● جـبـروت ●

jabaroot.jpg

 

يخبرني أحد الثقات من أصحابي عن مشهد رآه في أحد المطاعم، ولولا أني ما عهدت على صاحبي هذا كذبا، لقلت أن قصته مكذوبة ملفقة بكل ما حوت من تفاصيل.

اجتمع صاحبي مع مجموعة من أقرانه في مطعم ذات ليلة، وانشغلوا بأحاديثهم ثم بوجبتهم، ولم يقطع ذلك الانشغال، إلا ضجيج هز المكان، فالتفت الجميع ناحية الصوت ليجدوا أحد الزبائن، وقد بدا عليه أنه ابن عائلة من أولئك الأكابر الذين لا يسمحون أبدا بمعارضة أذواقهم وأمزجتهم، كان ذلك الزبون، أو ذلك المتجبر المتكبر، يضرب النادل الآسيوي ضربا لا رحمة فيه ولا شفقة، وقد حجزه في زاية المطعم دون اكتراث لكل من حوله من الناس، ولا عجب في ذلك، إذ لم يجد ذلك المسكين من رواد المطعم من ينكر استضعافه ولو باللسان.

ثم انصرف الكبير ابن الأكابر من المطعم وزمرته من خلفه، ولا أظنه دفع الحساب بعد كل ما بان منه، سأل صاحبي أحد الموظفين عن سبب ما حدث، فكان السبب تافها تفاهة المستسب، لقد طلب عظيم زمانه نوعا من الخبز ولكن النادل أحضر له نوعا آخر.

استصغار الآخرين، واستعظام النفس، جرمان لا يعاقب عليهما القانون، ولكن يعاقب عليهما الدين ولا يرضاهما ذوو النفوس السوية، ولا يرضاهما رب العالمين، الذي تفرد بالجبروت والكبرياء وجعلهما صفتين لا تنبغيان إلا له سبحانه، ومن أراد أن ينازعه فيهما آذنه بالحرب والويل والعقاب.

لو تواضع ذلك السيد، وكرر طلبه ليحظى بما أراد، أكان في ذلك إنقاصا من قدره؟ ولو أنه قبل بما أُحضِر له وأسمع الموظف كلمة طيبة تلاها بابتسامة متواضعة، أما كان في ذلك صدقة يثيبه الله عليها، ولربما أسعدت ذلك الموظف، المغترب المسكين، فسرّت عن قلبه وهونت عليه شيئا من ذل الحاجة وهم الغربة.

نحن، وبرغم الظروف التي تتردى بنا في كل يوم، نعيش اليوم رفاهية كتبها الله لنا، وربما علينا، بعد الثروة التي تفجرت من حولنا فأصبحت بلادنا ومنطقتنا في غنى ويسر، ولأن الله قسم الأرزاق ووزعها، فإن هذا الرزق كان من نصيب هذه البلاد وما حولها، وفي داخلها تفاصيل أكثر، فالرزق مقسم على الأفراد أيضا ولكلٍ نصيبٌ يختلف عن الآخر، فالفقير له عيشه، والغني له عيشه، والكل في النهاية ابن هذه الأرض، ومن يدري، فقد يدور الزمان وينقلب الحال، فنعمل عند غيرنا كما يعمل غيرنا اليوم عندنا، عندئذ، تتوزع الفرص من جديد، فيجد المظلوم فرصته للنيل من ظالمه، ويبرز عهد جديد من الظلم والجبروت، نكون نحن الضحايا فيه.

12/10/2010

انشر الرابط

اترك تعليقاً

اسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني