هدية

كل المشكلات والخلافات التي تحدث بشكل متكرر في حياتنا، لها مفتاح للحل بسيط، خصوصا، عندما تكون بين المقربين من إخوة وأصدقاء وأزواج وقرابات، مفتاحها المشترك هو الهدية، تُجبر بها الكسور، وتُكسب بها القلوب، أليس كذلك؟

شحنات الكراهية في داخل الإنسان الغاضب تنقلب إلى مشاعر حب وامتنان، فلا يخفى ذلك الانقلاب على قسمات الوجه وكأنه سحر، نعم هو بالفعل سحر، تصنع مفعوله الهدية.

غلّف صندوقا ضمّنه أبسط ما تريد، أرفق معه بطاقة أو رسالة رقيقة، وقدمه هدية إلى أي شخص تعرفه أو لا تعرفه، وتأمل سعادته حتى قبل أن يعرف محتوى الصندوق، تفعل الهدايا في القلوب ذلك، بل وتفعل أكثر منه أيضا.

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حث على التهادي ورغب فيه، فقال: “تهادوا تحابوا”، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أجيبوا الداعي، ولا تردوا الهدية، ولا تضربوا المسلمين”. في مجتمع أساس تماسكه المحبة والمودة والسلامة من الأحقاد والضغائن، كانت رسالة النبي الكريم، عليه الصلاة والسلام، أن يعلمنا كل شيء، بما في ذلك التهادي من أجل تماسكنا، بل من أجل راحة قلوبنا واطمئنانها.

أهدى إلي صديق كتابا، لا أعرف مضمونه ولا يسعني أن أعرف، كتاب اشتراه من بلد لا يحسن هو فكّ لغته وبالتأكيد لا أحسن ذلك، ولكن تصميم الكتاب أعجبه فأحب إهداءه لي، وأرفق مع الهدية بطاقة، كتب فيها: “إن عزمت على إصدار كتاب خاص بك يوما، فقد يعجبك تصميم هذا الكتاب، تقبل هديتي، هنا أهديك تصميما، لا كتابا”، لا أزال أحتفظ بالكتاب وبالبطاقة رغم مرور خمسة عشر عاما على ذلك اليوم، لا أستطيع وصف سعادتي بالهدية، رغم أن الكتاب لا يُقرأ، ولكن، مفاد الرسالة المرفقة كان عظيما عندي، صديقي كان يؤمن بي جدا، لم يذكّره تصميم الكتاب الرائع إلا بشخص واحد، هو أنا!

تربّعت (شهرزاد) على عرشها المرصع بالزمرد في باحة القصر، وأمرت الجواري بفتح أبواب القصر للزائرات من الأهل والأصدقاء والجيران، إنه يوم الاستقبال المنتظر بمناسبة زواجها من الملك شهريار، هي لم تعد في حاجة لزيارتهم، وكيف تحتاج إليهم، وقد كتبت قبل أيام “مرحبا بمليكي الذ أغنى عن الناس قلب أميرته”، إنما أرادت أن يشاهدوا زينتها، وأن تستعرض القصر والجواري، حضر الزوار وامتدحوا الأميرة، وأثنوا على القصر ولا يزال صدى شهقاتهم يملأ المكان، ثم مضوا وتركوا هداياهم المتواضعة عند باب القصر.

قامت شهرزاد بفتح الهدية الأولى، أكواب شاي! إنها بلا شك، مهداة إليهم من قبل، لم يشتروها بأنفسهم! الهدية الثانية، أساور! وهل تنقصني الأساور؟ الهدية الثالثة، إناء من الفضة! أيهدى لمثلي إناء من الفضة! سأعيده إليهم في مناسبتهم القادمة، الهدية الرابعة والخامسة وما بعد ذلك، كل الهدايا لم تجتز التقويم، لماذا؟

ببساطة، لأن شهرزاد لم تدرك معنى الهدية، لم ترفعها إلى قدرها الذي يجب أن توضع فيه، وإنما جعلتها فرصة للمقارنات والتعيير، بدلا من أن تكون علامة المحبة والتواصل، لم تهتم لباقات الورد ولا لبطاقات التهاني التي كانت لتشكل لها مصدرا للسعادة والرضا، لا يمكن لشهرزاد أن تسعد بهدية أبدا.

انتهت المناسبة، وأرجعت شهرزاد عرشها المستأجر إلى المحل، وعادت الجواري إلى مكتب الخدمات، وأُفرغ القصر – قاعة المناسبات – ليستقبل شهرزاد أخرى في ليلة أخرى من ليالي ألف ليلة وليلة.

16 فبراير 2020
انشر الرابط

اترك تعليقاً

اسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني