لستُ سيّئا

في مكالمة هاتفية طالت بعض الشيء، كان يتحدث باسترسال وحرقة، مر على تلك المكالمة أكثر من ثمانية أعوام، ولا تزال تفاصيلها في بالي، ليس لأهمية المكالمة، ولكن لأنه ضمّن حديثه كلمة، لخصت المحادثة كلها، وجعلتها عصية على النسيان.

صديقي، قليل الكلام كثير العمل، لا تجده إلا مبتسما، شديد الحياء، لا يستطيع أن يرد طلبا لأحد، يحسن المجاملة ولو على حساب نفسه، ولا يجد في ذلك بأسا طالما يسعد الأمر الآخرين، غير أنه اضطر مرة، في موقف يعتبره صعبا ولا أعتبره كذلك، إلى الوقوف بقوة للدفاع عن شقيقه الذي تعرض للإساءة من بعض من كانوا أصدقاء له، وقف صلبا ورفض بقوة تلك الإساءة، ما توقع أولئك منه أن يقف بتلك الصلابة وذلك البأس، كان عهدهم به أن يكون طيبا لينا، ولذلك أمنوا جانبه وتجرؤوا على أخيه، أخيه الذي لم يكن يخفى عليهم أن أخاه، صديقهم!

تمادوا وفجروا في الخصومة، مع الأخ وأخيه من بعده، أصبح حديثهم – بمناسبة وغير مناسبة – ذلك الأمر، يتحدثون فيهم عند القريب والبعيد، حتى بلغ الأمر درجة مقززة، لم يكن الخلاف يستحق منها شيئا من الأساس.

كان مستاء جدا أثناء المكاملة المذكورة، وفي خضم حديثه، ألقى كلمة لا أظنه قد استعد لها، وقفت معها للتفكير طويلا، وأخذت الموضوع بحزم بعد أن كنت مجرد مستمع، أستمع له فلا أعلق، وأستمع لهم فلا أعلق، ثم أدعو الله أن ينتهي الخلاف عاجلا فأستريح من هذه السجالات غير المنتهية.

لست سيئا بقدر ما يصفون! هل تصدقني؟“، كان تصديقي بالنسبة له مهما، لم يكن يريد أن يخسرني، لم يرد أن يراني ضده، لم يحاول أن يجعلني في صفه، ولكن كان يكفيه إدراكي أنه ليس سيئا، قلت له: أصدقك طبعا، وأعلم أنك لست سيئا، أعرفك منذ أعوام طوال، تكفي لتجعل معرفتنا ببعضنا عميقة جدا، أنا لا أشك في حسن نواياك، اطمئن.

لست سيئا“، قد أخطئ وقد يبدو لك أنني أخطأت، ولكن ذلك المعيار لا يصح في كل الظروف والأحوال، فلا تحكم عليّ بالسوء لموقف عابر.

لست سيئا“، إنما نتوارى جميعا تحت أستار أسدلها الله علينا، نلوذ به كلما تعثرت أقدامنا في أوحال الظلم والغي، فيجود، ويرفع عن قلوبنا أقفالها، ومن يدري، ربما غفر لنا كل ما كان، وأبدلنا به خيرا وفضلا، هو الحكم، فمن يجرؤ على “الاستئناف” أمام حكمه؟

لست سيئا“، سواء عليّ أكنتم مصدقيّ أم غير ذلك، عبد من عباد الله، أقدّر فلا أوفّق، وأجتهد فأخطي، أحاول فلا أفلح، أسعى، فيخيب السعي، كل ذلك سيكون تكوينا لنجاح قادم أو وصول منتظر، لا أسهل من إطلاق الأحكام دون برهان، ولكن، كل ذلك في كتاب.

لست سيئا“، ولكن، “من ذا الذي ما ساء قط، ومن له الحسنى فقط؟”

لست سيئا” أنا، ولست سيئا أنت، نختلف في الرأي وقد نكون مصيبين معا، أو مخطئين معا، “ألا يستقيم أن نكون إخوة، وإن اختلفنا”؟

15 يناير 2020

انشر الرابط

اترك تعليقاً

اسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني