعها مطلقا، ولم أتوقع أن يتابع الموضوع أحد، ولكن يبدو أن رواد المدونة قد كثروا وأصبح لزاما علي أن أستمر.

الأخ ساهر كان أول المتابعين، وقد كان يتصل بي حال قراءته التحديثات، ليذكر لي رأيه وانتقاده الذي كنت أستفيد منه كثيرا في الحلقات التالية، كثيرا ما كان يذكر لي المواقف والذكريات الأخرى التي لم أعشها بحكم اختلاف مكان السكن.

الأخ شاعر جو تأخر في دخول المدونة بسبب ظروف عمله، حتى اتصل بي مرة وعبر لي عن سعادته بالموضوع، وأخبرني أن عيناه لم تستطيعان حبس الدموع عندما ظهرت له صورة الفيلا 40، ليس البنيان هو المبكي، ولكن ما كان داخله من الذكريات.

الطريف في الموضوع أنه عندما كان يقرأ الحلقات الأولى وصل إلى لقائي الأول به والذي ذكرت فيه عن رغبته في الزواج من لبنانية، كانت شقيقته تشاركه القراءة فتسبب الموضوع في إحراج بالغ له.

الأخ متفائل الذي عرفنا عنه قوته وعدم تعبيره عن المشاعر عموماً، قال لي أنه أوشك أن يبكي عندما قرأ الموضوع، لم أستوعب هذه الأعجوبة بصراحة ولكن الذكريات أعمق من كتم الأحاسيس.

الأخ مطلوب اتصل بي وأثنى على الموضوع، ولم أكن سمعت صوته لأكثر من سنة، سعدت جدا بمكالمته وكانت دافعا قويا لي للمواصلة.

كما أود أن أشير أن الأخ مطلوب كان سببا رئيسا في انتشار المدونة فقد أخبر الشباب عن الموضوع وحثهم على قراءته، فله مني كل تحية وشكر.

الأخ مدحت اتصل بي ذات صباح ولم أعرفه لأن اتصاله كان من رقم المكتب، كان يتكلم بلهجة مصرية، عرفت أنه شخص يريد المزاح فواصلت معه حتى ضحك، وقال لي: أما وجدت لي اسما أفضل من “مدحت”؟

ثم تبادلنا الأحاديث عن أروع الذكريات وتمنينا لو عدنا للعيش في العين مع تلك الصحبة الرائعة.

الأخ الكروان عرفته سباقا دائما للتعبير، ولكني افتقدت اتصاله، فاتصلت له وأخبرته عن المدونة، ثم اتصل لي بعد ساعات وأخبرني أن عيناه غرغرتا بالدموع ولم يستطع كتمها، وبدأ يسألني عن الشخصيات وشجعني على المواصلة.

الأخ لقمان، كان مرجعا أساسيا لي لأنه كان معي في أغلب المواقف والذكريات، فكنت كثيرا ما أتصل به للتأكد من زمان الموقف أو للتأكد من الأشخاص، وكثيرا ما كان يذكرني بمواقف كنت قد نسيتها.

ابن الأشراف الذي ورد اسمه في بداية الذكريات، والذي كان أخا عزيزاً له منا كل تقدير وإن لم يكن معنا في الفيلا 40، كلمته ذات يوم وأخبرته عن المدونة ووعدني بالدخول إليها، وما هي إلا سويعات حتى عاد فاتصل بي، وأخبرني أنه قرأ الذكريات من الحلقة الأولى وحتى الحلقة السابعة عشرة، في مدة ساعتين تقريبا، ووعدني بمواصلة القراءة حتى النهاية، وألح علي أن نرتب لقاءً يجمع الإخوة بعد كل هذه الحقبة التي أشبعت تقصيرا.

أخي قصي لم أسمع منه غير اعتراض على الاسم الذي اخترته له، وقد حاول المتابعة قدر إمكانه دون جدوى بسبب ضغط العمل.

الأخ بو همام له تحية خاصة مني على متابعته لمواضيع المدونة منذ إنشائها، وسؤاله عن بعض التفاصيل التي لا تشير إلا إلى اندماج وانسجام تامين مع الموضوع، أشكره هنا أمام الجميع وأدعو الله أن يجمعنا به مجدداً.

أما أخي أبو مسلم، فقد تابع الموضوع من البداية وشجعني على المواصلة بطريقته الخاصة، لعلي أكشف عن طريقته في المستقبل بطريقتي الخاصة أنا أيضا، أو أن أشكره وأتقدم له بما لا يمكن أن يوفيه حقه من التقدير.

الإخوة جميعا.. أشكركم.. وأتمنى ألا يكون لتواصلنا نهاية.. وأشهد الله أني أحبكم جميعا في الله.

أخوكم بو ياسر

انشر الرابط

اترك تعليقاً

اسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني