الإيـــمـــان

مسجد الإيمان - حالة بو ماهر

لا يقصد الزوار ذلك المَعلَم أبداً، ولا يعرفه غير جيرانه ومن كان له في نفوسهم شيء من الذكرى، منذ سنين يقطن في مكانه المعهود، بين الأزقة والأحياء القديمة، صامتاً، هكذا دأبه، يمر بجواره كل أطياف البشر، العابدون الحامدون، والسكارى الضائعون، النساء بزينتهن، وأخريات بخُمُرهن، الأطفال على دراجاتهم، وآخرون مشياً على أقدامهم، العرب والعجم، الجادون، والمستهترون، تتعدد الأطياف من حوله ويبقى هو بهويته الإسلامية العزيزة، رغم مر السنين.

أهلكت السنون أطرافه وأركانه، حتى سُمع أنينه يوماً، واشتكى هجر أحبابه، وأبى أن يعاتبهم، عزيز النفس هو، هكذا أتصوره دائماً، بقي مطرقاً رأسه، واجماً ينتظر، تغيّر زواره وتبدل أصحابه، مهلاً.. لن أسرف في مجاز الحديث أكثر، إنه لم يكن يوما ذا شعور، ولم يشتك الهجر ولا التقصير أبداً، ولكني وضعت نفسي مكانه فاشتكيت عنه، وتمنيت لو كان له صوت فيُسمِعناهُ، عندئذ ربما نعطي كل ذي حق حقه، وإن كان جماداً.

مسجد الإيمان، ذلك المسجد الذي عرفته منذ صغري، القابع في الحالة، نعم في الحالة التي لا يعرفها إلا أهل البحرين اسماً، ويعرفها أهلها حق المعرفة، ذلك المسجد الذي جمع أهل الحالة منذ سنوات على خير ما اجتمع عليه الناس، كان لهم ملتقى ومجلسا ومنزلاً، علاوة على كونه مسجد الحي، الذي ينتظر الفرد منهم نداء الصلاة ليلبيه، وليلتقي بأهل الفريج الذين هم أهله وعزوته.

لست من أهل المنطقة تلك، ولم أكن يوماً كذلك، ولكن علاقتي بذلك المسجد أكبر من أن أكتبها هنا، غير أنني كلما تذكرته، أغمضت عيني، فتخيل لي المكتبة بسجادها الأخضر، وجمع من الصغار يرتلون بأروع الألحان، وأستاذهم يتوسطهم، كل منهم يسابق الآخر للفوز بالتسميع أولاً، أولئك الصغار الذين يديرون دفة العمل اليوم في أعرق مراكز التحفيظ بالبحرين، أغمض عيني فأتذكر المصلى بسجاده الأحمر ومحرابه الصغير، ورواد المسجد يتحلقون كل ليلة في رمضان وفي غير رمضان، تجمعهم ألفة ربانية، وكيف لا تكون كذلك وما جمعهم عليها غير بيت الله تعالى؟

مسجد الإيمان، صفحات من الذكريات الجميلة، يستحق أن أفردها له في كل مرة أهفو للحديث عن الذكريات، رغم رحيله ببنيانه القديم، رغم رحيل المكتبة بما حوَت، رغم رحيل أهل الفريج عنه، وتبدلهم إلى أهلين آخرين، رغم كل شيء، ها هو مسجد الإيمان يعود في مكانه من جديد، ولا يزال عبق الذكريات يعطر أركانه، ولا أشك لحظة، أن مسجداً في كل منطقة وحي، له مكانة لا تقل عن هذه التي ذكرت في نفوس أبنائه، ينتظر من يعيد إعماره من عباد الله، من يسارعون إلى الخيرات ويسابقون إليها، فجزى الله من سعى لذلك خير الجزاء، ولا حرمنا الله صحبة الإيمان في مسجد الإيمان، وفي غيره من بيوت الله تعالى.

5 سبتمبر 2011

انشر الرابط

تعليقات

  1. محمد العبدالقادر 13 أكتوبر 2011 at 12:21 ص

    سلمت يمناك يا أستاذنا..
    سيرجع الايمان بإذن الله منارة وصرحا لتخريج الأجيال الحافظة لكتاب ربها وعاملة به بسواعد الشباب الذين تربوا في ربوعه وزواياه..
    ذكرتني برمضان الماضي كم كان جميلا عودة اللقاء والالتقاء بين الأخوة في رحاب هذا الصرح العظيم

  2. دعيج 16 أكتوبر 2011 at 10:48 ص

    بوركت الأنامل بوياسر..
    بالنسبة لي ذكرياتي معه رمضانية بحته..
    أكاد لا أرى المسجد إلا ويذكرني يجو رمضان، روحانيته، قرآنه، قيام ليله، دعائهُ، سحوره، اعتكافه، ختمته، بكاؤه، وحتي ضحكاته وحطاته..

    ان شئت بوياسر طرشت لك صور من رمضان الأخير

    الله يواليك العافية الحبيب

اترك تعليقاً

اسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني