دعوة

يحصل، أن تستقبل دعوة من شخص ما، لا تعرفه جيدا، أو تعرفه حق المعرفة ولكنك نسيته مع من نسيت من المعارف، دعوة لمناسبة مهمة عنده، كان وجودك فيها بالنسبة له مهما فلم ينس دعوتك، لا شك أن شعورك سيكون مزيجا من الغرابة والسعادة، جميل أنه لا يزال يذكرني، وغريب في الوقت نفسه!

أجمل من ذلك، أن يرفع أحدهم من مستوى دعوته لك، لحضور زواجه مثلا، أو تخرجه، أو مناسبة من تلك المناسبات التي لا تتكرر في الحياة بعد مرتها الأولى، فلا تكون مجرد مدعو عادي، بل، المدعو الأهم، كأن يطلب منك أن تكون الشاهد على زواجه، وقد كنت تظن أنك بالنسبة له شخص لا يختلف عن الآخرين، أو، أن يخصك ببطاقة دعوة لحفل تكريمه، ثم تدرك أنها بطاقة الدعوة الوحيدة بحوزته، شعور رائع وعجيب، أليس كذلك؟

الأغرب من كل ذلك جدا، أن تتلقى دعوة من أحد ما، يخصك بها دون غيرك، لحضور، مراسم إعدامه! بل ويذيل دعوته – مكتوبة كانت أم مسموعة – بأنك الشخص الوحيد الذي يتمنى وجوده يوم إعدامه، ليس انتقاما منك ولا كرها لك، ولكن، لأنه يدعي أنك ستكون الأصدق في ذرف الدموع، هو يؤمن أنك تحبه أكثر مما يحبه غيرك، وأنت، لم تكن تعلم عن (حسن ظنه) فيك، لولا هذه الدعوة!

هذا ما حصل في عام 1989 مع القانوني (براين)، عندما قام موكله (هيربرت) المحكوم بالإعدام، بدعوته لمراسم إعدامه، احتضنه باكيا وقال له: لأني غريب في هذا البلد، لا أهل لي ولا أصدقاء، ولا أجد في الناس من قد يهمه أمري، فإني أرجو منك أن تكون حاضرا يوم إعدامي، رغم كل شيء، سيسعدني وجودك حقا.

Herbert Richardson
شاهد فيلم JUST MERCY لمزيد من التفاصيل

فكر لحظة، كيف ستكون مشاعرك تجاه شخص لم تعرفه سوى منذ أشهر أو عام واحد على الأكثر، كيف ستكون مشاعرك، وأنت في كل مرة تواجهه، تواجه شخصا تعلم أنه سيرحل قريبا، بل، شخصا تضطر للتقرب منه، ليس لإيصاله لتخرجه، ولكن للإيصاله لحتفه!

ما هي الأحاديث التي يجب أن تدور بينك وبينه، وهو في حكم الميت؟ ما المسموح من الكلام وما الممنوع؟ ما هي الكلمات التي قد تجرح مشاعره الفياضة في المرحلة الأخيرة من حياته، وما الكلمات التي قد تمده ببعض الأمل؟ لأي شيء ترجو أن تمده بالأمل أصلا!

هل ستكون هذه المرحلة، مرحلة عزاء منك للميت نفسه، تواسيه بما لا يريد أن يسمع، أم تتحدث له عن أمر يعلم جيدا أنك لست خبيرا فيه ولم يسبق لك أن خضته، أم ستجعلها مرحلة ترفيه وإسعاد، تنفس فيها عنه قدر المستطاع ليخوض حتفه بعد ترفيه مشبع؟ فإن كان كذلك، هل فكرت في الترابط الذي قد ينشأ بينكما نتيجة دخولك العميق في حياته، وانعكاس ذلك عليك بعد تنفيذ الحكم؟

(براين)، حضر مراسم الإعدام بالفعل، ولم يستطع تجاهل الكوابيس والآلام التي عصفت به بعد ذلك المشهد، غير أنه استطاع بسببها، أن يحقق من المنجزات ما يخلد ذكره في مجال عمله، وفي بلد إقامته، قرر براين بعد هذه الحادثة أن يكرس حياته للدفاع عن المحكومين بالإعدام ظلما، حتى لا يتكرر مشهد أعدام (هيربرت) مع أشخاص آخرين، أو، حتى لا يتسلم (براين) مجددا بطاقة دعوة، على حفلة إعدام.

29 يناير 2020
انشر الرابط

اترك تعليقاً

اسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني