إيـــوان

 في صبيحة يوم حار ومشمس، كنا على موعد مع أخ ماليزي يدعى إيوان، لم ألتقه من قبل ولم أكن أعرف حتى اسمه، ولكنني تعرفت عليه في ذلك اليوم عندما قررنا أن نبدأ جولتنا في جزيرة “تيومان” ذات الطبيعة الخلابة.

خرجت وأخي بعد الشروق بقليل، لنلتقي إيوان على مقربة من مكان إقامتنا في تلك الجزيرة النائية، صافحنا بحرارة وكأنه يعرفنا منذ زمن، ثم عرفنا بنفسه، وأتبع التعريف سؤالا، أمسلمون أنتم؟ فأجبناه أن نعم، فقال: الحمد لله، فنحن إخوة إذن، ثم انطلقنا في تلك الجولة التي لم نكن نعلم عن مكنونها شيئا، سوى أننا رغبنا في رؤية الشلال الذي سمعنا عنه في تلك الجزيرة، فأبدى إيوان استعداده ليكون دليلنا في تلك الرحلة.

بدأت الرحلة، وبدأ العرق يبلل الجبين، وبدأ العطش يأخذ مأخذه، وإيوان، ذو الثمانية والأربعين عاما، يتقدمنا بروح شبابية فاقت فتوة الفتيان، وعزيمة الشباب.

يلتفت بين حين وآخر، ثم يقول، نستريح قليلا؟ فنأخذها فرصة للراحة، ثم نواصل، كانت أول محطة لنا في تلك الرحلة، عندما توقف إيوان مشيرا إلى الأرض، ليرينا نبتة سمعت عنها من قبل، ولكنها كانت المرة الأولى التي أجد فيها عجيب خلق الله في هذه النبتة، إنها “المستحية”، سميت كذلك لأن أوراقها تذبل مباشرة عند لمسها، ثم تعود إلى طبيعتها بعد فترة، وانطلقنا لنواصل الرحلة.

دخلنا بين الأشجار، أشجار شامخة تجعل الفرد منا يحتقر نفسه أمام عظمة خالقها، وبدأنا نصعد ونصعد، حتى علت أصوات الأنفاس، والشهيق يتلوه الزفير، الحشرات بأنواعها من حولنا من فراش ودبابير وغيرها، وأصوات الطيور تسيطر على الجو، وإيوان يلتفت يمنة ويسرة، حتى ابتسم وقال، ها هي ذي، ثم مد يده إلى غصن قريب ليتناولها، إنها الحرباء، لأول مرة أراها عن قرب، قفزت الحرباء إلى الغصن مرة أخرى وإيوان يضحك، وواصلنا المسير.

أشجار في غاية الروعة، وجذوع في قمة الضخامة، وأنا وأخي نتهامس بين الحين والآخر، ماذا لو لم يكن معنا دليلنا إيوان، كيف لنا أن نعود عندئذ!

بدأ صوت الماء يقترب، التفت إيوان ليبشرنا أننا أصبحنا على مقربة من الشلال، واصلنا الصعود، حتى أصبح الشلال أمامنا، نزلنا وشربنا حتى ارتوينا، وأخذنا نغسل وجوهنا بالماء البارد، بين تلك الخضرة والنضرة، جلسنا نتأمل، ونلتقط الصور، ونتبادل أطراف الحديث، حتى حان وقت العودة.

في طريق العودة، كان إيوان يسترسل في الحديث عن كل ما تقع عليه عيناه من آيات الله في أرضه، هذه شجرة المطاط، انظر إلى هذا الغصن، هنا حرباء أخرى، هذا الغصن يستخدمه الماليزيون بكثرة، انتبه إلى خطواتك، لا تلمس هذه الشجرة، يقف وييشير بيده ويتحدث منطلقا في ملكوت الخالق، حتى وصلنا إلى نهاية الرحلة.

وقف إيوان، والتفت إلينا، ثم قال: عندما أستيقظ للصلاة صباحا، وأفتح نافذة حجرتي الصغيرة، فأرى هذه الخضرة من حولي، وأسمع هدير البحر، والطيور بأشكالها تزيد الكون روعة، وتغريدها يضفي على اللوحة بهجة الألحان، أدرك عظمة الخالق سبحانه، وأزيد إيمانا، بأن الله كبير، بكل ما أنعم علي، وبكل ما جعل حولي من آيات، ثم أشار بيده وقال: من هنا سيكون طريق عودتكما، ثم أرجو المعذرة لأنني على موعد مع مجموعة أخرى لأخذها إلى نفس المشوار!

عدنا من تلك الرحلة بحصيلة من الصور، وكم من الذكريات، كما أننا عدنا مع اسم جديد، إنه إيوان، ذلك الرجل الذي لا يفقه من العربية حرفا، ولكنه كان أبلغ في موعظته من ألف أديب.

بو ياسر
تيومان آيلاند
ماليزيا
6 مايو 2009

انشر الرابط

تعليقات

  1. دعيج 10 مايو 2009 at 12:15 م

    روعه يا بوياسر..
    تسلم يدك .. والله يطول عمر إيوان ويسخر هالرجال لهالدين..
    فعلا رجل ولا كل الرجال..

  2. ● بو ياسر ● 10 مايو 2009 at 2:56 م

    أخي بو عبدالرحمن..

    إنما الروعة، تلكم الرحلة بصحبتكم

    جزاك الله خيرا على التعليق.. للحديث بقية بإذن الله 🙂

  3. بنت الخالدات 11 مايو 2009 at 7:33 ص

    ابن خالتي..

    الحمدلله على السلامه..

    الحمدلله استمتعتوا بالرحله…

    سبحان الله الناس أذواق،عن نفسي مستحيل ابذل كل هالجهد عشان أجوف شلال هالشي مايشدني،بتسألني ليش بقولك ماعرف بس أذواق..

    الحمدلله الله حفظكم من انفلونزا الخنازيروماوصل المرض…

    بانتظار جديدك..

  4. annamir 11 مايو 2009 at 7:53 ص

    …MasyaAllah
    …Best story & journey i ever read from you my brother

  5. ● بو ياسر ● 4 يونيو 2009 at 4:26 م

    Dear annamir
    Thanks for your comment

    it is realy nice to find you here in my blog 🙂

    your visit is highly appreciated bro 🙂

  6. ● بو ياسر ● 4 يونيو 2009 at 4:27 م

    بنت الخالدات..

    حياك الله دائما هنا في المدونة 🙂

    فعلا الناس أذواق، والحمد لله، اتفقنا أنا وبوعبدالرحمن في الأذواق فاتفقنا في البرامج 🙂

    شكرا على المرور

  7. بوصبا 15 يونيو 2009 at 1:10 م

    ما شاء الله مغامرة لا تخلو من الروعة
    جعلتني أتمنى لو كنت معكم وأعرف إيوان أيضا

  8. قسامية 16 يونيو 2009 at 9:12 ص

    ماشاءالله مغامرة رائعة

    كثير مايتكلمون عن روعة جمال ماليزيا لكن ماتوقعتها بهالجمال

    الله يبلغنا ونزورها ان شاءالله

    يزاك الله خير اخوي

  9. محمد 1 أغسطس 2009 at 5:45 م

    رائع جداً
    تسلم يمينك

اترك تعليقاً

اسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني