↕ الـمـراقـبـون ↕

 

في مواسم الامتحانات المدرسية والجامعية، وبقرار داخلي مدرسي أو جامعي، يتحول المعلمون والدكاترة جميعا إلى “مراقبين” على سير الامتحانات في قاعة الامتحان، ووظيفة المراقب كما نعلم جميعا ليست اكتشاف الطالب المنضبط، ولكنها معرفة المخالفين من الطلبة، وبالتالي إحالتهم إلى إدارة المدرسة أو لجان التحقيق في الجامعات وما شابه ذلك في سائر المؤسسات التعليمية.

يفهم بعض الناس، والحمد لله أنهم قلة غير مؤثرة في المجتمع، وإن كانت مؤثرة في محيطها، أن وظيفتهم في الحياة مراقبة الآخرين، تماما كما يفعل مراقبو الامتحانات سالفو الذكر، هم يظنون بأن أمرا إلهيا قد كلفوا بتنفيذه، وهو “المراقبة” الدائمة على من حولهم من الناس، فلا يجد أحداً قد تصرف تصرفا ما إلا وكتب في التقارير ونقلها إلى من فوقه من مسؤولي المراقبة، ليحاسب ذلك المخطئ ويؤنب وتتخذ بشأنه الإجراءات اللازمة.

في مجتمعاتنا وبصورة عامة لم أعرف إلا قلة من الناس، يظهرون لنا حين نصيب، ولكني عرفت كثرة من الناس، يظهرون لنا بغتة عندما نخطئ، وقلة قليلة أيضا ممن يظهرون لنا عندما نصيب، هم من يأخذ إنجازنا باهتمام وجدية ويسعى لتنميته وتطويره حبا لنا، ورغبة في تشجيعنا، فيما يمر الآخرون عليه مرور الكرام لأنه ببساطة، لا يستحق وقفة أيا كان الإنجاز، ولكن الأخطاء، جميع الأخطاء، تستحق وقفات التوبيخ والتأنيب، وربما ساعات من المعاتبة والتقييم السلبي، ناهيك عن العقوبات والهمز واللمز.

مؤسف جداً أن يكون مجتمعنا كذلك، ولكنها الحقيقة المرة، وما طرحت أمرها إلا لمواقف تعرضت لها مرارا، وتجرعت فيها مرارة هذا الشعور.

شبابنا، هم أعمدة المجتمع الذي نعيشه، وهم رجال المستقبل الذي سيعملون على تربية أبنائنا، هم وزراء وأطباء ومهندسو وعاملو المستقبل الذي تنتظره البلاد، وليسو أطفالا كما ينظر إليهم دائما، لسنا أطفالا كما ينظر إلينا آباؤنا حتى اليوم، وينظر إلينا بنو جيلهم، شبابنا، يحبون من يحبهم حق المحبة، وسيكرهون بطبيعة الحال من يكرههم ويسيء التعاطي مع تصرفاتهم، وسيتحدثون عنه في المستقبل لأبنائهم ولمن حولهم، فإما أن يسبغوا عليه الرحمات، وإما أن يصبوا عليه اللعنات.

أتمنى في مجتمعنا أن نراقب المنجزات ونقدرها ونقيمها وننميها، ونشيد بأصحابها ونشد على أيديهم، ونسعى جاهدين لكل ذلك بهمة وإخلاص، كما يراقب أولئك المراقبون الكثر زلاتنا وسقطاتنا، فيظهروا لنا من سباتهم المعهود، بأوراقهم ومستنداتهم شاهرين في وجوهنا تقييماتهم التي لم تكن يوما ذات أهمية لنا، بأعينهم التي تدور يمنة ويسرة خشية فوات ما يستحق الاصطياد هنا وهناك، هؤلاء الناس، سيرحلون يوما ولن يجدوا لهم بيننا مكانا، إن عملنا نحن على الإنجاز والعطاء، وتشجيع الآخرين، سيتبدل مجتمعنا كله عندئذ، وسيكون هؤلاء، بيننا هم الدخلاء.

26 نوفمبر 2011

انشر الرابط

تعليقات

  1. عمر الحمر 23 ديسمبر 2012 at 4:21 م

    مقال متميز أخي عمار كعادتك

    أبدعت في اختيار العنوان والاستشهادات وفي سياق الموضوع

    أحييك على ما قدمت وان شاء الله يكون ما كتبته في ميزان حسناتك أخي الحبيب

    وفقك الله لكل ما يحب ويرضى ..

  2. عبدالرحمن الزياني 23 ديسمبر 2012 at 11:32 م

    يعطيك العافية .. تدوينة في الصميم صراحة..

    ذكرتني بمقولة ل الطليان اعتقد:
    ان الاجانب ليسوا بأذكياء و نحن أغبياء ..
    بل انهم يدعمون الفاشل لينجح و نحن نحارب الناجح ليفشل !

  3. راشد اسحاق 24 ديسمبر 2012 at 10:51 ص

    دائما تتحفنا بأسلوبك الجميل .. بالتوفيق و إلى الأمام

  4. حمد نجم 25 ديسمبر 2012 at 12:50 م

    طرح متميز للفكرة كعادتك بوياسر
    الأدهى والأمر أخي الحبيب، عندما يكون الخطأ منك تلقى ما تلقى مما ذكرت في المقال، وإذا كان الخطأ نفسه من (( البعض الآخر )) فعذره مقبول !! بل ويُبَرر عنه ما بدر منه !!
    الله المستعان 🙁
    ننتظر جديدك المتميز 🙂

  5. عبدالله المحميد 28 ديسمبر 2012 at 8:42 م

    كلام حلو و جداً منطقي! حبيت الأسلوب و طريقة السرد و ان شاء الله نشوف الجديد دائماً منك أخوي و عزيزي عمار

اترك تعليقاً

اسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني