إمامٌ

هل صليت يوما خلف إمام، وددت – لعذوبة صوته وخشوعه وحسن تلاوته – لو يسترسل في التلاوة فلا يتوقف، مهما طالت صلاته؟ هل تذوقت حلاوة الصلاة خلفه وتمنيت لو كانت صلاتك دائما بتلك الحلاوة والحضور والانتباه؟

هل لاحظت يوما، كيف يبحث الناس في رمضان خصوصا، عن ذلك  الإمام الذي يحبّر الآيات تحبيرا، ويعطيها حقها في التلاوة والأداء، فيأخذنا بتلاوته إلى عالم روحاني فريد، نستشعر فيه معاني الآيات ونتأملها فندرك من أسرارها ما لم ندركه من قبل؟

إن كنت قد وجدت من الأئمة من وفقه الله لمثل ذلك، فتأمل معي قليلا، كيف كان حال الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وهم يصلون صلواتهم جميعها خلف النبي صلى الله عليه وسلم، يستمعون إلى الآيات، يرتلها كما سمعها من جبريل عليه السلام، وربما، سمعوا منه عليه الصلاة السلام، من الآيات ما أُنزل عليه الساعة، فتعلموا منها حكما أو استمعوا فيها أمرا، فامتثلوا له حالا وأذعنوا إليه فورا، ثم انقضت الصلاة، فتحلقوا من حوله، كل منهم يلتمس كفه الطاهر، يريد منه دعوة أو كلمة أو مجرد نظرة، يسعد بها قلبه سائر اليوم، بل تسعده سائر العمر.

كيف حالهم، رضوان الله عليهم، وهم يسعون للمسجد، يعلمون حق العلم، أن إمام المتقين وسيد المرسلين وخير خلق الله أجمعين، يؤمهم في صلاتهم، فإن قال لهم “استووا”، سووا صفوفهم وامتثلوا، وقلوبهم عطشى لآيات الله، يتلوها عليهم رسوله الكريم، يقرأ: “يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول”، فلا تنقضي الصلاة، إلا ولسان حالهم جميعا، سمعنا وأطعنا، يصدّقون ذلك بأفعال يثبتونها كل يوم، بقرب النبي صلى الله عليه وسلم، ويشهدونه على طاعتهم وحبهم وامتثالهم.

فرغ من صلاته – عليه الصلاة والسلام – ثم أقبل بوجهه الكريم على أصحابه وهو يقول “رب قني عذابك، يوم تبعث عبادك”، وتبع ذلك بما تيسر من ذكر الله، والصحابة رضوان الله عليهم خلف إمامهم، يسمعون منه ما يقول ويحفظون عنه، وإذا بخدم المدينة يأتون إليه، وبأيديهم أقداح الماء يلتمسون البركة من يده، فما يؤتي بإناء إلا غمس فيه يده الشريفة، كل ذلك، والصحابة ينظرون، فأي سعادة قد تغمر القلب أكثر من تلك السعادة؟

سبحان الذي أسرى به ليلا من المسجد الحرام، إلى الأرض المباركة في الشام، في ليلة نام فيها القوم جميعا، واختص الله فيها لنبيه صلى الله عليه وسلم هدية لا مثيل لها، رحلة بل معجزة، يثبت بها فؤاده في خضم الابتلاءات والعذابات، فإذا به والمسجد الأقصى المبارك يفتح له أبوابه، يدخل إليه، يصلي فيه بأمر الله تعالى إماما، فمن المأمومون وقد نزل بساحة الأقصى وحيدا؟ المأمومون، خير خلق الله من بعده، يبعثهم الله إكراما له، يقفون صفا من خلفه يكبرون إذا كبر، ويركعون إذا ركع ويتبعونه في سجوده وقيامه، الأنبياء جميعهم من لدن آدم عليه السلام، وإبراهيم الخليل، وموسى الكليم، الأنبياء من عرفنا منهم ومن لم نعرف، عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، تأمل وافتح لمخيلتك أبوابها، الإمام، محمد صلى الله عليه وسلم، ومن خلفه الأنبياء جميعا، بجلالة أقدارهم التي نتلوها في القرآن الكريم ونرددها، أي شرف عظيم وقدر وفخر، خص الله به محمدا صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة!

أما المكان، فشأن آخر، وما يعجز الله – حاشاه – أن يبعث الأنبياء مصلين خلف النبي في مكة مثلا، أو في غيرها من البقاع، ولكنه اختار أرض الأنبياء المباركة، ليزيدها شرفا على شرفها، وقد وطئت ترابها أقدام الأنبياء على مر الزمان، فكأنها تمنت لو مر في أرضها خاتمهم، فأكرمها الله بما تمنت، وجاد عليها بالإسراء إليها والمعراج منها، وبالصلاة فيها إماما للمرسلين، فسلام على النبي محمد في العالمين، وسلام على المرسلين، وسلام على أرض الأنبياء الطيبين.

2 فبراير 2020
انشر الرابط

اترك تعليقاً

اسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني